على مدى يومين متتاليين، شهدت شوارع طرابلس تظاهرات نظمها حزب التحرير، وشارك فيها بعض المشايخ والشباب المتحمس من ذوي الاتجاهات الدينية المتشددة، اعتراضا على مهرجان فني في باحة معرض رشيد كرامي الدولي.
مجمل المناطق اللبنانية، لا سيما في المناطق الشمالية من بشري الى اهدن والبترون وعكار شهدت مهرجانات فنية في اطار المهرجانات السياحية التي تشكل حركة انمائية سياحية اقتصادية وتعكس روح الانفتاح والتجدد وحب الحياة.
حتى الامس كانت فاعليات طرابلسية تعرب عن اسفها لغياب المهرجانات السياحية عن مدينتهم، وكأنهم خارج الخريطة السياحية.
إلا ان الاعلان عن مهرجان ليلة الاحساس، الذي يحييه النجمان الصاعدان محمد فضل شاكر وصلاح الكردي، جاء ليضيء ليل المدينة ويضفي عليها مسحة جمالية فنية سياحية ..
مجرد الاعلان عن المهرجان، كان كافيا لتحرك مفاجىء لم يكن بالحسبان تحرك صنف في اطار من يغرد في سرب عزل نفسه عن باقي شرائح المجتمع الطرابلسي التواق الى الفرح، رغم الظروف العربية والاقليمية المحيطة بالبلاد…
حاول المتظاهرون المعترضون على المهرجان الفني، الضغط باتجاه الغائه، وبدأ الامر بما يشبه فرض رؤيتهم الدينية على الساحة الطرابلسية والى درجة اطلاق صفات على القيمين والمنظمين وعلى البلدية وان السماح بالمهرجان عار في وقت تباد فيه غزة، واطلق المتظاهرون شعارات ( يا غزة نحنا معاك للموت).
لم تحقق التظاهرات اهدافها بمنع المهرجان او الغائه، بل افرزت نتائج معاكسة وردود فعل ابرزها ان التظاهرات شكلت حوافز لدى جمهور واسع من الطرابلسيين والشماليين عموما للمشاركة في المهرجان فسجل اقبال غير مسبوق، واندفاعة نحو حضور المهرجان، وفي مقدمة الحضور شخصيات نيابية وسياسية واجتماعية واقتصادية لحماية وجه طرابلس السياحي ولصد الذين يحاولون فرض واقع مغاير على المشهد الطرابلسي، فكان مهرجانا ناجحا بامتياز من حيث الحضور، ومن حيث التفاعل مع الحدث الفني، وللتأكيد ان طرابلس مدينة الانفتاح والتنوع الفكري ولن تكون قندهار” او مدينة منغلقة على نفسها وحرية الرأي والرأي الآخر مصونة فيها تحت سقف القانون.
لكن هذه التظاهرات والشعارات أثارت جملة تساؤلات لدى اغلبية الطرابلسيين من قيادات محلية ونشطاء وفاعليات:
اولى هذه التساؤلات ان غزة تباد منذ حوالى السنتين، لم تشهد خلالها مدينة طرابلس تظاهرة واحدة حاشدة او غير حاشدة تتضامن وتستنكر ما يجري في غزة من ابادة وهمجية، فما سر هذه اليقظة المتأخرة التي تأتي في توقيت لا يمكن وصفه الا بالمشبوه حسب ما قاله للديار أحد القيادات الطرابلسية؟
ثمة تساؤلات تطرح عما اذا كان خلف تحريك المجموعات المعترضة، من يسعى الى “شيطنة” المدينة، بحجج وشعارات دينية، وما الفائدة من اقحام الاجتهادات الفكرية الدينية، بمهرجان فني؟
ويتابع المصدر الطرابلسي موضحا ان طرابلس مدينة التنوع والتعددية الفكرية والنسيج الاجتماعي المتآلف والانفتاح، وشهدت ساحاتها في تاريخها تنوعا في الافكار والقوى والعقائد ولكل حريته في التعبير عن رأيه، ولذلك عرفت بمدينة العلم والعلماء، بكل ما في العلم من تفكير علمي منفتح وبما للعلماء من واسع الادراك والاعتماد على العقل، وليس الانغلاق والتقوقع والانفصام…
ورأى المصدر ان حفلا فنيا في ارجاء طرابلس من شأنه ان يشحن فيها الامال والافراح وحب الحياة، وليس بمستطاع اي فئة فرض معتقدها على الآخرين، فالمدينة واسعة تتسع للجميع وتحضن الجميع، والتضامن مع غزة أمر بديهي لا جدال عليه، وساحات التضامن معروفة ومفتوحة، ويا ليت العرب كل العرب هبوا هبة رجل واحد لصد حملات الابادة والمجازر الصهيونية المرتكبة في غزة…