حزب الله “يخترق” عكار: النفَس الطويل في استتباع الطوائف

Share to:

المدن – منير الربيع

يسير حزب الله في تعاطيه اللبناني على خطوط متوازية. فهو ينظر إلى التطورات التي تعصف في البلاد موقناً أن النظام القائم غير قابل للاستمرار على ما هو عليه. وأن هناك لحظة ما آتية وتفرض التغيير.

حزب الله مستمعاً
وفي هذا السياق يستمع حزب الله إلى رؤى وتطلعات من الأفرقاء المختلفة: بعضهم من يريد استعادة صلاحيات ما قبل اتفاق الطائف. وبعض آخر يطرح فكرة الفيدرالية أو اللامركزية الموسعة.

وهناك من يراهن على بقاء النظام وفق تركيبته الحالية، مع تعديلات دستورية تتماشى مع موازين القوى الجديدة التي تميل لصالح الحزب إياه.

مستتبِعاً ومخترقاً
ومن بين هؤلاء من يراهن على تسوية إيرانية-أميركية تعيد له ولموقعه الحظوظ. المقصود هنا هو رئيس التيار العوني الذي يدعو نواب تكتله في كل اجتماع لهم، وكذلك كوادر تياره ومناصريه إلى الصمود والانتظار، لأن لحظة الحلول تقترب ليقبض ثمن مواقفه إلى جانب حزب الله: من إزالة العقوبات عليه شخصيًا، إلى تعزيز وضعه السياسي مستقبلاً.

حتماً من مصلحة حزب الله أن يبقى النظام على ما هو عليه. وهو لا يفضّل المثالثة التي يعارضها المسيحيون، ولا يتحمس لها السنّة. وهو حتماً لا يؤيد الفيدرالية أو اللامركزية الإدارية. فمصلحته الاستراتيجية تقتضي بقاء لبنان على ما هو عليه، ليكون القادر على التحكم في المجريات والمفاصل.

فهو يضبط الساحة الشيعية على نحو شبه كامل. ولديه نفوذ واسع في شطر كبير من المسيحيين. ويتمتع بعلاقات لا بأس بها برموز السنّية السياسية، ولا يريد أي منهم الدخول في مواجهة أو صراع معه. وهو حقق ويحقق اختراقات في مناطق سنّية شعبية متنوعة. وسابقاً كان يسجل هذه الاختراقات عبر حلفائه السنّة، أو عبر “سرايا المقاومة”.

غياب سياسي سنّي شامل
وأما اليوم، فيدخل من بوابة جديدة: التقديمات الخدماتية والاجتماعية، وصولاً إلى التقديمات المالية التي منحها لضحايا تفجير التليل في عكار. فخصص مبلغ 30 مليون ليرة لعائلة كل ضحية، و15 مليون ليرة لكل جريح.

وخطوة حزب الله الاجتماعية والمالية هذه، ستكون لها أبعاد وآثار في البيئة السنّية، ناهيك عن اختراقه شمال لبنان، وخصوصاً عكار المنطقة الاستراتيجية على الحدود السورية. لكن المؤشر الأبرز لهذه الخطوة هو الغياب السنّي الكامل عن المشهد.

فعدا عن وضع التفجير في أدراج النسيان، واختفاء القوى السياسية السنّية التي تمثل المنطقة، هناك مسار الانحدار السني الواضح في لبنان، كما في المنطقة كلها. وهو يوازي غياب أي مشروع أو طرح سياسي للسنية السياسية في ظل الانهيار الكامل.

أما المسيحيون فبعضهم لديه مشروع واضح: الالتحاق بحزب الله والرهان عليه لتعزيز دورهم السياسي. وبعضهم الآخر يقترح فكرة اللامركزية الموسعة أو الفيدرالية. بينما لا يظهر لدى السنّة أي طرح سياسي جدّي.

ووسط غيابهم الاجتماعي والشعبي الهائل، لم يجرؤ أي من وجهاء السنة وزعمائهم التوجه إلى عكار لتقديم واجب العزاء، والوقوف إلى جانب الأهالي. وهم استنكفوا جميعهم عن ذكر القضية، وعن السؤال عن التحقيقات في أسباب التفجير.

حزب النفس الطويل 
وهذا المسار الاجتماعي الذي يسلكه حزب الله، يتوازى مع مسار توفير مقومات الحياة لبيئته والبيئات الأخرى. صحيح أن مشهد إدخال النفط الإيراني إلى لبنان سياسي أو مناطقي الطابع، رغم أن حزب الله يؤكد أنه لكل المناطق وكل اللبنانيين. وصحيح أن هذا المسار قد يفتح شهية كثيرين على الاستيراد وتوفير مقومات الحياة، وفق منطق “الإدارات الذاتية” أو الإدارات المدنية. لكن حزب الله يسعى إلى عدم تكريس هذا المشروع، ليبقى الأقوى بين الضعفاء، وحامي هذه التركيبة اللبنانية، بإمداده ودعمه السياسي لأركانها. مع اتباعه سياسة النفس الطويل، وإمداده البيئات المختلفة معيشياً واجتماعياً، في ظل غياب الآخرين.

Exit mobile version