نجم الهاشم – نداء الوطن
في أول شباط 1979 عندما ركب الإمام الخميني طائرة “إير فرانس” الفرنسية في باريس عائدًا إلى طهران، كان يرافقه عدد من اللبنانيين الشيعة الذين تبوأوا لاحقًا مواقع مهمة في لبنان أو في إيران. قبل أن تأكل الثورة الإسلامية أبناءها وتقوم بعملية تنقية ذاتية للقيادات والأهداف، كان “حزب الله” يولد في لبنان ليكون الذراع الأهم للثورة الإسلامية ولتصديرها، في وقت لم يكن للشيعة في العالم موقع قوة ودور خاص ومستقل إلا في لبنان. صعد دور “حزب الله” مع صعود المد الإسلامي الثوري الإيراني، وهو يتعرض اليوم لخطر الزوال إذا زال النظام. ولدا معًا وينتهيان معًا.
لا حياة لـ “حزب الله” خارج حياة نظام ولاية الفقيه في إيران. ذلك الرحم يمدّ هذا المولود بكل عناصر القوة، وينقل إليه كل عناصر الضعف أيضًا. لا فاصل بين من وُلد من رحم تلك الثورة وبين الحكم الذي نشأ عن تلك الثورة.
قبل أن تصل طلائع وحدات الحرس الثوري الإيراني إلى بعلبك في حزيران 1982 عن طريق سوريا لتؤسّس لولادة ما سيصير لاحقًا “حزب الله”، كان الحزب يولد في أدبيات الثورة الإسلامية ومشروع ولاية الفقيه الذي مثّله ونظّر وخطّط له الإمام آية الله الخميني. انطلق الحزب دينيًا وتنظيميًا قبل أن يتحوّل إلى قوّة عسكرية وأمنية تنفّذ ما يطلبه منها مركز الحكم والولاية، وقبل أن تصبح هذه القوة العسكرية هي التي تمثّل “الحزب” وتختصر دوره. بحيث ظهر بوضوح أن هذا الحزب جسم عسكري وأمني وصُنِع له رداء سياسي حتى يؤمّن له الحضور في البلد الذي نشأ فيه، لبنان.
من الخميني إلى نصرالله
كما مثّل الإمام الخميني نقطة القوة في انطلاقة مشروع ولاية الفقيه وتصدير الثورة الإسلامية، مثل السيد حسن نصرالله أمين عام “حزب الله” قوّة هذا المشروع خارج إيران جامعًا السلطات السياسية والأمنية والدينية والفقهية والعسكرية. وكما مثّل، الوليّ الفقيه، الإمام الخميني، رمزية الثورة وعنوان انتصارها وقوّة أهدافها، وجمع بين القيادتين السياسية والدينية، مثّل السيد حسن نصرالله هذا الدور أيضًا كممثِّل للوليّ الفقيه في لبنان وسائر أنحاء العالم، حيث يمكن أن يصل “الحزب” والتابعون له. هذا الانتشار الشيعي اللبناني على مستوى العالم أمّن لطهران قوة حضور، خصوصًا على المستوى الأمني، قبل أن تكون هناك قوة “حشد شعبي” في العراق، أو دور للحوثيين في اليمن، أو تبعية لحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، أو للنظام الذي مثّله آل الأسد في سوريا
قبل وصول الحرس الثوري إلى لبنان في مثل هذه الأيام من صيف 1982، بعد أيام على بدء الاجتياح الإسرائيلي، كان “حزب الله” ولد في لبنان من رحم “حزب الدعوة”، ومن مجموعات سمَّت نفسها “الخمينيون”، وشخصيات كانت في “حركة أمل” وانشقت عنها وسمّت نفسها “حركة أمل الإسلامية”، ومن بينها السيد حسن نصرالله، وكانت اعترضت طهران وقتها على مشاركة رئيس الحركة نبيه بري في هيئة الإنقاذ التي شكّلها رئيس الجمهورية الياس سركيس وضمّت إلى بري رئيس الحكومة شفيق الوزان ووليد جنبلاط وبشير الجميل ونصري المعلوف وفؤاد بطرس. كانت المشاركة في تلك الهيئة بمثابة الكفر الديني والسياسي. ولذلك بدأ مشروع “حزب الله” من داخل البيئة الشيعية لأنّه ينطلق اساسًا من قاعدة دينية لا يمكن لغير الشيعة الولوج إليها أو تخطّيها.
جندي في جيش “ولاية الفقيه”
هكذا صار “الحزب” أحد أبرز أدوات إيران الأمنية. وهكذا اتُّهم بأنّه نفّذ عملية تفجير السفارة الأميركية في عين المريسة في 18 نيسان 1983، قبل أن يتبنّى لاحقًا تفجير مقرَّي المارينز الأميركيين والمظليين الفرنسيين على طريق المطار في 23 تشرين الأول 1983، والسفارة الأميركية في عوكر في 20 أيلول 1984. وقبل أن يُتَّهم بتفجيرات في الأرجنتين وكينيا والسعودية وبعمليات خطف الأجانب والطائرات.