غانم لـ «الديار»: الشباب ما دون الـ 40 عاماً أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب جراء التدخين
الغالي: لتعزيز الوعي في ظل غياب السياسة العامة الموجّهة للسلوكيات الصحية الجيّدة
تتميّز بيروت بالامتداد الكبير للمقاهي في كافة الارجاء والاحياء والشوارع وحتى الزواريب الضيقة، ما أعطاها حيوية وسِمة تفرّدت بها عن باقي مدن العالم العربي والغربي. تلك المقاهي التي كان ينزل اليها الرئيس الشهيد رفيق الحريري في وسط البلد متباهيا ومتفاخرا بها. وما تجدر الإشارة اليه، ان المقاهي اللبنانية جزءا لا يتجزأ من حياة اللبنانيين اليومية وحتى السائحين لارتباطها بتراثهم وتاريخهم وعاداتهم حتى اخذت منحى ثقافي كونها أيضا ترتبط بالحياة السياسية والفكرية والاجتماعية باعتبارها ملاذا للأدمغة على اختلاف اهتماماتهم وتخصصاتهم.
ما بين بيروت وباريس المشهد لا يختلف كثيرا فالمقاهي في البلدين تُعد المتنفس الوحيد للمثقفين والروائيين والصحافيين ولا يخلو كافيه في بيروت من رواد ذو مستوى علمي عالي لارتباطها بكل ما يعطي للحياة مهجة، فهي كالهواء ومَن مِن المثقفين تخلو ذاكرته من دردشات المودكا والويمبي او الكافية دو باري او الهوس شو؟
فهل تحولت تلك المقاهي والمنتديات والصالونات الثقافية الى بؤر للتدخين لا سيما «الشيشة»؟
من مقاهي العقول الى مقاهي الرصيف ظاهرة ام آفة؟
في الواقع «النرجيلة» عادة قديمة جديدة بدأ يتفرّد بها الشباب، يجثون حولها كأنهم ينتظرون «وليمة»، مصدر طاقة هؤلاء تذهب سدىً في اللهو والتسلية والملفت هو تفشيها في كل شارع ورصيف ومقهى او مطعم او منزل يلفتك مشهد في بيروت لشباب يتحلّقون في دوائر لتدخينها والسؤال أليست النرجيلات مصدرا من مصادر الاقلاق والانحلال السلوكي والمناقبي والخطر الصحي والبيئي!
منحى سلبي
يقول أحد مخاتير منطقة الاشرفية، ممّن يتجمع عنده شبان، في كل وقت تمر تجدهم يدخنون النرجيلة في الباحة الخارجية كأن منزله مفتوحا فقط لهذه الغاية.
«الديار» سألته عن هذه الواقعة التي تلفت كل شخص يمر من جانب منزله، فأجاب: سهرات النرجيلة حالة ليست جديدة في بيروت، الا اننا لم نعتد ان تكون بهذه الوتيرة بحيث أصبحت ملاذا للكثير من الشباب العاطل عن العمل. وبرّر، انا احتويهم في منزلي كوني مختار المحلّة وانتبه لهم لكيلا يذهبون باتجاهات أسوأ من شأنها ان تضيّع مستقبلهم.
وأضاف، الوضع الراهن من ازمة اقتصادية دفعت بتسكير محلات ومؤسسات ومطاعم لا سيما بعد تفجير مرفأ بيروت فارتفعت ارقام البطالة وبتنا نشاهد الكثير من الشباب يحرق عمره في تدخين النرجيلة وكما يقال «اليد قصيرة والعين بصيرة». ووعد انه سيحاول اقناعهم بالتخفيف من الجلسات واطالة السهر كونها مبعثاً لإزعاج الكثير من الجيران خاصة عندما يتلملمون في الاحياء السكنية المكتظة.
آفة تدمر الشباب
ميشال حبيقة والد لأربع شباب يقول لـ «الديار» ان أحد أولاده يدخّن النرجيلة ويأتي اصدقاءه ويتسامرون حتى ساعات الفجر الأولى. وأضاف، انا لست ضد تدخينها لساعة ليس أكثر، لا ان تتحول الى نجمة السهرة ومن رأس معسل الى آخر.
