تحت مظلة “الدولار ضرورة للاستمرار”.. “دولرة” قطاع المواد الغذائيّة
مدخل غير قانوني للتخلّي عن العملة الوطنيّة

Share to:

الديار: ندى عبد الرزاق

يعد قرار وزير الاقتصاد امين سلام بإعطاء الاذن لقطاع المواد الغذائية للتسعير بالدولار، مدخلا للتخلي عن العملة الوطنية وضربها، بعد ان أضحت لا تتوافق مع منطق الرأسماليين الاقتصاديين وحيتان المال، وبالتالي خطوة تُجاري القوانين الاقتصادية العالمية.

“الدولرة” التي شملت الخدمات الحكومية بما فيها الضرائب وفواتير الكهرباء والمياه، التي لا تأتي الا في السنة مرة، وقطاع الملبوسات وتصليح السيارات، الى جانب مياه الشرب التي تباع بغالونات باتت ترتفع مع كل رفّتْ عين، بحيث ان سعر الـ 10 ليتر ارتفع من 1500 ليرة الى 80 ألف ليرة، والتجار المتفقون فقط في مبدأ الربح يتمسكون بإرجاع هذا التضخم الى ارتفاع المحروقات.

وبحسب مقياس “فوربس” ان قطاع المفرّق يحظى بنسبة أجور الى مجموع المبيعات بنسبة 12.6% ، ما يعني انه وفي ظل انعدام الأجور يبقى هذا القطاع يمتلك حرية تحقيق الأرباح المرتفعة مع كل تراجع يحدث في سعر الصرف.

في هذا الإطار، كشفت مصادر متابعة للملف، ان قرار تأجيل تسعير قطاع المواد الغذائية بالدولار يعود الى خلاف بين صاحب سلسلة محلات تجارية ومسؤول اداري، استخدم وسائله السياسية أي “الواسطة” للضغط على الوزير المعني بقرار التسعير لإلغاء “دولرة” قطاع “السوبرماركات، انطلاقا من مبدأ “تقاطع المصالح” والمصلحة المشتركة المتبادلة، واشارت المصادر الى ان التاجر نفسه جنى آلاف الدولارات في الفترة الماضية، وبالتالي يخشى الأخير من خسارة كل ما حققه من أرباح تعد مشبوهة مستغلا صفته وموقعه.

جوانب ايجابية للتسعير بالدولار… لكن!

ما يجدر ذكره في هذا السياق، ان للتسعير بالدولار حسنات، والذي بطبيعة الحال لا ينفي مخالفة هكذا قرار للقانون، الا ان المواطن قد يوفر ما بين الـ 15 و20% من قيمة السلع. والسبب يعود الى ان التجار يسعّرون في الأصل على دولار الـ 80 و90 ألفا.

وفي جولة ميدانية قبل ساعات من اعداد هذا التحقيق، شملت محلات الخضر والمواد الغذائية، كانت الاسعار على الشكل الاتي: في منطقة مستشفى الروم ضمة البقدونس 15000 ألف ليرة، والخسة الواحدة 40000 ألف ليرة.

وهنا يظهر التباين ما بين محل وآخر بشكل جلي، بحيث انه في الشارع المقابل اي في منطقة الرميل، رزمة البقدونس بـ 8000 آلاف ليرة، والخسة الواحدة بـ 20000 ألف ليرة، ما يكشف ان الجشع يغلب الدولار وارتفاعه وتحقيق الأرباح على حساب المواطن، لا ما يدفعه التاجر. كذلك الامر بالنسبة لأسعار “السوبرماركات” التي ارتفعت في اليومين الأخيرين بنسبة 20 و30 ضعفا. مع العلم ان الدولار كان يحافظ على سعره الى حد ما، وقد عاينّا سلعة محددة كان سعرها عندما كان الدولار بـ 65000 ألف بـ 180 ل. ل. اليوم سعرها أصبح 231 ل. ل.

وبسبب تقاطع المصالح التي جعلت لبنان يتهاوى في مهب الكوارث التي صنعتها السلطة، تبقى الكوارث الطبيعية ارحم، لأنه في الأولى تم نسف المصلحة العامة باعتماد الدولار كسعر للبضائع، كما ان قانون المنافسة وتقليص حجم السوق أصبحا في خبر كان، ومبدأ ان مراكز البيع ستعمد الى تخفيض أسعارها بالدولار مع كل تخفيض بالكلفة من اجل الحفاظ على المستهلكين ، مبدأ في الواقع يصدقه الساذجون.

قرار اطاح الذين يتقاضون

رواتبهم بالعملة الوطنية

في الحقيقة، يجب على المسؤولين النزول عن عروشهم التي قد يأتي زلزال طبيعي يوما ما ويزلزلها ولا يترك منها اثرا، والتي ما انفكت تعتقد انها محصنة، وما يحدث في الطبيعة من كوارث ما هي الا رسالة لكي يعود الظالمون الى رشدهم وليرى المقتدرون في السلطة والحكم ان هناك شريحة من المواطنين تخشى على اطفالها الجوع بسبب قرارات جائرة.

