دخل لبنان أسابيعَ مفصلية لن يكون بعدها كما قبلها، خصوصاً إذا لم تنجح مشاورات ربع الساعة الأخير في تشكيل حكومة مكتملة الصلاحيات بعدما تعزّزت فرضيات الفراغ الرئاسي. إزاء ذلك، استأنف السفير السعودي في بيروت وليد البخاري حركته السياسية بعد سلسلة لقاءات عُقِدت في العاصمة الفرنسية، ضمت مسؤولين فرنسيين وسعوديين من بينهم البخاري، للبحث في الملف اللبناني. وقد كان الجانب السعودي حاسماً في رفض أي تعاون مع باريس التي أبقت خطوطها مفتوحة مع حزب الله، مؤكداً «أننا غير معنيين بأي تسوية حكومية أو رئاسية»، لكن هذا الموقف لم يعنِ انسحاباً من المشهد. إذ تريد الرياض أن تلعب منفردة، وقد بدأت مسعى للمّ شمل خصوم حزب الله من القوى السياسية مع قوى «التغيير» و«المستقلين» لجمعهم ضمن فريق واحد، وتركّز خصوصاً على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لاستعادته من «موقعه الوسطيّ» ليكون «صفاً واحداً مع هؤلاء في الاستحقاقات المقبلة».
في هذا الإطار، برزت «الرسائل» التي وجّهها البخاري، إثر لقائه جنبلاط أول من أمس، لـ «تأكيد المواقف المشتركة والتحذير من مغبة عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري»، مُستتبعاً ذلك بزيارة لمعراب أمس. وقد أتى اللقاء مع جنبلاط بعدما رسمَ الأخير لنفسه عبر مواقفه دوراً «مُحايداً»، معلناً «ضرورة الحوار مع حزب الله لأنه مكوّن أساسي في البلد»، ومتسائلاً: «لماذا لا يحق له أن يحاور الجار الذي هو حزب الله، فيما تحاور كل من الولايات المتحدة والسعودية إيران بالواسطة».
هذا القدر من الواقعية في إقرار جنبلاط، دفع حزب «القوات» إلى لعب دوره «التقليدي» في التحريض كما في أدائه السابق ضد الرئيس سعد الحريري. إذ تولت معراب في الفترة الماضية الترويج لدى السعوديين لفكرة أن «جنبلاط المسؤول الأول عن فرط عقد 14 آذار وعمّا آلت إليه أوضاع هذا الفريق». واستكملت التحريض بعد لقاء جنبلاط بوفد من حزب الله الشهر الماضي باتهام زعيم المختارة بـ «تكرار سياسة سعد الحريري وتسليم البلد للحزب»، مركّزة على فريق في الاشتراكي يتمثّل بالوزير السابق غازي العريضي الذي «دعمَ فكرة الحوار وتولى التواصل مع حارة حريك».
وجاء الردّ على الهجمة القواتية بعدم السماح لأي شخصية اشتراكية بحضور «قداس شهداء القوات اللبنانية» في معراب قبلَ أسبوعين، بمن في ذلك النائب مروان حمادة الذي اعتاد إبقاء التواصل مع معراب مفتوحاً. وقالت مصادر مطلعة أن «الجو بين القوات والاشتراكي متوتر إلى حدّ كبير جرّاء هذه الحملة»، مشيرة إلى أن «القوات ترد على جنبلاط لكونه هو أول من وضع رسماً تشبيهياً للرئيس المقبل، أول خطوطه أن لا يكون رئيس مواجهة وغير استفزازي، وهو أعلن أن ليس لديه أي رئيس مواجهة قاصداً بالدرجة الأولى سمير جعجع».
وكشفت المصادر أن «القوات والبخاري يتحدثان الآن عن رئيس ليسَ من 8 آذار بعدَ أن كانَ سقفهما السابق رئيس سيادي من 14 آذار»، مضيفة أن «السفير السعودي في بيروت يتولّى الآن مهمة إعادة لمّ شمل ما يُسمى فريق 14 آذار من أحزاب سياسية والقوى التي تُطلِق على نفسها اسم التغييريين فضلاً عن النواب المستقلين». وقالت المصادر إن «زيارة البخاري إلى جنبلاط تأتي في هذا السياق، إذ تحاول المملكة استمالة الأخير مجدداً إلى المحور الذي تمثله، لأنها تريد جمع أكبر عدد من النواب خلف مرشح رئاسي واحد منعاً لوصول أي شخصية يدعمها حزب الله»، مشيرة إلى أنها «تسعى إلى عدم تكرار تجربة انتخاب رئيس مجلس النواب لجهة تأمين النصاب وهو الأمر الذي أسهم فيه جنبلاط الذي صارَ الممثل الوحيد للدروز في السلطة بعدَ خسارة كل خصومه في الانتخابات الأخيرة»، لذا «نُصِحت من قبل خصوم 8 آذار بضرورة استرداد جنبلاط»!