دفع القرار الأخير الذي اتخذه رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري بتعليق عمله السياسي وتياره، إلى تقدير بوصلة إتجاه المرحلة وإلى أين سيتجه الوضع اللبناني.
كان رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط أول من حذّر من خطوات الحريري، وطبعاً من باب المحبة، إذ عند إصراره على التكليف نصح الحريري بألّا يتحمّل هذه المسؤولية بل «أتركهم يحكمون»، وبعد عرقلة العهد ورئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل لمهمة الحريري الحكومية، قال له جنبلاط: «أنت ذاهب إلى الإنتحار لذلك فانتحر وحدك لا نريد أن ننتحر معك».
يعلم جنبلاط جيداً مدى الغضب السعودي والخليجي على الحريري، لكن الأخير لم يسمع نصائحه، فكان قراره الشهير بالإنسحاب من الحياة السياسية، وظنّ الجميع أن جنبلاط سيتضامن معه ويعلن عزوف حزبه عن الترشّح والمشاركة في الإنتخابات. لكن جنبلاط الذي قال للحريري منذ أشهر «إنتحر لوحدك»، أكد بما لا يقبل الشكّ أنه ماضٍ في معركته الإنتخابية لمواجهة محور الممانعة سلمياً ولن يعزف عن المشاركة وكأنه يردّ على سعد قائلاً: «إعزف لوحدك».
وذهب جنبلاط بعيداً إذ لم يؤكّد على استمراره في الحياة السياسية فقط بل أراد إيصال رسالة تتضمن ضمان مستقبل ابنه تيمور، ولذلك ما ينطبق على الحريري لا ينطبق على جنبلاط.
وتختلف وضعية الرجلين إختلافاً تاماً، فالحريري ورث زعامة عمرها 30 سنة، فإذا غاب هناك من يرثها، والساحة السنية غنية بمشاريع الزعامات، وتبقى عبارة النائب نهاد المشنوق رداً على انقلاب جنبلاط ومشاركته في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011 أكبر دليل على الوضعية السياسية في البلد إذ خاطبه من الجبل قائلاً: «إذا كان عندك خوف أقلّوي فنحن ليس لدينا هذا الخوف».
لا يملك جنبلاط لوحده قرار إقفال أبواب المختارة، فالزعامة الجنبلاطية موجودة منذ مئات السنوات وخلال إمارة الجبل، في حين أن المختارة تمثل الوجود السياسي والحضور الدرزي في النظام اللبناني، وإقفال أبوابها سيشطب الدروز من المعادلة وليس فقط الحزب «التقدمي الإشتراكي».
ومنذ ولادة لبنان الكبير تلقّى الدروز ضربات كبيرة، وبات دورهم حالياً مقتصراً على حضور جنبلاط وديناميكيته، وليس هناك من نصّ دستوري يحصّن حقوقهم، ووصل بهم الأمر إلى حرمانهم من حقيبة سيادية ومن ثمّ خدماتية، لذلك فإن إنسحاب جنبلاط من الحياة السياسية سيضع الدروز على الهامش.
يحاول جنبلاط حماية الوضعية الدرزية قدر الإمكان وهو يساير الجميع لكي يحافظ على الوجود، ولا يحبّذ «العناد» الماروني، ولا الإسترخاء السنّي، وليس لديه دولة تدعمه ليحظى بفائض قوّة على غرار المكوّن الشيعي، لذلك يسير بين النقاط من أجل عدم إرتطام سفينته بجبل الجليد الكبير وغرقها. لا شكّ ان إنسحاب الحريري أربك جنبلاط في الشوف وعاليه وبيروت الثانية والبقاع الغربي وراشيا، وهو يخوض الإنتخابات بلا «المستقبل»، في حين يتذكّر الجميع كيف نشأ الحلف بينه وبين الرئيس رفيق الحريري في انتخابات 2000 واجتاحت لوائحهما بيروت وجبل لبنان الجنوبي، لذلك فإنه سيدرس خياراته جيداً لكي يحافظ على بعض الوجود، لكن الخيار واضح وهو لا انسحاب من المعركة.