وصلت سياسة ترقيع الاقتصاد المهترئ بأسعار صرف مختلفة الأحجام والأشكال إلى نهايتها غير السعيدة. فالاتفاق الذي “سكِرت” السلطة بتوقيعه مع صندوق النقد شدّد على توحيد سعر الصرف. وقد ورد هذا المطلب مرتين في متن الاتفاق، ومرة كشرط مسبق أساسي من ضمن الشروط الثمانية. ومع ذهاب “سكرة” التوقيع، استحال التوحيد مهمة مستحيلة لما يتطلبه من إصلاحات تقوّض بنيان المنظومة السياسية والمصرفية، وتدك مكتسباتها التي ما زالت تحميها من خلال نقل عبء الأزمة إلى الفئات الأكثر ضعفاً.
“نظرياً، يبدو توحيد سعر الصرف أمراً مقدوراً عليه ويمكن التأسيس له إنطلاقاً من منصة صيرفة”، بحسب مصادر مطلعة، “لكن فعلياً، العملية سرعان ما ستفشل إن لم تسبقها إعادة هيكلة للقطاعين المصرفي والعام وإقرار قانون الكابيتال كونترول”. فتوحيد سعر الصرف يفترض وقف العمل بتسديد الودائع على سعر 8000 ليرة بحسب التعميم 151، ومناصفة بين الدولار والليرة على سعر 12000 ليرة بحسب التعميم 158، والتوقف عن مبادلة الليرة بالدولار على سعر منصة صيرفة بحسب التعميم 161، والعمل على تسديدها وفق سعر صرف السوق. ومع وقف التعميم الأخير سيبدأ سعر صرف السوق بالارتفاع بوتيرة سريعة وبفوارق كبيرة. الأمر الذي سيؤدي إلى طباعة المزيد من الليرات لتلبية السحوبات. وبالتالي المساهمة بالمزيد من انهيار سعر الصرف، أو تقييد السحوبات بقانون “الكابيتال كونترول” والتسبب بانكماش جهنمي. وفي الحالتين النتائج ستكون بالغة السلبية. هذا من دون التطرق إلى تحول القروض المصرفية ومختلف الرسوم والضرائب وأسعار الخدمات الى سعر السوق، وما ستسببه من انهيار في القدرة الشرائية مع عجز الدولة والمؤسسات عن اللحاق بسعر الصرف وتصحيح الأجور”.
في المقابل ترى المصادر أن “تدخل مصرف لبنان بهوامش مقبولة ومحدودة أثبت فشله المطلق وعجز عن توحيد سعر الصرف على أساس منصة صيرفة. وذلك على الرغم من إنفاقه أكثر من 1.5 مليار دولار في غضون أشهر قليلة. وهو لن يستطيع الاستمرار في هذه العملية في المستقبل القريب، وسيضطر قسراً إلى التوقف عن بيع الدولار على منصة صيرفة”.
كل الحلول إذاً ستعيدنا إلى النقطة صفر ما لم يتم تصغير حجم القطاع العام إلى حدوده الدنيا، لضمان تمويله من إيراداته المعقلنة، وإعادة هكيلة القطاع المصرفي لضمان تسديد الودائع بعملتها الحقيقية، أو أقله بقيمتها الحقيقية من دون التسبب بتضخم انكماشي.
الحلان دونهما عراقيل يكاد يكون حلها “مستحيلاً”، بحسب المصادر، فالحل الأول “يفترض التضحية بنفوذ الزعماء والمسؤولين في حدائق الدولة الخلفية للتوظيف والسمسرة”، والثاني يعني “تخلي الفريق الأول مع المصرفيين عن مكتسباتهم”. وسنعود بذلك إلى ما توقعه “بنك أوف أميركا” بالاستمرار بنهج تذويب الودائع على سنوات طويلة ونقل عبء الأزمة إلى المودعين والمواطنين، من دون الخروج من الانهيار.