انّ توظيف أعادة تدوير النفايات في الفن المعاصر بدأت منذ العام 2006، لتسرق الأضواء كحالة جديدة معاصرة، والهدف بيئي جمالي بمزيج فني، وبطبيعة الحال من النفايات المتعددة المصادر والمواد والخامات.
يرتكز هذا العمل على إعادة تدوير النفايات من خلال تحويلها الى اعمال فنية غريبة ومميزة ودقيقة العمل، من لوحات ومعلّقات ومجسّمات حتى سجّاد وتصميم فساتين وازياء…
تكمن الغاية في هذا الفن لتخفيف تراكم النفايات والملوّثات الناتجة من رمي المواد الصناعية والعضوية وغيرهما، والذي يشكل ضغطا واختلالاً على النظام البيئي. وبالتالي إعطاء حافز ودافع للفنانين في تكريس مواد وخامات ووسائل جديدة للتعبيرعما يجول في اذهانهم وانعكاس لانطباعاتهم وسلوكياتهم، وترجمتها في الاعمال الفنية التي بعضها يكون نتيجة المخلّفات الصناعية كالخردة والورق والكرتون والاسلاك والاقمشة والبلاستيك والعلب الفارغة المتعددة المواد والزجاج والخشب وغيرها من المكونات والعناصر التي لم تعد صالحة للاستخدام. وبعض هذه المواد تخلّفه الطبيعة نفسها كأوراق الشجر والثمار الجافة والبذور والنباتات والحشائش والاغصان، حتى «ليفة التواليت»، والتي قالت الفنانة باسكال مسعود انها تستخدمها في اعمالها لأنها تجسّد لها خلايا الانسان والانسجة الحيوية. وغمزت، الى انها باتت توظّف كل الطاقات المطلوبة في هذا الفن، ما يدل ان الاستمرار في هذا الاتجاه كفيل بتغيير الواقع الملوث 180 درجة، باتجاه بيئة صحية خالية من أي نفايات قد تُنتج اضراراً لا حصر لها.
«ميكس ميديا» فن ابعد من إعادة التدوير
سلسلة تحقيقات أجرتها «الديار» عن إعادة التدوير في كافة جوانبه، بدءا من النايلون والزجاج والكرتون والكاوتشوك وحتى الحقائب المدرسية، وجميعها اما من القماش او الإطارات او الزجاج بحسب المادة المراد انتاجها من جديد. كما سلطت الضوء على مفهومه ووسائله وادواته والمواد المستخدمة وتلك التي يمكن صنعها. واليوم نتحدث عما يسمى «ميكس ميديا» والذي يعتمد على الرمل والمعجون والتراب والقماش والليفة الطبيعية والعود اليابس والخرز والحديد والشمع إضافة الى الغراء لتثبيت العمل.
الفن محرّض!
«الديار» تحدثت الى كل من الفنانتين ثريا حلاّل وباسكال مسعود عن هذا الفن واهميته على الصعيد البيئي، لجهة إعادة تدوير النفايات وتوظيفها في فن معاصر لا منازع له بين الأنواع المختلفة من الفنون الأخرى. وقد يكون بالفعل منجما من الذهب او كالدجاج الذي يبيض ذهبا نظرا لأهميته.
تقول مسعود ان الفنان انسان يعيش وسط مجتمع يتأثر بكل ظروفه، وللأسف وطننا يعاني منذ سنوات من مشكلة النفايات المتراكمة، فكان هذا الدافع الاساسي لأنتج أعمالي الفنية ، خاصة أنى استفدت من دراستي الأكاديمية في الجامعة اللبنانية للفنون التشكيلية، لأحوّل كل ما يُتْلَف من أشياء وادوات الى أعمال ذات قيمة فنية.
اضافت: كنت اجمع المواد من البقايا والنفايات المنزلية إضافة الى كل انواع الاقمشة المجمعة للرمي من مشغل ابنتي للخياطة، وقالت: لا سند ولا حماية ولا محافظة لأي عمل فني من هذا النوع، كما ينقصنا الكثير في لبنان من توعية ومتابعة فنية وثقافية.
أدوات هذا العمل لا نهائية
وتشرح حلال قصتها فتقول: بدأت أول عمل فني منذ صغري عندما كنت أحاول تجميل كل ما هو قديم في منزلنا، خاصة أننا كنا نعيش في ظروف صعبة بسبب الحرب الأهلية، حيث كنا نقضي معظم أوقاتنا في المنزل، فعملت على اعادة الحياة للأغراض من خلال تلوينها وزخرفتها بالمواد المتاحة من صور مجلات وعمل كولاج عليها.
في سياق فني متصل، تعتبر حلاّل ان الفن البيئي يوثّق الصلة بين الانسان والطبيعة من خلال رفع الضرر عنها، وخلق اعمال جميلة مكوّنها الاساسي النفايات المنتشرة في كل الوطن لنحافظ على كوكبنا، ويتم ذلك عبر استخدام او توظيف المواد التي أصبحت خارج الخدمة، اي نفاياتنا مهما كان نوعها نستطيع تحويلها إلى عمل فني او الاستفادة منها بإعادة تغيير وظيفتها بطريقة مبتكرة.
