تعيش بيروت أزمة بيئية خانقة تظهر آثارها بوضوح على جوانب الطرقات، حيث تتكدس النفايات، مشكّلة مشهداً يهدد توازن البيئة الحضرية الذي طالما ميز العاصمة. ورغم الجهود المستمرة لعمال النظافة لرفعها، فإن التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة، تجعل هذه المهمة شبه مستحيلة في ظل الظروف الصعبة.
وقد ساهم ازدياد التهجير بسبب الأزمات الأمنية والحرب الأخيرة مع «إسرائيل»، في تعاظم هذه المعضلة، حيث تضاعفت الكثافة السكانية في بيروت الكبرى، مما أضاف عبئاً ثقيلاً على البنية التحتية والخدمات العامة، وأدى إلى اختلال التوازن البيئي في المدينة.
انطلاقاً من كل ما تقدم، يرى خبير في شؤون التخطيط العمراني أن «هذا التدهور البيئي يعكس تراكماً للأزمات دون معالجات مجدية، حيث أصبح محيط المدينة ضحية لغياب التصميم البيئي المستدام، مما يضع بيروت امام مأساة طبيعية واجتماعية غير مسبوقة».
تأثير اكوام النفايات في التوازن البيئي
لا شك ان تجمّع النفايات يتسبب في العديد من المشكلات البيئية والاجتماعية، التي تشكّل تحدياً مباشراً للسكان، وتهدد استدامة البيئة في العاصمة.
وفي هذا السياق، تشير مصادر في بلدية بيروت لـ «الديار» الى ان «الضغط المتصاعد على البنية التحتية وارتفاع عدد السكان، نتيجة التهجير من المناطق الحدودية والأرياف نحو العاصمة، قد خلق عبئا هائلاً على الخدمات العامة، التي تعاني أساسا من نقص في الموارد، مما أسهم في تنامي كمية الفضلات يومياً وصعوبة التخلص منها بطرق صحيحة. لذلك من الطبيعي ان ينتج من هذا الاحتشاد التالي:
1- تلوث الهواء والمياه: يشكل تراكم القمامة مصدراً للتلوث البيئي، حيث ينبعث منها غازات سامة، لا سيّما عندما تُحرق بشكل غير منظم، ما يؤدي إلى تلوث الهواء ويؤثر في صحة السكان. كذلك، فإن تكدّسها بالقرب من مواقع المياه يعرضها للتلطخ، مما يزيد من احتمالات تفشي الأمراض، خصوصا اننا على مشارف فصل الشتاء.
2- الثروة الحيوية بخطر: تجذب اكوام النفايات القوارض والحيوانات الشاردة، الامر الذي يؤدي الى تراجع الموائل الطبيعية في الضواحي المحيطة بالمدينة. لذلك، تؤثر هذه الظاهرة بشكل كبير في التنوع البيولوجي الذي كان يميز المناطق المحيطة بالعاصمة.
3- التأثير النفسي والاجتماعي: يولد وجود المخلفات المبعثرة بشكل عشوائي اضطرابات نفسية للسكان، حيث يخلق شعوراً بالإحباط واليأس، ويقلل من ارتباطهم بالمجتمع.
وتؤكد المصادر ان «تردي البيئة الحضرية يخلق شرخاً بين السكان ومدينة بيروت، ويزيد من الإحساس بالغربة داخل المجتمع الحضري».
الحلول غائبة!
وتوضح المصادر نفسها انه «من الأسباب الرئيسية لتفاقم أزمة الفضلات في بيروت أن هذه المعضلة ليست حديثة العهد، بل تعود جذورها إلى سنوات طويلة مضت. مع العلم انه تم ضخ مليارات الدولارات في محاولات لحلها، إلا أن الجهات المسؤولة والمعنية فشلت في إيجاد حلول فعّالة. وغالباً ما كان يتم استغلال هذه المشاريع لأغراض شخصية من قبل بعض الأطراف، مما أدى إلى إهدار الأموال دون أن تحقق أي نتائج ملموسة. هذا التخبط في إدارة الأزمة، إلى جانب ضعف المحاسبة وغياب الرقابة، ساهم في تدهور الوضع».
وتشير المصادر الى انه «في ظل الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية الراهنة، أصبحت المشكلة أكثر تعقيداً وخطورة. فقد ازداد الضغط على البنية التحتية بشكل كبير، وفي وقت تتوافد فيه أعداد ضخمة من المهجرين اللبنانيين ووالنازحين السوريين، مما يفاقم حجم النفايات ويضاعف من الضغط على مرافق جمعها ومعالجتها».