وبحرقة استكمل، برأي هي داء يلذع زهرة الشباب ويجب ان يكون هناك تحرّك على صعيد الاهل والمدارس وحتى الجامعات بالتعاون مع جهات رسمية. وأشار الى تلامذة في الصفوف المتوسطة والثانوية بالقرب من منزله يأتون في فرصتهم وبعد الدوام لتدخين النرجيلة في أحد المقاهي.
وتابع حبيقة، هذا الموضوع مهم جدا وقد يتسبب بخسارة جيل بأكمله لان السهر والتدخين له ضوابط والأمور قد تذهب باتجاه لا تُحمد عقباه ويتطور ليشمل الحشيشة والحبوب المخدرة وصولا الى التعاطي.
اما في شوارع جل الديب الداخلية يتسهّد الكثيرون امام منازلهم على الأرصفة يدخنون النرجيلة ويتفوّهون بكلام يخدش الحياء أحيانا ويؤرق النيام في أحيان أخرى، أحد سكان المنطقة سألناه ماذا يحدث في الرصيف المقابل لمنزله فأجاب: هؤلاء شبان عاطلين عن العمل جلساتهم صاخبة كزعيق دراجاتهم النارية وأرمز إليهم بأنهم يعتقدون أنفسهم اشخاصا مهمين وادمغتهم كبيرة ونظرتهم للحياة ثاقبة.
يحيى «للاراكيل» يتهرّب!
«الديار» سألت يحيى وهو الموزع الأكبر في لبنان لمستلزمات «النرجيلة» والمعسّل ولديه فروعا على امتداد لبنان عمّا إذا زاد الطلب بعد ارتفاع الأسعار وعن اعمار الذين يأتونه للشراء، الا انه تهرّب من الإجابة وأومأ الى الأوضاع الاقتصادية التي أثرت سلبا على الجميع رافضا اعطائنا إجابات صريحة ومباشرة.
مضار النرجيلة في الطب
بعض العائلات لا سيما في الاحياء البيروتية العريقة والقرى يعتقدون ان النرجيلة هي من العادات والتقاليد والسهرات العائلية كجزء من التسلية الا انها لم تكن منتشرة كيومنا هذا.
دكتور جورج غانم الطبيب المختص في امراض القلب والشرايين في مستشفى رزق قال لـ «الديار»: تؤثر النرجيلة على القلب والشرايين كالسيجارة تماما. لا بل أكثر، «فالنرجيلة الواحدة» تعادل علبة دخان كاملة وهذا ليس امرا عابراً.
وأومأ، الى أولئك الذين يعتبرون ان «المعسّل او التنباك» أخف او اقل ضررا بالقول:
ان العكس هو تماما باعتبار «النرجيلة» دخان PURE يدخل الى الرئة ويتميز بثقله والرشفة او «الشرقة» القوية التي يقوم بها «المُؤرجل» او المدخن تعمل على زيادة الضغط داخل الرئة.
وأشار غانم، الى المرضى الذين يعانون من ضعف في القلب فإن «النرجيلة» تزيده أكثر سوءاً. وصوّب، الى خطورتها التي تنسحب على تفكير الناس باعتبارها غير مضرّة بل جلسة مهضومة لتصبح فلكلور اجتماعي مصيبة على المجتمع بأكمله كما ان أذيتها يطال من حولنا. والمح غانم، «النرجيلة» ظاهرة اجتماعية باتت أكثر من موضة وعليه أمسي تأثيرها السلبي أكبر.
وأردف، مما لا شك فيه «النرجيلة» ضَيْر على الصحة شأنها شأن السيجارة، والإصابات الأكثر شيوعا بين الشباب ما دون الـ 40 هي مشاكل القلب بفعل التدخين وهذا مؤشر خطر جدا.
