مصدر أمني رفيع يكشف لـ “الديار” جوهر الروايات المتضاربة حول مقتل رولان المرّ
في وقت حساس يمر به لبنان بعد العدوان “الإسرائيلي” الذي خلف جروحا عميقة في المناطق اللبنانية، عادت الجرائم الفردية والمتعددة الأبعاد، لتلقي بظلالها على المشهد الداخلي. جريمة مقتل رئيس مركز “القوات اللبنانية” في كرم الزيتون رولان المر في الأشرفية، أعادت طرح الأسئلة الجوهرية حول أسباب تصاعد هذه الجرائم، سواء كانت فردية نتيجة لخلافات شخصية، أم تحمل أبعادا سياسية تتصل بالصراعات القائمة في البلاد.
في مقابل ذلك، فان جنحة من هذا النوع، خاصة في توقيت حساس كهذا، قد تكون مجرد حادث فردي، لكنها من المؤكد تحمل في طياتها إشارات لمؤشرات أعمق. فالمواطن اللبناني أصبح كما يبدو، ضحية لظروف سياسية وأمنية واجتماعية معقدة. في هذه اللحظة العصيبة، بات السؤال المحوري: هل ستكون هذه الحوادث بداية لمرحلة جديدة من الانفلات الأمني؟ وهل تدرك الدولة حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها في ضمان الأمن والاستقرار في ظل هذه الظروف؟
التداعيات الأمنية للجريمة
من المؤكد ان قضية قتل رولان المر في كرم الزيتون هزّت اللبنانيين في الأشرفية وخارجها، حيث تعكس حالة من التفلت الأمني والاستهتار بأرواح المواطنين. لذا، وجهت دعوات متزايدة إلى الأجهزة الأمنية للتحرك الفوري واعتقال الجناة المعروفين بالأسماء والوجوه، لتقديمهم إلى العدالة، وإنزال أشد العقوبات بهم، كي يكونوا عِبرة لكل من يجرؤ على تهديد أمن اللبنانيين.
كما برزت على وسائل التواصل الاجتماعي مطالب بوضع حد نهائي للممارسات الخارجة عن القانون، التي تنفذها مجموعات متزمتة، حيث تعمل تحت غطاء شعارات دينية، لكنها تزرع الخوف وتخرق القوانين، ما يخلق أجواء غريبة عن قيم أهل الأشرفية.
وفي ظل ضبط النفس الذي أبداه أهالي المنطقة، وحرصهم على الالتزام بالقانون، هناك خشية من أن يُترك الأمر دون معالجات جذرية. لذلك، من الضروري أن تتحرك الدولة بحزم لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث، لأن الأمن والاستقرار هما خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
إصرار على محاسبة الفاعلين
لا شك ان جميع الأقطاب السياسية والحزبية في لبنان دانت الجريمة البشعة، ودعت بالرحمة لروح رولان المر، والعزاء لعائلته الصغيرة والكبيرة ولكل أبناء الأشرفية، الذين ينتظرون من الدولة إجراءات فعلية تعيد لهم الشعور بالأمان في وطن يرزح تحت وطأة الأزمات.
بدوره، اكتفى النائب عن بيروت غسان حاصباني في حديثه لـ “الديار” بالإشارة إلى أن البيان الذي صدر عنه وعن النائب جهاد بقرادوني يعبر بوضوح عن رأيه. وجاء في البيان: “نطالب الأجهزة الأمنية المعنية بالعمل فوراً على توقيف الفاعلين المعروفين بالأسماء والوجوه، للإسراع بمحاكمتهم أمام القضاء، وإنزال أشد العقوبات بهم، ليكونوا عبرة لكل من تسوّل له نفسه العبث بالأمن وتهديد حياة اللبنانيين. كما ندعو كل الجهات المعنية في الدولة إلى وضع حدّ نهائي لهذه الظاهرة التي تتخفى تحت اسم “الرب”، وتقوم بممارسات خارجة عن القانون، وتخلق أجواء غريبة عن عادات ومفاهيم أهل الأشرفية”.
شهادات متناقضة حول الحادثة
في موازاة ذلك، كشف مصدر أمني لـ “الديار” أن “هناك تضارباً في الروايات، وتتولى “القطعات” المعنية التحقيق في هذه القضية، تحت إشراف وإشارة القضاء. ونحن بانتظار أن تتضح الأسباب التي أدت إلى وقوع هذه الحادثة، والتحقيق مستمر لكشف الحقيقة”.
