فتحت الحرب على قطاع غزة، ومواكبتها لبنانياً من قبل حزب الله وحركة حماس والجهاد الإسلامي من جنوب لبنان، الأنظار على مسارات متوالية من العلاقة بين الحزب “الشيعي” والحركتين الإسلاميتين “السنيتين”. وفي السياق لا يمكن أيضاً إغفال مسار العلاقة بين حزب الله والجماعة الإسلامية.
تاريخياً، يبرز التقاء موضوعي بين هذه التنظيمات، كأطراف متنوعة من حركات الإسلام السياسي. التقت على مواجهة الأنظمة ومعارضتها والدعوة إلى القتال في الميادين المفتوحة وإسقاط الحدود. التقى حزب الله مع حماس على رفض اتفاق أوسلو، وكل ما يسمى بمسار السلام أو المفاوضات، كما التقيا على معارضة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير. وفي فترة من الفترات كان الإلتقاء أعمق بين هذه الحركات والنظام السوري “العلماني”. كله في سبيل ضرب منظمة التحرير أو حتى الوقوف في صف معارضة الأنظمة.
الربيع العربي: محطة مفصلية أولى
جاءت المحطة المفصلية الأكبر، مع اندلاع ثورات الربيع العربي، والتي في بداياتها، لاقت التأييد من حزب الله وإيران ونظمت المهرجانات الإحتفالية بها، خصوصاً مع اندلاع ثورة الربيع العربي في تونس ومصر ولاحقاً في البحرين. عند هذه الحدود كان الإلتقاء في ازدهاره بين حركات الإسلام السياسي السنية والشيعية.
لكن الفيصل كان في سوريا، فمع اندلاع الثورة، تراجع حزب الله وإيران عن تأييد الربيع العربي، فيما انفصلت حماس مؤيدة الثورة السورية ومنخرطة فيها، كذلك فعلت الجماعة الإسلامية في لبنان، بينما بقيت الجهاد في كنف الحزب وايران. وقع الإنقسام الكبير، وتوسع التقاتل على الساحة السورية بين حلفاء الأمس.
فراق وتلاقٍ
استمر الإفتراق طيلة سنوات الثورة السورية والأحداث الحربية والقتالية التي شهدتها، وكانت المواجهات بشكل مباشر أو غير مباشر بين حماس من جهة وحزب الله من جهة أخرى ولو من الناحية المعنوية. مع استعصاء الثورة السورية، واحراز تقدم على خطّ المفاوضات الإيرانية الأميركية وصولاً إلى الاتفاق النووي، وتكريس الإنتصار العسكري للنظام السوري وحلفائه بدون تحقيق إنتصار سياسي، بدأ التغيير في حركة حماس. شهدت انقسامات متعددة، أفضت إلى إعداد وثيقة سياسية جديدة وإعادة تشكيل قيادة جديدة، ترأس اسماعيل هنية المكتب السياسي، وهو ذات علاقة ممتازة بإيران، بينما استبعد خالد مشعل وأصبح مسؤول حماس في الخارج، مع الإشارة إلى استمرار الخلاف بين مشعل من جهة، ومحور الممانعة من جهة أخرى. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه عندما زار مشعل لبنان في العام 2021، لم يتم استقباله من قبل أمين عام حزب الله وذلك بسبب الخلاف بين الطرفين، علماً أن كل زيارات هنية إلى لبنان يتخللها لقاء بينه وبين نصر الله.
ما بعد العام 2017، استمرت محاولات اصلاح العلاقة بين ايران والحزب من جهة، وحماس من جهة أخرى، كما برزت محاولات كثيرة لإصلاح العلاقة بين حماس والنظام السوري. في الموازاة، عمل حزب الله على ترتيب العلاقة بالجماعة الإسلامية في بيروت، بعد خلافات كثيرة حول الوضع في سوريا. حققت المساعي بعض التقدم، وهناك استمرار للعلاقة والإتصالات، على الرغم من بروز وجهات سياسية متعددة داخل الجماعة بين من يؤيد هذا الإنفتاح وبين من لا يزال يعارضه. حتى مع الإنتخابات الأخيرة للجماعة الإسلامية برز هذا التنوع والتعدد في الآراء، فيما ذهب البعض إلى اتهام قيادة الجماعة بأنها مؤيدة لحزب الله أو أن الحزب نجح في تعزيز مكانة من يصرون على العلاقة معه.
