يشغل خط سير ناقلات النفط الآتية من إيران إلى لبنان، حيّزًا كبيرًا لدى الاقتصاديين والاعلاميين والسياسيين على حدّ سواء. ومع اختلاف أسباب المتابعة، يبقى الثابت هو التأكّد من وصولها وتفريغ حمولتها، ونجاح عملية دخول الحمولة إلى لبنان، بعد أن أصبح رسوّها في أحد موانىء سوريا وإدخال موادها إلى لبنان برًّا، أمرًا شبه محسوم.
واللافت، أن وزير الطاقة ريمون غجر، لا يبدي أي اهتمام ظاهري بالناقلات الثلاث المفترض وصولها تباعًا. علمًا أن وزارته هي المسؤول الأول عن ملف النفط والمحروقات. بل يكتفي الوزير بالتأكيد المتكرّر بعدم استلامه أيّ إذنٍ لاستيراد النفط من إيران. فلماذا الإصرار على التنصّل من حمولة الناقلات، مع أنها ستدخل لبنان وتُوزع في السوق؟
موقع تانكر تراكرز
أثبت موقع تانكر تراكرز TankerTrackers المتخصص في تتبع ناقلات النفط، بأنه الوجهة الأولى التي يقصدها المتابعون، لمعرفة أين أصبحت الناقلات الإيرانية. لكن الأخبار المتعلّقة بالناقلات، حُوِّرَت تبعًا لأغراض سياسية، وجرى نقل معلومات غير صحيحة، منسوبة للموقع، تفيد بأن الناقلات غادرت إيران، أو غادرت إحداها. وتارة أخرى يُنقَل بأن الناقلة الأولى غادرت قناة السويس باتجاه بيروت. وفي زحمة المعلومات المتضاربة، ينفي الموقع المعلومات المغلوطة، ويؤكّد أن لا ناقلات تحمل وقودًا للبنان دخلت المياه السورية. ويكشف الموقع يوم الخميس 2 أيلول، دخول باخرة إيرانية إلى سوريا تحمل 730 ألف برميل من النفط الخام الإيراني، علمًا أن الناقلة وصلت “قبل أيام”. ووصولها أمر غير مستغرب، إذ أنها جزء من ناقلات تدخل دوريًا وتحمل شحنات نفطية خاصة لاحتياجات سوريا وليس لبنان.
وفي ما يتعلّق بالناقلات الخاصة بلبنان، يشير الموقع عبر صفحته على تويتر بأنه يعرف أسماء الناقلات الثلاث، وسيعلن عنها “دفعة واحدة، إذا اجتازت قناة السويس إلى البحر المتوسط. وحتى ذلك الحين، العملاء فقط يعرفون”. ويقول الموقع “نحن نعلم ما نفعله. سيتم حظر المتصيدين على الفور”. والمتصيّدون هنا، هم ناشرو الشائعات والمعلومات المغلوطة.
ما هو ثابت حسب الموقع، أن الناقلة الأولى غادرت إيران، وحتى يوم أمس الأربعاء، لم تكن قد وصلت إلى قناة السويس، بل كانت يوم الثلاثاء 31 آب “تسير نحو قناة السويس”. أما الناقلة الثانية، فغادرت الميناء لكنها ما زالت ضمن المياه الإيرانية، فيما كانت الناقلة الثالثة تتحضّر للمغادرة.
الاتفاق النفطي مع العراق
ينفصل ملف استيراد مليون طن من زيت الوقود العراقي عن ملف إدخال شحنات من المازوت والبنزين عبر ناقلات النفط الإيرانية، في الشكل والجوهر. لكنهما متّصلان بخيط رفيع قد يوقف مفاعيل الاتفاق ويلغيه. وهذا القرار مرتبط بالموقف الدولي من السلطات الرسمية اللبنانية. وإنهاء الاتفاق مع العراق يعني حرمان لبنان من الفيول المناسب لمعامل الكهرباء، والذي سيحصل عليه بعد استبدال زيت الوقود العراقي، عن طريق شركة إينوك الإماراتية التي رست عليها المناقصة.
فالبند الثامن من العقد الموقّع بين العراق ولبنان، ينص على أن “يلتزم الطرفان بأن لا يكون أي طرف مشارك بعملية البيع أو الشراء مدرج على لوائح العقوبات الدولية، ويتم استبعاد أي طرف قد يتم إدراجه لاحقًا خلال فترة تنفيذ الاتفاق. وبخلافه، يعتبر الاتفاق ملغياً ويحق للطرف العراقي الانسحاب من بنوده”.
ومن هنا، يُفهَم السعي المستمر لوزير الطاقة للتأكيد على أن لا علاقة للوزارة بالناقلات الإيرانية وحمولاتها، وإن دخلت إلى لبنان بأي طريقة كانت. فالوزارة لم تتلقَّ طلبًا باستيراد النفط الإيراني، وبالتالي فإن دخول نفط إيراني إلى البلاد سيُعتَبَر مخالفًا للقوانين، وبذلك، لا تُلقى على لبنان أي مسؤولية تتعلّق بالعقوبات الدولية، بل يمكن للمجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية، توبيخ لبنان على عدم ضبط حدوده، بالحد الأقصى.
وزير الطاقة في هذه الحالة، يريد تجنُّب أي عقوبات دولية قد تُفرَض على لبنان أو وزارة الطاقة، راهنًا أو مستقبلًا. فالعقد مع العراق سنوي وقد يتجدّد، وقد تتبعه اتفاقات أخرى غير ملحوظة حاليًا. والعقوبات ستشيح نظر العراق عن لبنان، درءًا لأي انعكاس سلبي عليه أيضًا.