الشرق الأوسط-يوسف دياب
انتعشت آمال اللبنانيين بإمكانية عودة الحكومة اللبنانية إلى العمل، عبر إعلان رئيسها نجيب ميقاتي عزمه على دعوة مجلس الوزراء للانعقاد كترجمة لـ«تسوية» سياسية مصغّرة ومؤقتة بين أركان الحكم، هدفها الأساسي إقرار الموازنة العامة عشيّة انطلاق جولة التفاوض مع صندوق النقد الدولي المقررة في النصف الثاني من الشهر الحالي، مع إبقاء الحكومة معطّلة ومكفوفة اليد عن معالجة قضايا النّاس الملحّة، بانتظار «صفقة» تطيح بالمحقق العدلي بملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار كما يرغب ثنائي «أمل» و«حزب الله».
ورغم الإجماع السياسي على أهمية إقرار الموازنة، بقيت موجة التفاؤل منخفضة حيال قدرة الحكومة على معالجة الملفّات المالية الاجتماعية والخدماتية، وتلبية شروط صندوق النقد، حتى إن فريق ميقاتي غير مفرط بالتفاؤل، وهو يصف الموازنة العتيدة بالـ«واقعية» التي تحاكي المتغيّرات التي طرأت في السنتين الأخيرتين، فيما ذهب البعض إلى وضعها بسياق موازنة «رفع العتب» لإرضاء صندوق النقد.
ويبدو أن الأجواء الإيجابية التي خلص إليها اجتماع ميقاتي برئيس الجمهورية ميشال عون يوم الأربعاء الماضي ما زالت قائمة حتى الآن، إذ اعتبر النائب علي درويش، عضو كتلة «لبنان الوسط» التي يرأسها ميقاتي، أن «المؤشرات إيجابية، وهي بدأت مع الاتفاق بين الرؤساء (ميشال عون ونبيه برّي ونجيب ميقاتي) على فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي، لإقرار مجموعة من القوانين التي تواكب عمل الحكومة ومنها قانون الموازنة العامة». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن ميقاتي «يتجه إلى دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد في الساعات المقبلة لمناقشة مشروع الموازنة وغيرها من الملفات الملحّة، وهذا عامل مساعد على تخفيف التوتّر في البلد»، مشدداً على أن «الموازنة ستكون واقعية وتبدأ بتوصيف المرحلة على مستوى الأرقام، وتحاكي سعر الصرف وكيفية احتسابه». وقال: «ستلحظ الموازنة الانخفاض الهائل في مداخيل الدولة وكيفية تمويل الإنفاق العام، بالإضافة إلى البنود الإصلاحية».
المسافة الزمنية الضيّقة التي تفصل بين إقرار مشروع الموازنة في مجلس الوزراء، وموعد استئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، تضغط على القوى السياسية، وهذا ما يثير المخاوف من إقرار موازنة غير موضوعية، ولا تلبّي شروط المجتمع الدولي.
ورأى عضو لجنة المال والموازنة النيابية النائب محمد الحجّار، أن الموازنة «لا يمكن أن تكون جديّة إلا إذا رسمت خطة ثلاثية أو خماسية للتعافي المالي والاقتصادي، وحددت أطر معالجة العجز». وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن التعاطي بخفّة مع صندوق النقد عبر موازنة (رفع العتب)، وغياب الإصلاحات الجديّة التي تعالج مكامن الخلل التي أوصلت البلاد إلى الانهيار»، مضيفاً: «نحن بحاجة إلى موازنة تحدد المشكلة وترسم طريق الحلّ وآلية التنفيذ، وفي غياب الخطة الواضحة تكون الموازنة بلا معنى». وذكّر الحجار بأن «فريق صندوق النقد سيركّز على العناوين الإصلاحية ويناقشها بالعمق، وفي حال لم يلمس جديّة سيوقف التفاوض ويكرّس غياب الثقة بلبنان».
ولا تقف الأمور عند أرقام الموازنة ومدى مطابقتها مع خطّة التعافي، باعتبار أن معادلتها معقّدة جدّاً في هذه المرحلة، بسبب افتقاد الحكومة للقرار السياسي، وعجزها عن مقاربة الملفّات الإصلاحية التي تعترض عليها أطراف سياسية وحزبية عشيّة الانتخابات النيابية، ويعتبر الخبير المالي والاقتصادي البروفسور جاسم عجّاقة، أن «العنوان الأساسي لأي موازنة يبدأ بحلّ أزمة الدين العام وكيفية التعامل مع المقرضين». ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحكومة أمام خيارين، الأول: وضع موازنة شكليّة تكون شبيهة بالموازنات السابقة، وهذا يعمّق الأزمة ويزيد من فقدان الثقة بالدولة والحكومة، والثاني: الذهاب نحو موازنة «ثورية»، تبدأ بوقف دعم الكهرباء الذي يكلّف الخزينة أكثر من ملياري دولار سنوياً، وتحرير سعر صرف الدولار، وخفض الإنفاق عبر إلغاء عدد كبير من المؤسسات التي لا جدوى منها، مثل الصناديق وبعض الوزارات والإدارات التابعة لها، وتقليص الوظائف في إدارات الدولة».
وتشكّل الموازنة أولوية لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إذ تشدد مصادر سياسية على أن «التنسيق بينه وبين صندوق النقد الدولي، بدأ منذ تكليفه بتشكيل الحكومة، وثمّة اتفاق ضمني على العناوين الإصلاحية، لكنّ النتائج تبقى غير مضمونة، من هنا يعبّر عجّاقة عن اعتقاده بأن «التفاهم السياسي على العناوين الإصلاحية مفقود، خصوصاً أن هناك من يبدي اعتراضاً شديداً على بنود إصلاحية جوهرية، مثل رفع الدعم عن الكهرباء وخفض الفائض في وظائف الدولة وتحرير سعر الصرف وغيرها». ويلفت إلى أن «لجنة المال والموازنة أوصت بإلغاء 92 مؤسسة رسمية غير مجدية، وهذا لن يكون موضع إجماع في أي خطة للتعافي».