أما عن الأدوات المستعملة لإنجاز هذه الأعمال تصفها حلاّل بالغير محدودة، فأحيانا أستعين بأدوات النجارين والحدادين والافران والحراق والاسلاك والزجاج المكسور والاقراص، وتشير الى ان الأعمال الفنية التي أقوم بها معظمها من منزلي ومن اغراضي القديمة ومن «قناني» المياه التي نستعملها يوميا، وشنط النايلون التي نشتري بها الأغراض من المحلات والسوبرماركت إضافة الى «الكراكيب» القديمة التي قمت بجمعها طوال السنين.
أضافت: أحيانا استعين بأغراض من الطبيعة لأُدخل مواد طبيعية إلى العمل الفني، وعادة يكون الصنع نموذج احادي لا يتكرر، وهذا لا يتطلب كميات كبيرة، وأحاول ان ابتكر تقنيات جديدة من كل النفايات المتاحة، ولا أكرر أعمالي لان هدفي ليس تجاريا بل توعوي.
صفر نفايات
استكملت حلال قائلةً: الرسالة الأولى تعبيرية تهدف إلى رفع مستوى الذوق البصري لدى الجمهور، من خلال عرض هذه الأعمال الفنية وإقامة ورش عمل للكبار والصغار في كل معارضي الفردية، لتكون بمثابة تحفيز ورفع الوعي للمحافظة على جمال الطبيعة ولتغيير عادات وسلوكيات الافراد في المجتمع. وتابعت: الأهم أنى اقوم بشرح العملية التقنية التي ابتكرت فيها هذه الأعمال.
وأشارت الى انه في معرض «فن، بيئة، انسان» في «كاليري اكزود»- الأشرفية، كان هناك مسابقة بين ثلاث مدارس هي: الحكمة، المقاصد والمبرات لاختيار أجمل عمل فني وتصميم فساتين مصنوعة من النفايات، ولفتت الى إقامة معرض لأعمالهم وعرض ازياء للتصاميم التي نفذوها، فكانت تجربة مميزة لي ولهم.
ولوّحت حلال الى ان الوصول لصفر نفايات في مجتمعنا في ظل هذه الظروف هو أمر مستحيل، لأن أزمة النفايات بحاجة لمعالجة من قبل الدولة والبلدية. ولي تجربة في ضيعتي حبوش جنوب لبنان مع «جمعية البيئة والانسان» بحيث ان الصعوبات كانت مادية بالدرجة الأولى لتأمين اماكن لوضع النفايات التي تم فرزها من قبل أهالي الضيعة وتأمين شاحنات وعمال لنقل المواد المفروزة من البيوت، غير ان معالجة المواد العضوية بحاجة لإنشاء معمل لتحويلها إلى سماد طبيعي، وهذا الامر اشارت اليه بدورها الفنانة باسكال مسعود.
أضافت حلاّل: الاهم هو وضع قوانين صارمة وعقوبات على كل من يرمي نفايات في الأماكن العامة او قرب الأنهار او في البحر ، خاصة نفايات المعامل والصرف الصحي.
اما مسعود فأشارت الى انه بطبيعتي لا أحبذ رمي أي من المواد او الاغراض، بل على العكس الجأ الى تجميع الأشياء من أصغرها الى اكبرها ، تحاشيا للندم والخسارة، وأجد في كل غرض افادة مستقبلية وبنفس الوقت لا اراكم النفايات، باعتبارها مؤذية للبيئة، بل استعين بها لدلالة ما في عملي الفني ولغايات جمالية، وفي الوقت نفسه الوصول الى مبتغاي بأقل كلفة ممكنة.
المطلوب من وزارة الصناعة
واشارت حلال الى ان المطلوب من كل بلدية ان تهتم بمنطقتها، فتبدأ بفرز ومعالجة نفاياتها وتأمين تمويل مالي يكفي لأقامه المشاريع التي تحمي البيئة، وتعالج مشكلة النفايات بالطرق الحديثة عبر توظيف مختصين في هذا المجال ونزيهين ومخلصين بعملهم، وتشجيع المبادرات الفردية وعدم وضع العراقيل والمحسوبيات لتفشيل اي مشروع يفيد المجتمع.
وفي الإطار ذاته، اكدت مسعود ان المطلوب وضع خطة الزامية لكل بلدية وبيت حول كيفية جمع وفرز النفايات ووضعها في أماكن مخصصة للتوزيع. وأشارت الى ان هذا العمل كناية عن مشروع كبير يتجه نحو الصناعة لخدمة الفن والمجتمع معا كما انه يطبق في كل من السويد وأوروبا.
اضافت حلال، إذا كان المقصود بهذا السؤال الفن البيئي، اكيد «كلا»، لا يستطيع الفن وحده حل هذه المشكلة، لان دور الفن توعوي وارشادي وجمالي، إنما إذا كان المقصود هو إعادة التدوير بشكل منهجي وعلمي وعملي ومدروس من قبل مهندسين مختصين تستعين بهم الدولة والوزارة والبلديات، فمن الممكن ان نسير نحو مستقبل أفضل في حل مشكلة النفايات.