في ظل “الفوضى الخلاقة” التي يعيشها لبنان، منذ “الحراك الشعبي” في 17 تشرين الاول 2019، تظهر طروحات سياسية وحزبية، تعيد تذكير اللبنانيين بما كان معمولاً به في اثناء الحرب الاهلية التي دامت نحو 15 سنة، كأمن “المجتمع المسيحي” والتقسيم والفدرالية والادارة المدنية وانتهت سخونتها، لتبدأ باردة منذ العام 2005، حيث يمر اللبنانيون بأسوأ الازمات بعد سنوات من السلم الاهلي المفروض، والاستقرار النقدي المزيف.
فخلال السنوات العشر الاخيرة وما قبلها، كان الوضع يتجه نحو الكارثة اكثر، وهذا ما ترسمه “سيناريوهات” خارجية لمستقبل لبنان عن مرحلة خطرة تنتظره، اذا لم ينتظم عمل مؤسساته الدستورية بانتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة تقوم باصلاحات بنيوية في نظامه السياسي، كما في هيكله الاقتصادي، القائم على القطاع المصرفي المتعثر بسبب استدانة الحكومات المتعاقبة فيه، من اجل تسديد العجز في موازنته المترتب عن الديون وفوائدها والكهرباء ورواتب القطاع العام، اضافة الى الفساد والهدر ونهب المال العام، وعدم اعتماد خطة اقتصادية تقوم على الانتاج، وجذب مستثمرين للزراعة والصناعة كما السياحة، والتوقف عن الارتكاز على نهج الخدمات.
كل هذه المسببات ادت الى الانفجار الشعبي، تحت مسمى زيادة رسم على مكالمات الهاتف الخليوي، ومنه توسعت ما سمي “ثورة” الى مطالب غير مبرمجة، وخارج سياق اهداف اي ثورة، التي لم تنتج التغيير في النظام السياسي ولا تحقيق اصلاحات اقتصادية، وفق قراءة سياسية لمسار “الثورة” التي انتهت قبل ان تولد دون برنامج وقيادة ومسار لبنان نحو “الفوضى الخلاقة”، وهو قطاع اميركي، يستخدم في كل بلد لا يخضع للشروط السياسية الاميركية، ولبنان يشكل نموذجا لعدم امتثاله الاوامر الاميركية، باحراز المقاومة انتصارا على العدو الاسرائيلي، الذي يقع امنه من امن الولايات المتحدة الاميركية، وتعتبره قاعدة عسكرية متقدمة لها في المنطقة.
فمع الانحلال الذي اصاب مؤسسات الدولة والافقار الذي لحق بالمواطنين اللبنانيين، وتراجع الخدمات الكهربائية والمائية والهاتفية، وتوقف القضاء عن العمل، والتفلت الامني الحاصل من اعمال قتل وسرقة وسلب وانتشار المخدرات، بدأت تتسلل افكار وممارسات تعيد مشهد ما كان حاصلاً في اثناء الحرب ـ الفتنة.
وفي هذا الاطار، فان دعوة رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، الى “الطلاق” مع “حزب الله”، وان يسير كل فريق في طريقه، فسرّها مرجع حزبي على خصومة سياسية مع الكتائب، بأنها دعوة مباشرة الى “الفدرلة” التي لا ينكرها رئيس حزب الكتائب، والذي كان وقبل ان يعود الى الحزب، صاحب شعار “لبناننا”، وحاول انشاء تيار له، وهو ما زال عند هذا الشعار، بان “لكم لبنانكم ولنا لبناننا”، وليس كما طرحه الاديب النهضوي جبران خليل جبران، بل كما رآه بشير الجميل الذي اسس “القوات اللبنانية”، ليقيم “الدويلة المسيحية” من “جسر كفرشيما الى جسر المدفون”، وهذا ما يتطابق مع طروحات سامي الجميل، والعقل الذي يتحكم “بالحالة الانعزالية” حيث لاقاه ابن عمه نديم، عبر احياء ما يسمى “الامن الذاتي” و”المجتمع المسيحي” بحماية الاشرفية، من اعمال السرقة والسلب، وهو الشعار الذي رفع قبل اندلاع الحرب الاهلية، عندما بدأ حزب الكتائب يتسلح بوجه “السلاح الفلسطيني” الذي كان بعض المتفلت منه يسيء الى المسألة الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني المتمسك بارضه وحق العودة اليها.
وتتحدث المعلومات، ان مكانا يتجمع فيه اشخاص قرب فندق “غبريال” القريب من حي بيضون وبرج رزق، في استعادة لخطوط التماس اثناء الحرب، حيث يشكل هذا التجمع الخط الامامي للدفاع عن الاشرفية، التي تم تجنيد افراد تحت اسم “امان”، للسهر وتسيير دوريات في الاحياء، وهذا ما ظهر في الاعلام، ويتقدم نديم الجميل هؤلاء الشباب للحماية تحت عنوان فقدان الامن الرسمي، ليتقدم “الامن الذاتي”، وهو يلاقي ما طرحه سامي الجميل بان “لنا لبناننا”، وهو ما يتم الترويج له في الدوائر الاميركية عبر وليد فارس الذي عمل في حملة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، والذي يدعو الى اقامة “المنطقة الحرة”، التي تكون خارج سيطرة “حزب الله” او ما يسمونه “الاحتلال الايراني” اذ يصب هذا الطرح في ما يرسم للبنان من خطط ومشاريع و”سيناريوهات”، مع استمرار الانهيار في الدولة ومؤسساتها، وكلها تنبىء بان لبنان مقبل على ما هو خطر في ظل لعبة الامم، وصراعات الدول.