تحركات “توتال” في البحر اللبناني تكشف حجم الثروات المخبّأة

ترسيم الحدود

Share to:

الديار – دوللي بشعلاني

صحيح انّ اتفاقية ترسيم الحدود البحرية لم تدخل حيّز التنفيذ بعد، غير أنّ وفد شركة “توتال إينرجي” الفرنسية قد سارع في المجيء الى لبنان، وأطلع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال اجتماعه به الثلاثاء الفائت على الاستعدادات التي تجريها الشركة تمهيداً لبدء التنقيب في البلوك رقم 9 في المنطقة الإقتصادية الخالصة في الجنوب، بعد إنجاز المعاملات والإجراءات الإدارية اللازمة. وأشار الوفد الى أنّ منصة الحفر ستُستقدم ابتداء من العام 2023 لبدء الاستكشاف والتنقيب، وفق النصوص الواردة في الإتفاق مع هيئة قطاع البترول في لبنان، والتي تتلقى تباعاً المعطيات التي تتوافر خلال عمليات التنقيب. هذا يعني أنّ “توتال” قد بدأت بتحديد التواريخ من دون انتظار أن تُصبح الإتفاقية نافذة، أي التوقيع عليها من قبل الجانبين، وإقرار الولايات المتحدة الأميركية بذلك. الأمر الذي يؤكّد بأنّ هذه الأخيرة، أي أميركا، قد أعطت الضمانات لشركة “توتال” عن قرب توقيع الإتفاقية، ولهذا أرسلت وفداً رفيعاً من قبلها لوضع مخطط عملها للسنوات المقبلة، وإلّا فلن يكون صعباً عليها لاحقاً التأجيل والتسويف في حال حصول أمر ما يعيق توقيع الإتفاقية، على غرار ما فعلت عندما أوقفت عملها في البلوك 4، بسبب الضغوطات الأميركية عليها، ولم تبدأه في البلوك 9 منذ أكثر من سنتين على ما كان يُفترض، بل قامت بتأجيله مرّات عديدة، وكان آخر موعد حدّدته في أيّار من العام 2023، قبل الاتفاقية الأخيرة التي حصلت بوساطة أميركية.

وتجد مصادر سياسية مطّلعة أنّ إتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وضعها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل”، ووافق عليها كلّ من الطرفين شفهياً حتى الآن، قد لا تكون الاتفاقية المثالية للبنان، أو تلك التي حصّلت حقوقه الكاملة في المياه الإقليمية، وإلّا لما وصفها الرئيس عون بالمُرضية، أي المقبولة. ولهذا تعرّضت للإنتقادات بسبب وجود مآخذ عدّة عليها، غير أنّها أتت بهدف حلّ النزاع البحري الدائم بين لبنان والعدو الإسرائيلي، ولإرساء نوع من الهدوء والإستقرار في المنطقة، وإن كان “الإسرائيلي” سيستفيد منه بالدرجة الأولى، غير أنّ لبنان لن يتأخّر في الإستفادة منه أيضاً.

وأشارت المصادر الى أنّ كيفية الاتفاق على مدّ أنابيب الغاز لإيصاله الى الأسواق الأوروبية، بات اليوم الشغل الشاغل لدول أوروبا ودول المنطقة. فالقارة الأوروبية أصبحت، بعد الحرب الروسية – الأوكرانية تحتاج الى نفط وغاز منطقة الشرق الأوسط للثلاثين سنة المقبلة، ولهذا يجري العمل على تأمين ممرّات لمدّ هذه الأنابيب، وإيصال النفط والغاز الى الأسواق العالمية.. ويحكى عن ممرّ قبرصي، لبناني، مصري، ما يُحتّم على لبنان استكمال مفاوضات الترسيم، بطريقة مباشرة هذه المرّة مع دول الجوار، لا سيما مع قبرص وسوريا من أجل تأمين خط الأنابيب المناسب، لكي يكون جاهزاً فور بدء إنتاج النفط من حقل “قانا” الواعد، بحسب معلومات الخبراء والفنيين، لا سيما وأنّ عملية تسييل الغاز الطبيعي وشحنه في البواخر، كلفتها باهظة تصل الى 15 مليار دولار. كما يتمّ الإتفاق على مدّ أنبوب غاز تركي يعمل مع الروسي والسوري. من هنا، فإنّ ترسيم خطوط الأنابيب يهدف الى حماية مصالح الدول الكبرى، ولا بدّ للبنان، الذي دخل نادي البلدان النفطية حديثاً، أن يصبّ في إحدى هذه الأنابيب.

