لم يأت قرار النفضة الشاملة في “التيار الوطني الحر” الذي بدأه النائب جبران باسيل قبل فترة من العدم ومن دون حوافز ومسببات، فقد قرر ضبط التيار وإقصاء المعارضين له، تحضيرا لشيء ما واستعدادا لمواكبة المرحلة المقبلة .
الى جانب الإجراءات الداخلية، يحاول باسيل اخراج التيار من العزلة التي تقلّب بها في المرحلة الماضية، وكسر الخصومات التقليدية للعونية السياسية. فقد شهدت هذه الفترة صدمات انفتاحية مفاجئة لباسيل، فلم يجد إحراجا في الجلوس في الصرح البطريركي الى جانب رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، الذي يخاصمه ويضع عليه “فيتو” رئاسي، كما استقبل منذ فترة السفير السعودي وليد البخاري في البياضة، على ان الخطوة الأهم قيامه بتعديل وتنقيح العلاقة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وانتقاله الى مصالحة قيادات وقوى سياسية كان في خصومة انتخابية وسياسية معها.
باسيل اسدل الستارة على مرحلة من العلاقة السيئة للتيار بعدد من الخصوم السابقين ومن دائرة الحلفاء، ممن ساءت العلاقة معهم لخلفيات تتعلق بالانتخابات الرئاسية وعدد من الملفات، باستثناء “القوات” الذي لا يلتقي معها حاليا إلا على رفض ترشيح فرنجية. وتبدو العلاقة مستقرة مع “تيار المستقبل”، بعدما أرسل إشارات إيجابية الى رئيسه سعد الحريري. فالتهدئة مع “المستقبل” تجلت بمحاكاة هواجس الشارع السني في جولته الى عكار الأسبوع الماضي.
ومع ان هناك وقتا طويلا يفصل عن موعد الاستحقاق الرئاسي، إلا ان خطوات باسيل منسقة بما يتماهى مع انتخابات ٢٠٢٦ من هذا المنظار، فالحسابات الانتخابية تفترض التموضع الى جانب حزب الله في الدوائر المشتركة، فلا يخسر التيار مقاعد يمكن ان تكسبها “القوات”. وقد ثبت كما تقول المعلومات ان تصعيد باسيل ضد حزب الله لم يربحه في الشارع المسيحي.
انفتاح باسيل تخطى القوى السياسية المؤثرة مثل “تيار المستقبل” وحزب الله والرئيس نبيه بري، وشمل قبل فترة النائب ابراهيم عازار المقرب من رئيس المجلس، في خطوة لها دلالات انتخابية للعودة الى الساحة الجزينية، بعد انتكاسة الانتخابات النيابية والفوز الساحق لـ “القوات” بالمقاعد الجزينية. وفي زحلة انهى القطيعة، ويحضر أرضية انتخابية مع رئيسة “الكتلة الشعبية” ميريام سكاف، وفي المتن الشمالي مع الوزير السابق الياس المر بعد مرحلة طويلة من الصراع السياسي والإنتخابي.
وإذا كان من المبكر الجزم بإمكانية قيام تحالف مستقبلي بين باسيل ومن يتصالح معهم في انتخابات ٢٠٢٦، فإن أقل ما يقال ان هناك خطة يعمل عليها استعدادا لانتخابات ٢٠٢٦ ، وربما انتخابات مبكرة اذا تعقدت الأمور.
بالطبع ليس عاديا ان يجري رئيس التيار مصالحات بهذا المستوى تتطلب الكثير من الجرأة، وليس تفصيلا بسيطا ايضا إقصاء قيادات ونواب صقور، فالواضح ان هناك تنظيما جديدا لعلاقة التيار مع القوى السياسية، تحضيرا لقفزة نوعية او تموضع جديد لمواكبة المتغيرات ومرحلة ما بعد الحرب.