إنطلاقاً من المبادرة الكويتية اقتراح عن الاستراتيجية الدفاعية «ولقد نصحتك ان قبلت نصيحتي والنصح أفضل ما يُباع ويوهَب» (الإمام علي بن أبي طالب)
«الإعلان عن حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية خلال ستة أشهر، بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني واقرار الاصلاحات السياسية بصورة دستورية» (وثيقة الوفاق الوطني).
في ظل المبادرة التي طرحها وزير الخارجية الكويتي لإصلاح العلاقة مع لبنان، يعود القرار 1559 إلى الواجهة كمدخل أساسي للعلاقة مع العرب ومعظم العالم. إقتناعي بأن رئيس الجمهورية الداعي الى حوار تم إجهاضه يمكن أن يستخدم ما يلي كأساس للحوار يحترم القرار المذكور. هذا الطرح قدمته منذ سنوات وأعيد صياغته كما يلي:
في قراءة اصبحت معروفة للقرار 1559، لا شك ان المشرّع الدولي تقصّد الاعتماد على فقرات من «اتفاق الطائف»، حتى لا يكون القرار غريباً عما توافق عليه اللبنانيون لإنهاء حربهم الطويلة سنة 1989.
لكن نقطة الاختلاف وقعت في تحديد «حزب الله» كميليشيا بعد ان توافق اللبنانيون، في ظل الوصاية وعلى مضض كثيرين، أن مقاومة الاحتلال هي حق تَكفله الشرعية الدولية، وأن «سلاح حزب الله» هو جزء من هذه المقاومة.
لا شك في ان طرح النقاش حول سلاح «حزب الله» في ظل الظروف التي كانت سائدة في بداية التسعينات، كان ضرباً من الخيال. لقد كان جزءاً عزيزاً من الجنوب والبقاع الغربي تحت الاحتلال الاسرائيلي، وقد كان «حزب الله»، وبعد سلسلة من الأعمال العنيفة، قد تمكن من إقصاء كل التنظيمات المقاومة، مستفرداً بقيادة وتنفيذ عمليات كان لها تأثير واضح على وضع الاحتلال في الجنوب.ad
كما ان هذا الحزب أنشأ شبكة معقدة من المؤسسات الدينية والاجتماعية والتعليمية والسياسية والعسكرية، معتمداً على ايديولوجية ادخلت قداسة «ثيولوجية» على واقع السياسة غير المقدس، مما أعطاه حصانة متعددة الوجوه.
لا يمكن ان نغفل في هذا المجال واقع الرعاية من النظام السوري الذي وجد فوائد متعددة من وجود «حزب الله»، تدخل من ضمنها حسابات دولية واقليمية، حتى تصل الى اصغر تفصيل في الحياة السياسية والاقتصادية للزواريب اللبنانية.
لقد استفاد «حزب الله» أيضاً من واقع الفراغ العربي ومن واقع الاحباط الشعبي، من مسألة النزاع العربي ـ الاسرائيلي، مما أسس لتعاطف عام معه لأنه شكل بديلا لفشل المشاريع القومية واليسارية التي تبنتها الأحزاب العربية. كما أنه شكل بديلا من المشاريع الفاشلة لـ«كارتيل» الحكام العرب على مختلف توجهاته، من ملكيات الى ديكتاتوريات الى ديموقراطيات شوهاء.
في سنة 2000 انسحبت قوات الاحتلال تحت وطأة التضحيات الكبرى لمقاتلي «حزب الله» من جهة، وصبر اللبنانيين على تحمل تداعيات معارك التحرير من جهة أخرى، وربما بعض التسويات الدولية. وقد كان من الطبيعي ان تبدأ أصوات بالارتفاع بين اللبنانيين حول معنى بقاء «حزب الله» مسلحاً بعد أكثر من عشر سنوات على سحب سلاح الأحزاب اللبنانية الأخرى. لكن هذه الأصوات كانت محصورة في مجموعة واحدة من اللبنانيين، كما ان الهيمنة السورية منعت تفاعل هذه الأصوات مع بقية مجموعات الوطن، أضف الى ذلك الرعاية التي كان يحظى بها هذا السلاح من رئيس الجمهورية حينها والمنظومة الأمنية والسياسية المرتبطة به بالاضافة الى مسألة مزارع شبعا التي بقيت تشكل وضعاً شبيهاً بمسمار جحا.
في صيف 2004 صدر القرار 1559 ومن بعده التمديد لرئيس الجمهورية، ومن بعدهما اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي أدى الى انسحاب الجيش السوري من لبنان مع مجموعة من التحولات السياسية التي أعادت مسألة سلاح «حزب الله» الى واجهة الجدل السياسي الدائم في لبنان.
بغض النظر عن مسألة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المربوط مصيرها جزئياً بقبول الأمم المتحدة لبنانيتها من خلال ترسيم حدود رسمي بين لبنان وسوريا، فإنّ المسألة الثانية تتمثل في حماية الأجواء والمياه اللبنانية من الاعتداء الاسرائيلي وسبل حماية لبنان من «النيات السيئة» لاسرائيل وهذه مسألة ستبقى مفتوحة حتى بعد التسوية الشاملة البعيدة المنال في المدى المنظور.
وهذا يعني ان لبنان، في ظل اختلال التوازن العسكري المخيف بينه وبين اسرائيل، غير قادر بالوسائل التقليدية على حماية نفسه من الاعتداءات والنيات المبيتة التي يضمرها العقل الاسرائيلي.
