قطع “رأس” القرار 893 يقطع الطريق على استمرار الفوضى والاستنسابية في احتساب الرسوم على أسعار غير رسمية
تُظهر الإجراءات المالية المتخذة والمنوي اتخاذها من قبل السلطة التنفيذية أن “جحا” الدولة ما في غير على “خالتو” المواطن. فبدلاً من التصويب على أساس المشكلة المتمثل بالتشوه في سعر الصرف الرسمي، يجري رمي السهام جزافاً على ضريبة القيمة المضافة، وضريبة الدخل للرواتب بالعملة الأجنبية، والدولار الجمركي… فتصيب نبال احتساب الضرائب على أساس سعر صرف السوق، الإقتصاد بمقتل، وتهلك القدرة الشرائية للمواطنين، وتعدم فرص لبنان في التفاوض مع صندوق النقد لمخالفتها المعايير المحاسبية الدولية. ومع هذا قد لا تساهم هذه التدابير برفع إيرادات الدولة.
بالنظر إلى النتائج المالية المحققة في شهر كانون الثاني من العام الحالي، يتبين أن عائدات الدولة بلغت 708,376 مليار ليرة، بالمقارنة مع 1,434,740 ملياراً في كانون الثاني 2021. أي أن إيرادات الدولة تراجعت بنسبة 50 في المئة. في المقابل لم تنخفض النفقات إلا بحدود 17 في المئة وبقيت عند مستوى 2000 مليار ليرة. أحد أسباب تقلص إيرادات الدولة هو الاستمرار باحتساب سعر الصرف على 1500 ليرة في ظل انخفاض النشاط الإقتصادي، في حين أنها تضطر إلى الانفاق على سعر صرف أعلى للحصول على الكثير من الخدمات. ومن هذه الخدمات على سبيل المثال، تحمّلها جزءاً من دعم المحروقات مع مصرف لبنان كما حصل مؤخراً، وتسديد مستحقات الشركات الأجنبية المتعاقدة… وغيرها الكثير. هذا الواقع دفع المعنيين إلى البحث عن سبل زيادة الايرادات من دون أن يضطروا إلى تحرير سعر صرف الليرة أو رفعه إلى رقم منطقي يتناسب مع الانهيار الحاصل. فأصدرت وزارة المالية في 21 كانون الأول 2020 القرار رقم 893 الذي ينص على احتساب TVA على أساس سعر السوق وليس على أساس 1500 ليرة. ليلحقه في مطلع آب الحالي قرار لـ”مديرية الواردات في وزارة المالية” بوجوب احتساب ضريبة الدخل على أساس سعر صرف السوق لمن يتقاضى دخلة بالعملة الأجنبية. ويجري اليوم التحضير لاحتساب الدولار الجمركي على أساس 8000 ليرة.
الحرمان من المساعدات الدولية
كل هذه الإجراءات “مخالفة لمعايير المحاسبة الدولية”، يقول خبير المحاسبة المجاز والعضو في “جمعية مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد” الاستاذ جوزف متّى، وأن “الاصرار على اعتمادها سيحرم لبنان من الحصول على المساعدات من صندوق النقد الدولي، أو أية جهة دولية أخرى. لأنها تعتبر مخالفة للمعيارين 21 و29 من معايير المحاسبة الدولية المعتمدة من قبل الاتحاد الدولي للمحاسبين، والتي التزمت الدولة اللبنانية باعتمادها بموجب القرار 673 /1 الصادر في 14 حزيران 2001 كأساس للقيود المحاسبية ولتحضير البيانات والتقارير المالية. وذلك اعتباراً من أعمال العام 2001. وأن كل من لا يطبقها، يعتبر مخالفاً لها. وتعتبر البيانات المالية غير صحيحة، ولا تظهر بصورة عادلة من كافة النواحي الجوهرية المركز المالي للمنشأة، مع كل ما يستتبع ذلك من نتائج على المنشأة واستمراريتها. ويضيف أنه “على الرغم من الإعتراض المبني على القواعد المحاسبية والقانونية على القرار 893 الصادر بتاريخ 31 كانون الاول 2020 وتقديم الطعن به أمام مجلس شورى الدولة في آذار الفائت، وطلب وقف تنفيذه ريثما يتم البت بالأساس… استمر تطبيقه. ولم يصدر حتى تاريخه أي قرار بهذا الشأن، في ظل التخبط الهائل الحاصل في الأسواق حول آلية تطبيقه”. ماذا يعني هذا الأمر؟ “المزيد من الفوضى والتخبط في الشركات حول كيفية احتساب سعر الصرف مع تعدد أسعار الصرف من رسمي وقطاعي ومنصات متعددة”، يجيب الاستاذ متى “مع الإشارة الى التضارب الحاصل بين القرار 893 المشار إليه وما ورد من إلزام في قانون النقد والتسليف بوجوب تطبيق سعر الصرف الرسمي المعتمد في مصرف لبنان. والتأكيد عليه في المادة 18 من المرسوم رقم 7308 تاريخ 28 كانون الثاني 2002. و”هناك العديد من المنشآت لا تقوم بتطبيقه بالشكل الذي أوجبه القرار بحسب ما نمي إلينا”، يقول الخبير متّى، “بحيث سيكون لمدققي الحسابات الموقف المتحفظ حول طريقة قيد قيمة النقد وتسجيله في الدفاتر المحاسبية. مما سيعرض المنشآت إلى إشكالات عديدة لناحية ديمومتها واستمرارها”.