وعما إذا كانت لهذه الواقعة أبعاد تتجاوز الخلاف الشخصي، أوضح المصدر الأمني أن “الإشكال بدأ فردياً، لكنه اتخذ منحى آخر. الأمور لا تزال حتى الساعة غامضة، نتيجة تضارب المعلومات، إلا أن المؤشرات تشير مبدئياً إلى أن الإشكال فردي، مؤكدا انه لا يوجد موقوفون على ذمة التحقيق حالياً، وإنما يتم استدعاء المعنيين للاستماع إلى إفاداتهم. كما لا يمكن توقيف أحد قبل جمع إفادات موثوق بها، وتحديد دائرة الشبهات، ومعرفة كيفية بدء الحادث وتطوره. نحن بحاجة إلى بعض الوقت لمعرفة جميع التفاصيل”.
موقف جعجع.. تصعيد القضية ام تريث وتهدئة؟
من جانبه، علق رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب “القوات اللبنانية” السيد شارل جبور لـ “الديار” قائلا: “إن رئيس الحزب سيصدر بياناً لإعلان موقف الحزب من حادثة مقتل رولان المر”.وفي وقت لاحق، جاء في بيان اصدرته ” القوات”: “أن جعجع أجرى اتصالاً بوزير الداخلية بسام مولوي، طالباً منه تكثيف جهود ودوريات القوى الأمنية ، للتوصل سريعاً إلى توقيف قتلة الرفيق رولان المر، المعروفين بالاسم والصورة.كما دعا جعجع مولوي إلى معالجة أمر هذه المجموعة الخارجة عن القانون، ووضع حد نهائي لهذه الظاهرة في بيروت، التي عاثت فساداً في أحيائها الهادئة. وسُجل في سجلّها ما لا يقل عن أربع جرائم قتل خلال أقل من خمس سنوات، فضلاً عن جرائم الاعتداء وتكسير بعض المقاهي والإخلال بالنظام ونشر الفوضى.
رد فعل “جنود الرب” على الواقعة
من جهته، قدم أحد أفراد “جنود الرب” تعقيبا على ما جرى في حديث مختصر بجملة لـ “الديار”، “إن الكلمة للقضاء… وعلينا الانتظار”.
وقد شهدت الأجواء في الأشرفية توترا ملحوظا بين المواطنين، لا سيما “القواتجية” وأفراد من مجموعة “جنود الرب”، وقد تدخل الجيش لفض الاشكال وتهدئة الاوضاع. حتى عندما كنا نحاول استصراح رأي الناس، وقع تلاسن كاد أن يتطور إلى مشكلة كبيرة، لكن تم احتواؤه على الفور”.
محاولة تعكير صفو المنطقة.. المسؤولية تقع على الطرفين
في موازاة ذلك، علمت “الديار” من أهالي الأشرفية أن مجموعة “جنود الرب” تحاول منذ فترة قصيرة استفزاز المواطنين وفرض هيمنتها بالقوة، من خلال تصرفات عدائية وغير مألوفة في المنطقة. وفي هذا الإطار، اعطى أحد شبان المنطقة ويدعى شادي رأيه عبر “الديار” لافتا الى “أن هذه المجموعة، المدعومة سياسياً من جهات ذات نفوذ، تلجأ إلى ممارسات تثير القلق والاستياء، مستغلة الغطاء السياسي الذي يحمي أفرادها”.
في حين، قال آخر ان “جنود الرب” يحاولون تطبيق “العدالة الإلهية”، اذ يدافع هؤلاء عن القيم والدين ، واصفا إياهم بـ “المؤمنين الاوادم””.
وقد أثارت هذه التصرفات تساؤلات بين أهالي الأشرفية المحايدين، الذين عبّروا عن استغرابهم من هذا السلوك المستفز والغريب، الذي يعكس محاولة واضحة لفرض واقع جديد في المنطقة، بعيداً عن القوانين والأعراف التي اعتادها سكانها. هذه الممارسات، التي ظهرت بشكل ملحوظ مؤخراً، تزيد من الاحتقان في وقت تحتاج فيه البلاد إلى التهدئة، لا إلى إشعال المزيد من الفتن.