كـ «عربون تقدير وشكر» لوزير الصناعة جورج بوشكيان، لتأمينه نصاب جلسات حكومة تصريف الأعمال المستقيلة، وضع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المدير العام للوزارة داني جدعون في التصرف، وأحاله إلى المجلس التأديبي بناء على طلب الوزير الذي تمرّد على قرار كتلة الطاشناق التي سمّته لمنصبه.
اللافت إلى حد الفضيحة أن جدعون غير متهم بأي جرم من نوع تقاضي رشاوى أو تزوير مستندات أو اختلاس أموال، لكنه «مذنب»، بحسب كتاب وجّهه الوزير إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بـ« عدم خضوعه (للوزير)، وإصداره مذكرة باعتماد التسلسل الإداري كما يمليه القانون، أي إمرار كل الطلبات والمعاملات عبره على أن يحيلها إلى الوزير» ما اعتبره بوشكيان محاولة لـ«إنشاء شرخ بينه وبين الموظفين»، إضافة إلى اعتماد جدعون «الفوقية الزائدة والاعتباطية والترهيب في التعامل مع الصناعيين، الإهمال الوظيفي، عدم دعوته لاجتماع لمجلس إدارة المجلس اللبناني للاعتماد منذ عام 2019، تغيبه عن جلسات المجلس الأعلى للتنظيم المدني، عدم قدرته على التخطيط والتطوير والابتكار». لذلك كله، طلب الوزير عرض الموضوع على مجلس الوزراء لإصدار مرسوم بوقف جدعون عن العمل وإحالته إلى المجلس التأديبي.
وسريعاً، استجاب ميقاتي لطلب الوزير الملك، وبصم له الوزراء الحاضرون جميعاً من دون حتى الاطلاع على مضمون الكتاب ومناقشة أسبابه الواهية.
وهذا ليس جديداً في لبنان. فغالباً ما يربح الوزير – أي وزير – المعركة ضد المدير العام، لأن القانون جعل من الوزراء آلهة فوق المحاسبة. لكن، لم يحصل يوماً أن أمعن رئيس حكومة بإساءة استخدام السلطة بهذا الشكل الفاضح. إذ لم يكد ميقاتي يقدّم رأس جدعون لوزير الصناعة على طبق من فضة، حتى كان يتوسط مائدته السبت الماضي في منزل الأخير في زحلة، بحضور بعض الوزراء، احتفالاً بـ«النصر»!
أصدر بوشكيان 38 قراراً في شهر واحد كلها لا تحمل اقتراحاً من المدير العام ومن دون موافقة لجان التراخيص
يشغل جدعون منصبه مديراً عاماً منذ 13 عاماً، وأمضى قبلها 16 عاماً في مجلس الخدمة المدنية مراقباً ثم مراقباً أول، ما يعني أنه ليس طارئاً على العمل الإداري، وملم بكل جوانب القانون ومدرك لحدود صلاحياته. ومنذ آذار الماضي، بدأت علاقته تسوء شيئاً فشيئاً مع بوشكيان الذي قرر اختزال كل الوزارة بشخصه معتدياً على صلاحيات جدعون. فتولى إصدار كل قرارات تراخيص المصانع والشهادات الصناعية وجزء من إجازات الاستيراد والتصدير بتوقيع منه فقط، وعمد إلى إزالة مكان توقيع المدير العام. ومعظم الشهادات كانت تصدر من دون الاطلاع على مستنداتها ومن دون إجراء كشف مسبق، حتى وصل عدد القرارات التي أصدرها بوشكيان إلى 38 في شهر واحد، كلها لا تحمل اقتراحاً من المدير، ولا تستند إلى دراسة أو موافقة لجان التراخيص، وهذه مخالفة قانونية تدعو إلى الارتياب. علماً أن بوشكيان رفع فجأة سعر طن الترابة 13 دولاراً العام الماضي بضربة واحدة، من 65 دولاراً إلى 78 دولاراً، من دون أي مساءلة حول أسباب هذا الارتفاع المفاجئ أو المعايير المعتمدة في التسعير ومن دون المرور بالمدير العام. كما عمد الوزير إلى عقد اجتماعات للموظفين وتكليفهم بمهام متجاوزاً المدير العام الذي يتبع الموظفون له وليس للوزير.
وعندما شكا جدعون الوزير أمام مجلس شورى الدولة أخيراً، وأصدر تعميماً في 17 الجاري يطلب فيه الحفاظ على التسلسل الإداري الذي يقضي بالمرور عبره تحت طائلة العقوبة لكل من يحيل معاملة من الوحدات المركزية والإقليمية خلافاً للأصول، أو التواصل مع مرافقي الوزير ومساعديه والوزير من دون علمه. واستند إلى المادة 9 من المرسوم الاشتراعي 111 التي تجيز له ذلك، وأرسل نسخاً من المذكرة إلى مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي والمديرية العامة لأمن الدولة.
أثار التعميم غضب الوزير. إلا أن ما هو أخطر يكمن في موافقة مجلس الوزراء على مرسوم الإحالة إلى التأديب وإصدار الحكومة المستقيلة المرسوم بالوكالة عن رئيس الجمهورية بعد «أن تنازل الوزراء عن الحق في طلب إعادة النظر بالقرار» كما جاء في محضر الجلسة. وبوشكيان هنا ليس الوحيد في رغبته بقمع جدعون، إذ سبق لوزير الصناعة السابق فريج صابونجيان أن حاول فعل الأمر نفسه. وللمصادفة، فقد أبطل مجلس شورى الدولة قبل شهرين قرارين لصابونجيان يتعلقان بترخيص لجبالة باطون في منطقة مراح الحباس شرق صيدا غير موقعين من المدير العام. وسيتم الادعاء على صابونجيان لإنشائه كسارة في منطقة حرجية قريباً.