الدولار الجمركي
إن صدور القرار 893 لم تقتصر نتائجه على ما تمت الإشارة إليه، بل تعدتها إلى الخلل الحاصل لدى تقييم المخزون في نهاية العام 2020 وتقييمه مع بداية العام 2021 بارتفاع 14 مرة دفعة واحدة. ذلك من دون اعتماد الأصول التي أوجبها المعياران 21 و29 من معايير المحاسبة الدولية. مما فتح الشراهة على اعتماده عند احتساب الرواتب المقومة بالعملة الأجنبية ويبحث اليوم تطبيقه على الرسوم الجمركية من خلال احتسابها على سعر الصرف بـ 8 آلاف ليرة للدولار الواحد، بدلاً مما هو معمول حالياً على السعر الرسمي لمصرف لبنان والمحدد بـ 1507.5. وبحسب الخبير متّى فإن “الادارة الضريبية تبحث عن أماكن لتطبيق هذا القرار على مختلف الوثائق والعقود الحاصلة بالعملة الأجنبية، لتحصيل أعلى قدر ممكن من الإيرادات. وليس من المستبعد الوصول إلى الدوائر العقارية لناحية التسجيل والتكليف… وخلافه، أو تقييم رسوم الإنتقال والتركة وكل ما في مصافها”. إن كل ما يحدث يعتبر إلتفافاً على القانون وبشكل فاضح. إذ إن هناك قاعدة ذهبية تقول بأن لا ضريبة من دون قانون وليس بموجب قرار كما هو حاصل حالياً. هذا وسيؤدي احتساب الدولار الجمركي على أساس 8 آلاف ليرة بدلاً من 1500 سيرفع الكلفة على المستهلك النهائي أضعافاً من خلال تطبيقه، والتاريخ شاهد على ذلك، “كما سيقلل من هامش رأسمال التاجر”، يقول الخبير متى، “حيث لن تنحصر الإضافة على سعر السلع الأساسي، بل ستتعداه على بقية النفقات من النقل والتخطيط والتخزين… وغيرها الكثير من لواحق النفقات المرتبطة بالعملية الجمركية. الأمر الذي سيرفع الأسعار بشكل كبير ليتحمل المستهلك النهائي هذه الزيادة الموصوفة”.
تحرير سعر الصرف
الحل الوحيد للانتهاء من هذه الاشكاليات المعقدة هو تحرير سعر الصرف أو تخفيضه إلى مستوى مقبول ومنطقي “لا يميت” المواطنين و”لا يفني” مالية الدولة. أو على السلطة المالية في المقابل “تحضير خريطة طريق ضريبية واضحة منطقية وعادلة والذهاب بها إلى المجلس النيابي واصدار الضرائب بقانون”، من وجهة نظر الخبير متى. “بيد أن الانعكاسات السلبية الكبيرة لتحرير سعر الصرف في هذه الظروف، وخصوصاً على المدينين بالعملة الاجنبية وعدم رغبة المشرّعين في تحمل المسؤولية واتخاذ قرارات غير شعبوية قبل الانتخابات، يدفع الى الاستمرار بالاجراءات الترقيعية التي تؤذي المواطنين ولا تفيد الدولة والاقتصاد”.
المشكلة كلها بدأت مع القرار 893 و”لن تنتهي إلا بقطع “رأسه”. وذلك لكي لا “تفرخ” أسعار صرف استنسابية باحتساب الضرائب. ونصبح كل يوم على سعر صرف جديد لاحتساب الضرائب والرسوم.