طوفان الأقصى: محطة مفصلية ثانية
وصل قطار العلاقات بين الطرفين، إلى محطة طوفان الأقصى، فيها ظهر تكامل بين حزب لله وحماس والجهاد الإسلامي، وظهر تقارب مع الجماعة الإسلامية. وأصبحت كل هذه التنظيمات منخرطة في تنفيذ عمليات عسكرية انطلاقاً من جنوب لبنان ضد اسرائيل. في الموازاة، كانت تخرج أصوات محسوبة على حماس وأخرى على الجماعة تبدي عتباً على حزب الله وأنه لم يتدخل بالشكل المطلوب للدفاع عن قطاع غزة ولمنع اسرائيل من تنفيذ الإجتياح البري ولمنع تهجير المدنيين، واعتبر هؤلاء أن تحركات الحزب لم تؤد غرضها ولم تنجح في تغيير موازين القوى. وعلى الرغم من رفع الأصوات العاتبة، تم العمل إيرانياً ومن قبل حزب الله مع حماس في سبيل ترتيب العلاقة وتجاوز العتب والإقلاع عن مثل هذه المواقف.
حتى الآن، نجح التنظيمان في ترتيب العلاقة وإعادة ضبطها، واستكمال مسار العمليات المشتركة بينهما. لكن ذلك لم ينسحب على الجماعة الإسلامية بشكل كامل، إذ بعدما نفذت الجماعة 4 عمليات عسكرية ضد اسرائيل، لم يأت أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله على ذكرها ضمن المجموعات المقاومة في خطابيه، وهذا ما أدى الى انزعاج داخل الجماعة تجلى في التصريحات التي اطلقها مسؤولها في صيدا بسام حمود.
الجماعة الاسلامية ومصالح الحزب
لاحقا، تحدثت معلومات عن أن الحزب طلب من حماس عدم السماح للجماعة بالإستمرار في تنفيذ عمليات إنطلاقاً من الجنوب، وحصل تنسيق بين الحزب والجيش اللبناني لمنع الجماعة من ذلك. ولكن مؤخراً وبعد الإستهداف الإسرائيلي للجيش اللبناني ما أدى الى سقوط شهيد، عملت الجماعة على إطلاق صلية صاروخية وأصدرت بياناً أعلنت فيه أن عمليتها رد على استهداف الجيش، بذلك أرادت الجماعة “بيع” هذه العملية للجيش اللبناني والدفاع عنه، علماً ان الحزب لم يكن راضياً عن ذلك.
في موازاة هذه التوترات في العلاقة، تستمر المساعي بين الجانبين، أي الجماعة وحزب الل،ه في سبيل إعادة ترتيب العلاقات، وهناك اتصالات تجددت بينهما في بيروت لعقد لقاءات وتنظيم اجتماعات دورية. يأتي ذلك بالتزامن مع معلومات تشير إلى سعي إيران لعقد مؤتمر إسلامي يضم حركات اسلامية متعددة بما فيها مسؤولون من الأخوان المسلمين في إطار إعادة تأطير هذه التحركات. لكن هذه المحاولات لا تزال تلقى انقساماً في لبنان أيضاً، وتنعكس على العلاقة بين الجماعة الإسلامية وحركة حماس. فحماس، التي كانت تركز أنشطتها المركزية في صيدا وتحديداً في المبنى الجديد للجماعة الإسلامية، في منطقة البستان الكبير، عملت مؤخراً على تفريغ مكاتبها من هذا المبنى والإنتقال بشكل كامل إلى الضاحية الجنوبية لبيروت حيث خصص الحزب مكاتب للحركة هناك.
عملياً، يبقى حزب الله قادراً، وله مصلحة، في تعزيز العلاقة مع حماس كحركة مقاومة فلسطينية، وكنقطة قوة له إلى جانب الجهاد الإسلامي داخل فلسطين أو خارجها. وطالما أن حماس لا تزال لديها علاقة جيدة مع إيران، على الرغم من وجود علاقات ممتازة للحركة مع تركيا ومع قطر وغيرهما من الدول، فلا يمكن للحزب أن يذهب إلى الإختلاف مع حماس. لكن هذه المعادلة لا تنطبق على الجماعة الإسلامية في لبنان، خصوصاً مع بروز جسم مسلح هو “قوات الفجر” القادر على الإستقطاب في الشارع السني ولا يزال موقفه مؤيداً للثورة السورية. ما يفضله حزب الله في هذا المجال، هو إضعاف الجماعة لصالح استقطابات سنية إلى جانبه تكون عبارة عن جيوب قادر على الإستثمار بها سياسياً أو أمنياً وعسكرياً، بدون ان تكون هذه الجهات عبارة عن تنظيمات قائمة بذاتها ولديها علاقاتها الخارجية أو امتدادها الإقليمي الذي يمكن أن يصطدم في أي لحظة مع توجهات الحزب كما حصل سابقاً في سوريا.