وأوعز غانم بالقول: عندما نكون في مجتمع الكل يفعل الشيء ذاته بحيث نذهب الى المطاعم فنجد الجميع يفعل عادة معينة وأعني «النرجيلة» وارمز اليها بالعادة السيئة والغير صحية والانكى انها أضحت امرا مقبولا اجتماعيا وصحيا وطبيا والذي هو العكس تماما لا بل أكثر يصبح من لا يدخن النرجيلة هو الشاذ!
ان مضار التدخين عموما كبيرة جدا ويؤدي الى نوبات قلبية ودماغية نتيجة التصلب في الشرايين أضف الى الامراض السرطانية والجهاز الهضمي ومن مسببات التدخين التوتر والصداع، فقدان الذاكرة والنسيان وصولا الى سرطان الدماغ وأيضا يؤدي الى انخفاض المناعة ضد أي عدوى او فيروس».
وشدّد، علينا إقامة ندوات للتوعية في هذا الإطار الا ان الأوضاع الاقتصادية قلّصت من هذه النشاطات وهذا ما زاد الطين بِلّة!
من عادة غير مستحبّة الى مقبولة اجتماعيا
الدكتورة في علم النفس والاجتماع سهير الغالي قالت: هذا الموضوع مهم جدا كما انه حساس ودقيق، فالنرجيلة بحد ذاتها تحولت ظاهرة اجتماعية ومنتشرة بل وشائعة في مجتمعاتنا لدرجة التجذّر، فنجدها في المطاعم والشوارع وقديما كان المدخنون يفعلونها خفاء او في البيوت باعتبارها عادة غير مستحبّة، وما لبثت ان انتشرت بين الكبار والصغار لا بل صارت رائجة ومقبولة اجتماعيا وغير مرفوضة سلوكيا شأنها شأن السيجارة التي أيضا كانت تُدخن بالخفاء خاصة الأولاد.
واستتبعت، في بعض المجتمعات النساء كن يخجلن ان يُمسكن السيجارة او النرجيلة في العلن على نقيض هذه الأيام! ولفتت الغالي، الى ان هذه الواقعة ذائعة في كافة المحلات والأماكن العامة وفي داخل المنازل او امامها لتصبح ظاهرة متوافق عليها وهنا تكمن الخطورة باعتبارها سلوكاً مضراً بالصحة والبيئة ويؤثر على الوعي الجماعي ورغم ذلك هو مرغوب اجتماعيا.
التربية بالقدوة
يوجد الكثير من الأسباب التي تدفع بكل شرائح المجتمع وعلى الاختلاف الجندري «لتنفيخ» السيجارة ومنهم الأطفال، بمعنى آخر إذا كان ذوهم يدخنون فالاحتمال بتقليدهم كبير. وألمحت، في التربية يوجد ما يسمى «التربية بالقدوة» بحيث ان الأولاد يتماهون بآبائهم والامر نفسه إذا كانت الام كذلك او الاثنين معا فالمشي على خطاهم حتمي.
ضغط الاقران.. ماذا يعني ضغط الاقران؟
تجيب د. الغالي، أي ان هؤلاء الأولاد منخرطين بمجموعات مؤلفة من شبان وبنات وواحد منهم يدخن النرجيلة او السيجارة وبالتالي يدفع الجميع الى مسايرته او تقليده ومن هنا تكر السُّبحة ويبدأ الجميع بالتدخين. واستكملت، يحدث هذا من جراء الضغط النفسي والاجتماعي فيعمدون الى مجاراته ليصبح الجميع على نفس الممشى او السلوك ويمسي لديهم عاملا مشتركا يجمعهم وهو «النرجيلة».
وسائل تخفيفية ام دفاعية!
توضح الغالي، إذا كان الانسان يعاني من ضغوطات كثيرة في بيته او خارجه أضف الى المشاكل العاطفية والاقتصادية، وعلى مقلب نفسي آخر «التنمّر» ويضم كل من المراهقين والراشدين باعتبار ان ممارسة التدخين وسيلة للدفاع والتخفيف عن الوعي واللاوعي للإنسان فيلجأ من خلالها لاستخدام وسائل مضرّة بهدف الترويح عن النفس او كما يسمونها بالتعبير الدارج «السلطنة» او «الزهزهة» وغيرها من التسميّات السوقيّة.