وتضيف المصادر: «إضافة إلى ذلك، لا يجب أن نغفل أن جزءاً كبيراً من المساعدات الإنسانية التي تصل إلى المهجرين، سواء من خلال الجمعيات أو المنظمات الدولية، غالباً ما تنتهي في مكبات النفايات دون أن تُوزع على الفقراء والمحتاجين في المناطق الآمنة التي لم تشهد نزاعاً، وهذا يعكس الفشل في توجيه هذه المساعدات للاستفادة الحقيقية منها. وتتطرق الى أبرز العوامل التي تسهم في احتشاد بقايا الاطعمة في شوارع العاصمة، ومنها:
- الكثافة السكانية: يثقل التهجير المستمر نحو العاصمة كاهل بنيتها التحتية، دون اتخاذ تدابير لاحتواء هذا التوسع في عدد السكان. فالخدمات المتاحة بالكاد تستطيع تلبية احتياجات السكان المحليين، ومع ارتفاع عدد المهجرين، باتت البنية التحتية غير قادرة على التعامل مع حجم النفايات.
- ضعف الموارد المالية: تعاني البلديات في بيروت من قلة الموارد المالية، مما يؤدي إلى عجز في التعامل مع مشكلة النفايات وتوفير الخدمات الأساسية. لذا، زاد هذا الوضع من صعوبة جمعها بشكل منظم وتخصيص مساحات مناسبة للتخلص منها.
- غياب الوعي البيئي: ضعف الوعي بأهمية المحافظة على البيئة يزيد من تكدّس النفايات، حيث يلجأ بعض السكان إلى التخلص من المخلفات في الأماكن العامة دون مراعاة للأضرار البيئية، مما يعمّق المشكلة وينعكس سلبا على نظافة المدينة.
- التدابير المقترحة للتخفيف من القمامة والحد من انتكاسة البيئة
من جهتها، توضح مصادر سياسية بارزة ومتابعة لملف النزوح وتراكم النفايات لـ «الديار» ان الاجراءات يجب ان تتضمن الخطوات التالية:
1- تعزيز أسلوب الفرز من المصدر: ينبغي على البلديات، وبيروت بشكل خاص، العمل على تثقيف السكان حول أهمية فرز النفايات في المنازل، من خلال حملات توعوية ومبادرات مجتمعية. يُسهم هذا النظام في تقليل حجم الفضلات ويتيح إعادة تدويرها، مما يخفف من الضغط على المرافق البيئية.
2- تحسين البنية التحتية لإدارة النفايات: تحتاج بيروت إلى استثمارات لتحسين مراكز معالجة النفايات وزيادة كفاءتها. يشمل ذلك إنشاء منشآت متطورة للرسكلة، مما يوفر حلاً بيئياً ومستداماً لمعالجة الأزمة.
3 – تفعيل الشراكة مع القطاع الخاص: يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دوراً مهماً في تقليل حجم هذه الكارثة من خلال الاستثمار في مشاريع إعادة الاسترجاع ومعالجة المخلفات. كما تسهم الشراكات بين القطاعين العام والخاص في تحسين الخدمات وخفض التكاليف.
رفع مستوى الوعي البيئي: تعتبر التوعية البيئية جزءاً أساسياً من أي حل طويل الأمد. يجب على الجهات المعنية إطلاق حملات إعلامية وورش عمل توعوية تهدف إلى تعليم السكان كيفية التعامل مع النفايات بطريقة سليمة، مما يوطد الشعور بالمسؤولية ويحفز المشاركة المجتمعية في الحفاظ على البيئة.
في الخلاصة، تعد أزمة تكدس النفايات في بيروت مشكلة عميقة تتطلب حلولاً جذرية، تشمل تضافر الجهود بين الجهات الحكومية، المجتمع المدني، والقطاع الخاص. ففي ظل الأوضاع الراهنة من تهجير كثيف وضغط متزايد على البنية التحتية، المطلوب من جميع الأطراف العمل بجدية لإيجاد استراتيجيات طويلة الامد، لحماية البيئة الحضرية وضمان حياة كريمة للمواطنين. لذلك، تعتبر المصادر في بلدية بيروت ان «الحفاظ على التوازن البيئي ليس رفاهية، بل هو أساس ازدهار المجتمع واستدامة موارده».