برز خلال الزيارة الأخيرة للمفوّض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة فيليبو غراندي الى لبنان، الخميس الفائت، أمران جديدان بارزان:
- الأول: تعهّد الأمم المتحدة استمرار تقديم الدعم للنازحين السوريين العائدين في بلادهم ومتابعة أمورهم، على ما طالب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مراراً طوال عهده، سيما وأنّ تقديم المساعدات المالية لهم يُبقيهم في لبنان، فيما إذا استمرّ لدى عودتهم، فهو يُسهّل هذه العودة على المتردّدين. ويُعدّ هذا التحوّل أساسياً في مسار تحفيز النازحين للعودة الى بلادهم مع وصول المساعدات لهم في مناطقهم.
- الثاني: الموقف الحاسم والموحّد الذي نقله المسؤولون اللبنانيون الى المفوّض غراندي من مسألة إعادة النازحين الى بلادهم، في بيان مكتوب يوضح موقفهم من مسألة هذه العودة، سيما وأنّ حجم الأعباء الّتي يتحمّلها لبنان من جرّاء أزمة النازحين بات كبيراً وكبيراً جدّاً، وهو يُنذر بعواقب خطيرة على لبنان وعلى النازحين أنفسهم.
هذا الأمران الأساسيان رفعا من منسوب الآمال بقرب تطبيق خطة عودة النازحين الى بلادهم من دون عوائق دولية، بحسب مصادر سياسية مطّلعة، ما من شأنه أن ينعكس إيجاباً على الوضع الداخلي ككلّ، وأكّدت المصادر أنّ أزمة النزوح باتت تُشكّل مع السنوات أي منذ العام 2011 وحتى يومنا هذا، عبئاً كبيراً على كاهل الدولة اللبنانية، رغم المساعدات الدولية التي يقدّمها المجتمع الدولي لهم في لبنان، مشيرة الى أنّ الأوضاع الإقتصادية والمالية والمعيشية لن تستقيم في هذا البلد قريباً من دون تحقيق العودة الطوعية والآمنة.
ورأت المصادر بأنّ غراندي لم يعد المسؤولين اللبنانيين (الذين اجتمعوا للمرّة الأولى على موقف موحّد وحاسم من مسألة عودة النازحين السوريين الى بلادهم) بأنّ المجتمع الدولي سيُسهّل هذه العودة. فالأمم المتحدة لا تزال تعتبر أنّ هذه العودة لا تزال غير آمنة، بحسب تصريحات المفوّض السامي. غير أنّه من ضمن ما وعد به بأنّ المجتمع الدولي مستعدّ لزيادة حجم مساعداته، وصولاً الى مساعدة النازحين السوريين في بلادهم.
فهذا الموقف الجديد الذي سمعه المسؤولون اللبنانيون للمرّة الأولى من غراندي، على ما أضافت المصادر نفسها، أعطى أملاً بأنّ المجتمع الدولي قد بدأ بتغيير موقفه من مسألة مساعدة النازحين السوريين في بلادهم، وهذا أمر جيّد إذ أنّه يُحفّز الكثيرين منهم على العودة، خصوصاً الفئة التي تتمسّك بالبقاء في لبنان من أجل الحصول على هذه المساعدات المالية التي تبلغ 300 دولار شهرياً لكلّ عائلة نازحة. كما أنّ كلام غراندي عن متابعة أمورهم في بلادهم، فضلاً عن إجراء المحادثات مع سوريا لإزالة بعض العوائق التي تمنع قسماً كبيراً منهم من العودة، لا سيما الشباب الذين يخشون من الخضوع للخدمة العسكرية الإجبارية، يُضفي جرعة من الأمل في نفوسهم على حلحلة بعض أمورهم العالقة.
وتقول المصادر بأنّه إذا أُعفي العائدون من الخدمة الإلزامية، فإنّ هذا الأمر يُحفّز الكثير من المتردّدين على العودة الى مناطقهم في سوريا. ولهذا فإنّ مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم يقوم حالياً بالتنسيق مع السلطات السورية، بتكليف رسمي من لبنان، للحصول على أذونات مسبقة لجميع العائدين من جهة، كما لتسوية أوضاعهم بما يؤمّن لهم عودة أمنة، من جهة ثانية. كذلك فإنّ الأمم المتحدة تعمل مع الحكومة السورية والجهات المعنية على إزالة العوائق الجديّة التي تراكمت على مرّ السنوات، على ما أعلن غراندي، والتي تمنع الناس من العودة (ومن ضمنها بالطبع مسألة التجنيد الإجباري)، والتغلّب على عدد من العقبات المتعلّقة بالمنازل المدمّرة والأحياء المهدّمة ووجوب تجهيزها بالكامل لتُصبح صالحة للسكن من قبل العائدين الى بلداتهم وقراهم.
في الوقت نفسه، لفتت المصادر عينها الى أنّ مفوضية اللاجئين في لبنان لا تُمانع الخطوة التي يقوم اللواء ابراهيم بتنفيذها فيما يتعلّق بإعادة النازحين السوريين الذين يُسجّلون أسماءهم في مراكز الأمن العام الموزّعة على كلّ المناطق اللبنانية، وعددها 72 مركزاً، بل تعمل على مواكبة عودتهم. علماً بأنّه جرى في شهر تشرين الأول تنظيم عودة قافلتين ضمّتا مئات النازحين من عرسال الى ريف دمشق وبعض المناطق الأخرى، وقد واصلت المفوضية تقديم المساعدات لهم في مناطقهم السورية. ويُنتظر اليوم تنظيم القافلة الثالثة، ويتوقّف ذلك على مدى إقبال العائلات النازحة على تسجيل أسمائها للعودة. ولعلّ أكثر ما يُشجّعها هو ما تسمعه من العائدين، عن الفرحة التي تغمر قلوبهم بعودتهم الى ديارهم واجتماعهم مجدّداً بناسهم وأهلهم.
وتبحث الأمم المتحدة، على ما عقّبت المصادر، في إمكانية دعم بعض الأعمال التي بإمكان العائدين ممارستها في مناطقها، مثل البناء والزراعة بهدف تحسين أوضاعهم المالية الصعبة التي باتوا يعيشونها في لبنان، بسبب الأزمة الإقتصادية الخانقة التي يمرّ بها. غير أنّ هذا الأمر لن يصبح واقعاً، قبل اتخاذها القرار الحاسم من مسألة إعادة النازحين الذي لا تزال تتريّث حتى الآن في اتخاذه.
كذلك فإنّ نساء نازحات عدّة قد أنجبن في لبنان، وبلغ عدد الولادات أكثر من 300 ألف ولادة، خلال السنوات الأولى من النزوح، على ما أوضحت المصادر، وكانت المفوضية السامية للاجئين تعمل على تسجيلهم لديها، الى أن اعترضت وزارة الخارجية على هذا الإجراء تلافياً لمطالبة المفوضية لاحقاً بمنحهم الجنسية اللبنانية، كونهم وُلدوا على الأراضي اللبنانية وتمّ تسجيلهم في لبنان. ولهذا جرى لاحقاً تسجيلهم من قبل الجهات اللبنانية المعنية، بحسب الأصول، لتسهيل نقل أسماء جميع المولودين الجدد الى السلطات السورية لتسجيلهم في بلادهم مع عودة أهاليهم اليها.