هنا تبرز الحاجة الى استمرار وجود منظومة دفاعية قادرة على جعل العدو يفكر ألف مرة قبل المغامرة بالضغط على لبنان على مختلف المستويات. وقد شكل «حزب الله» جزءًا من هذه المنظومة التي اثبتت نجاحها في كبح جماح العدوان، لذلك فقد يفترض هذا البعض أن المنظومة الحاضرة والمتمثلة بالحزب هي منظومة مثالية لتأمين نوع من التوازن الاستراتيجي مع العدو، بناء على الانجازات الميدانية المعروفة. ولكن وجود هذا الحزب قد أثبت أيضاً ثقله على الواقع اللبناني المتشعب بين احتقانات سياسية ومذهبية داخلية وخصومات دولية وإقليمية.
فبعد زهد معلن بالسلطة، تحول هذا الحزب لاعبا أساسيا فيها كبديل عن الوجود السوري. لم يقتصر تأثير الحزب على الحياة السياسية وعلى المشاركة في السلطة، بل إن أمن المواطن الشخصي والاقتصادي والاجتماعي أصبح مهدداً ويومياً بالثقل العسكري لهذا الحزب خصوصا بعد الانتشار العابر للحدود في اليمن وسوريا والعراق.
كما أن بقاء سلاح المقاومة محصوراً في حزب واحد، يمثل جزءاً من مذهب واحد، هو في حد ذاته مشكلة خطيرة التداعيات للاسباب الآتية:
1 ـ اعتماد «حزب الله» على عقيدة نابعة من اقتناعات دينية في الأساس، مما يجعل الالتزام في هذا الحزب محصوراً بمذهب واحد.
2 ـ حصر سلاح المقاومة في «حزب الله» وحده سيجعل من بقية الطوائف والأحزاب في حالة حذر دائم من امكانية تحول هذا السلاح في يوم من الايام وسيلة ضغط سياسية داخلية، كما اثبتت التجارب المعروفة.
3 ـ فتح باب المقاومة المسلحة لبقية الأحزاب والفئات اللبنانية سيغرق لبنان في فوضى مسلحة حتى لو كان الهدف المعلن لهذه المقاومة واحداً. ويكفي ان نتصور أن أكثر من مجموعة سرية كانت تحضر لعملية ضد هدف ما، التقتا من دون سابق انذار في ساحة المعركة. وهذا يكون غيضاً من فيض.
4 ـ تعارض واقع الميليشيات المسلحة، ولو تحت عنوان المقاومة، مع سلطة الدولة.
5 ـ استحالة الاستمرار في ترويج مثل هانوي مع هونغ كونغ في لبنان في ظل الإفلاس العام الناتج، على الأقل جزئيًا، من واقع هذا الزواج.
6 ـ واقع ارتباط عضوي بين «حزب الله» وايران، وهي دولة لها حساباتها واستراتيجيتها ونزاعاتها التي لن تأخذ بالضرورة المصالح العليا للبنان في الحسبان، وربط أهداف الحزب بمشروع ولاية الفقيه الاسمي والعابر للحدود، وهو اليوم بيت القصيد في تدهور العلاقة مع الدول العربية.
قد يبدو مما سبق أن الأفق في تسوية لمسألة سلاح «حزب الله» مسدود لأسباب محلية واقليمية وعقائدية، ولكن هناك حلولاً ممكنة، إن صدقت النيات، تتلخص بما يلي:
1 ـ حق اللبنانيين جميعاً في وضع استراتيجية سياسية وعسكرية للمقاومة تحظى باجماع وطني.
2 ـ حق اللبنانيين جميعاً، ومن مختلف طوائفهم بشرف المقاومة، مما يعني طرح تشكيل بديل لـ«حزب الله» قادر على ضم اللبنانيين جميعاً.
3 ـ جعل أولوية الاستقرار سباقة على كل الالتزامات الحزبية والعقائدية.
4 ـ لا يجب أن يبقى لبنان الساحة الوحيدة المفتوحة على النزاع بالنيابة عن الممانعة الإقليمية بحيث يدفع لبنان فواتير الخراب والدمار ولا يربح شيئا لأن الآخرين يفاوضون عنه وعليه.
لذلك، فإن الحل قد يبدو على الشكل الآتي:
1 ـ اعتبار ان مبادرة اللبنانيين إلى أي عمل عسكري مربوطة بمسألة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وتنتهي أي مبادرة عسكرية مع تحرير هذه المناطق.
2 ـ مطالبة «حزب الله» مع الدولة اللبنانية، بوثيقة رسمية سورية لإثبات ملكيتها أمام المجتمع الدولي.
3 ـ انشاء منظومة مقاومة مسلحة وحيدة التدريب، قد تكون كحرس وطني، تكون نواتها من مقاتلي «حزب الله» بداية، على ان تكون مفتوحة للبنانيين كبديل الخدمة العسكرية أو كنوع من الخدمة المدنية.
4 ـ إنشاء قيادة لهذه القوات، ذات طابع سري، تضم ضباطا يعيّنهم الجيش اللبناني.
5 ـ وضع استراتيجية عسكرية وسياسية واقتصادية وأمنية تتناسب مع الواقع الجديد.
6 ـ حل المنظومة العسكرية لـ«حزب الله» بنحو تدريجي حال إنشاء الحرس الوطني.
7 ـ طرح استراتيجية للرد على كل اعتداء أو اطماع للعدو الاسرائيلي في لبنان ومن ضمنها خرق الأجواء والمياه الاقليمية.
8 ـ فك ارتباط الأطراف اللبنانيين، بما عدا العلاقات العادية، مع القوى الاقليمية والعالمية، أي الحياد الناشط أو الإيجابي.
كل هذه أفكار قد تصبح مخرجاً بناءً على المواقف المعلنة لكل الأطراف اللبنانية.