وشرحت، الفكرة من كل ما تقدّم هو الاحساس بكثرة الضغط او كمية المشاكل الكبيرة فيشعر بعدم قدرته على التحمّل ويصبح عقله وجسده يفكر بطريقة للهروب من الواقع الذي يعانيه. ومنهم من يلجأ الى وسائل إيجابية فيقرر مواجهة الضغوطات ويعالجها. وقسم من هؤلاء يفتقد للمقدرة او الإرادة فيهرب الى الوسائل الدفاعية السلبية والتي تضر بالصحة النفسية والجسدية فيحاكيهم العقل بالإقناع والتخفيف عن النفس او «فش الخلق» وهذه المصطلحات يستخدمها المدخنون باعتبارها الحُجّة لهم.
رابط عاطفي خاطئ
استتبعت الغالي، هنا يخلق رابط ما بين النرجيلة ومدخنها وهو كناية عن رابط عاطفي خاطئ ومشروط يصبح باللاوعي للشخص المدمن عليها «ويتشرّط» كأنه يتعلّق بالوسيلة والتي هي «النرجيلة» لأنها تحقق له المتعة، والراحة النفسية وتخفف عن عقله بعدم التفكير الزائد الى درجة «التسطيل» وهذا ما يسمى «تعلّق مشروط» والذي هو رغبة معينة للتخفيف عن النفس وجميعها وسائل دفاعية للهروب من مواجهة المشاكل او الضغوطات اضف الى عوامل أخرى تسرّع أنتشارها وهو الفراغ الذي يخيّم على شريحة مهمة من المجتمع وهم الشباب بسبب البطالة وأيضا عدم تحمّلهم المسؤوليات المجتمعية.
وفي سياق اجتماعي متصل، الفراغ يخيم على هؤلاء في ظل غياب برامج تتشارك مع الشباب وفي الوقت عينه لا يؤخذ بآرائهم وهذا ما نتج عنه ضعف بالانتماء الى الوطن والمنطقة.
ولفتت، الى افول المشاركة اللازمة او الاندماج الاجتماعي للأعمار المبكرة مشيرة الى انها ضعيفة جدا في مجتمعنا بشكل عام. أضف الى عوامل أخرى منها عدم إيجاد هؤلاء مساحات آمنة عند الالتقاء لتعزز لهم وعيهم وادراكهم بذاتهم وعائلاتهم وهو ما يؤثر عليهم ويدفعهم الى النرجيلة لتعبئة المكان الفارغ لديهم كما ان الوعي ينخفض بحيث إذا أردنا ان نكافح أي ظاهرة او مشكلة خطيرة فعلينا ان نقوم بالتوعية لنستطيع تكوين مستوى وعي معيّن لنكتسب عادات وسلوكيات جيدة فيما بعد.
اين التطبيق؟
اوعزت الغالي قائلةً: في كل ما تقدم من حديث أُنوّه الى اختفاء سياسة معينة للتعامل مع هذه الشريحة في البلد. مشيرة، الى انهم يضعون على علب التدخين بأنه قاتل ومضر بالصحة وأقيم قانون يمنع التدخين، ولكن اين هو التطبيق؟ وتابعت لا يوجد سياسة عامة او اجندة على صعيد الدولة تُفَعّل للعمل على تعزيز الوعي في ظل غياب السياسة العامة الموجّهة للسلوكيات الصحية الجيّدة وتلك المصوّبة لمضار التدخين.
العبرة تبقى بتوعية الشباب في المدارس والجامعات وعبر النشاطات. الا انها غائبة بسبب الظروف الاقتصادية الراهنة وارشدت الى زرع الطموح والامل لئلا يصبحوا عالة على المجتمع فهؤلاء هم المستقبل.