وصحيح أنّ “الإسرائيلي” قد سبق لبنان بنحو 7 أو 8 سنوات، إذ أصبح في مرحلة الإنتاج والبيع، في الوقت الذي لم يبدأ فيه لبنان عمليات التنقيب والإستخراج بعد، غير أنّ وضع لبنان على السكّة الصحيحة اليوم، على ما شدّدت المصادر نفسها، يبقى أفضل من الغدّ. ولعلّ هذا ما هدفت اليه اتفاقية الترسيم البحري، فهي وإن تخلّت عن الخط 29 الذي كان يُعطي لبنان القسم الشمالي من حقل “كاريش”، وكامل حقل “قانا”، من دون أن يبقى قسمه الجنوبي خارج خط الترسيم المتفق عليه أي الخط 23، إِلَّا أنّها أكسبت لبنان وضعه في خانة الدول المُصدّرة للنفط لأنّ الفرصة سانحة اليوم لذلك. فالغاز والنفط موجودان منذ عقود في لبنان، غير أنّ الدول الكبرى لم تكن تسمح له بالتنقيب عن ثروته النفطية واستخراجها، وذلك خلافاً لما يحصل اليوم عندما أصبحت الحاجة ماسّة الى هذه المواد. وقالت المصادر بأنّه من المعلوم من جهة أخرى، بأنّه عند دخول طرف ما في مفاوضات مع طرفٍ آخر، وإن كانت غير مباشرة، كما في اتفاقية، فلا بدّ له من تقديم بعض التنازلات للحصول على بعض المكاسب.

من هنا، أملت المصادر أن يكون لبنان الرابح خلال السنوات المقبلة، كونه لا يربح حقل “قانا” فقط، بل الحقول الموجودة في كلّ البلوكات اللبنانية، الأمر الذي كان محظّراً عليه، خلال السنوات الماضية. وخير دليل على ذلك إيقاف عمل شركة “توتال” في البلوك 4 في نيسان من العام 2020، بعد نحو شهرين من تاريخ بدء حفر البئر الإستكشافي “بيبلوس”، على عمق 4076 متراً، من دون إتمامه، رغم البُعد الجغرافي لهذا البلوك عن المنطقة الحدودية، موضوع النزاع مع العدو الإسرائيلي.

وتضيف المصادر، أن لا أحد يعلم حجم المردود المالي الذي سيحصل عليه لبنان من ثروته النفطية، ما من شأنه المساهمة بالدرجة الأولى في سدّ ديونه وتحسين وضعه المالي والإقتصادي. لهذا فالترسيم إقتصادي، أكثر منه حصول لبنان على مساحات من المياه أو على ثروة سمكية في المياه الإقليمية. ولهذا حصل لبنان على حقل “قانا”، و”الإسرائيلي” على حقل “كاريش”، لفتح الباب أمام التنقيب في بلوكات أخرى لدى كلّ من الطرفين.

وبناء عليه، سيبدأ “الإسرائيلي” العمل في حقل “كاريش”، واتفق مع المصري لمدّ خط أنابيب يربط حقل “ليفياثان” بمصر، بعد الإتفاق المصري- الفلسطيني لتطوير حقل الغاز “غزّة مارين”، كما سيتمكّن من العمل في حقل “أفروديت” بعد حلّ النزاع مع قبرص. كذلك سيبدأ لبنان في الموازاة، عمله في حقل “قانا”، على ما أوضحت المصادر، كما سيفتح دورة التراخيص الثانية لتلزيم الشركات النفطية بلوكاته الأخرى، لا سيما 5 و 8 وسواهما. وفي حال وجود حقول جديدة مشتركة بين الطرفين عند الخط الحدودي المرسّم وفق اتفاقية الحدود البحرية، والذي هو الخط 23، فسيتمّ اللجوء الى اتفاقية غير مباشرة أخرى لحلّ النزاع حولها.

Exit mobile version