في سياق متصل، كيف يمكن اتخاذ قرار بحجم الوطن يمس كل مواطن، دون تقييمه وما إذا كان يتناسب والجميع، دون تعريض أحد لذل الجوع والعوز! وأين تكمن المصلحة للشرائح التي ما زالت تتقاضى رواتب بالعملة الوطنية والتي لا تتجاوز الـ 3000000 ملايين ليرة لبنانية، وحين يذهبون لتحويل رواتبهم الى الدولار سيخسرون ربع القيمة منه ، وبالتالي دفع الناس الى المجهول أبدع فيها واتقنها صناع القرار الذين يتحكمون بمصير الناس، الذين لا حول ولا قوة لهم سوى الرضوخ حفاظا على ما تبقى من كرامتهم.

الشعب الذي ما انفك يتأثر بالأزمات الداخلية الاجتماعية والاقتصادية وانعدام البحبوحة والاستقرار النفسي، كان ينقصه المكابدة مع كل معاناة تحدث في الجوار. لا بل ويخسر افرادا هاجروا للبحث عن السكينة والطمأنينة قبل الجانب المادي فأطاح الزلزال بعضهم، هكذا هي حكمة الرب في بلد قائم على فوالق طبيعية وأخرى سياسية وإقليمية ، وكأنه مكتوب على لبنان ان تحل الكوارث بأبنائه أينما ذهبوا او حلّوا.

معين من مخيم صبرا وشاتيلا يقول لـ “الديار”: كنا نعتقد ان قرار “دولرة” الأسعار لن يشمل هذا المخيم، كونه الأكثر فقرا بالنسبة لمن يقطنونه، فوضعهم المادي دقيق وكثر لا يعملون نتيجة اغلاق عدد كبير من المؤسسات أبوابها بسبب الازمة الاقتصادية. ويتابع: بعد ان سمعنا وزير الاقتصاد نيته “بدولرة” السلع الغذائية باتت حجة لكل صاحب حانوت او محل، وحتى البالات باتت تبيع احذية مستعملة بالدولار. ويتوجه معين بسؤال لوزير الاقتصاد، اين مصلحتي في ان اتقاضى راتبا بالليرة اللبنانية واشتري احتياجاتي بالدولار، واذهب لاحول راتبي من العملة الوطنية الى الدولار فأخسر أكثر من ربعه!”

القانون يجازي… والوزير يخالف

في هذا السياق، تقول المحامية ساميا المولى لـ “الديار”: “بالطبع هذا القرار يعد غير قانوني لأنه عندما يحدث تنازع ما بين القانون والقرار، القانون هو الذي يطبق والمادة الخامسة من قانون حماية المستهلك تنص على انه يجب الاعلان عن الثمن بالليرة اللبنانية، وبالتالي يجب تعديل القانون، هذا من الناحية الاجتماعية”، مشيرة الى “ان هذا الامر سيسبب اشكاليات كثيرة”.

وتردف: ” بداية من حق المستهلك وواجب على عارض البضاعة ان يظهر الثمن بشكل واضح عليها، من جهة اخرى فان قانون النقد والتسليف يتحدث عن القوة الابرائية لليرة اللبنانية ولا نقاش حولها”. وتتابع: “بالتالي عندما اضع الثمن بالدولار الذي يتغير بين الثانية والاخرى، يصبح غير واضح ما يعني المخالفة، كما سيخلق معضلة بالممارسة، لنفترض أحد المواطنين اشترى سلعة ما بـ ٥ دولار وكان حينذاك بـ ٦٠ ألفا، وتبين وجود عيب خفي او انه ليس المنتج الذي أراده، وبعد ثلاثة ايام اتى يستبدله وكان الدولار قد أصبح بـ ٧٠ ل. ل.، كيف سيتم التعامل مع هذه الحالة البسيطة ؟ هل يتم ارجاع المبلغ على سعر الـ ٦٠ ألفا ام ٧٠ ألفا؟

وتستكمل، “مثال آخر في ما يتعلق بالسلع المحلية، كيف يكون الربح بالليرة اللبنانية بينما يكون ربح السلع المستوردة بالدولار؟ هذا يؤدي الى عدم المساواة، ويسيء لتجار السلع المحلية ما سيدفع بهم للتوجه الى التجارة والمتاجرة بما يحقق لهم ارباح أكثر”.

وتشدد المولى “على ان القوة الابرائية هي لليرة اللبنانية أي العملة الوطنية، وهذا الامر ثابت بقانون لا يستطيع أي قرار ان ينسف منظومة تشريعية كاملة باعتباره قرارا غير قانوني، يخالف احكام القانون، ويستطيع اي متضرر ان يتقدم بطعن امام مجلس شورى الدولة”.

Exit mobile version