المشكلات التي نواجهها والاتهامات المتبادلة والتقارير عن الفساد والغش وسوء الادارة تجعلنا نتساءل عن الاوادم في هذا البلد، لماذا لا يظهرون؟ لماذا لا يتحركون لتغيير الوضع السيئ في لبنان؟
ونعني بالآدمي، كل شخص من اي مركز او منصب، يملك عقلاً نظيفاً ويؤمن بالعمل بعيداً عن الاساليب الملتوية، يؤمن بالشفافية واحترام القوانين، هو كل من عمل بطرق نظيفة بعيدة عن التحايل، ولم يستفد من المال العام او العلاقات مع السلطة، هو كل شخص لا يلجأ الى الغش لزيادة أرباحه، وكل شخصية عامة لم تستعمل المال الانتخابي ولم تمد يدها الى مال الدولة، كل مغترب تعب وشقي ووثق بلبنان ويحلم بتحويل بلده بلدا متطورا وفاعلا، هم اصحاب الكفايات والعقول النظيفة.
نستطيع تغيير الواقع المحزن اذا تحالف الأوادم في البلد وخارجه، كل الاوادم بلا استثناء من كل الفئات والمراكز والمستويات:
ـ اولا، علينا ان نشجع الآدمي والنظيف على الانخراط في الشأن العام وخدمة مجتمعه، وهناك أوادم كثيرون، فليبحث كل واحد ضمن دائرته الانتخابية عن الاوادم ويشجعهم على الترشح ويدعمهم. ونخرج من مفهوم «كلن يعني كلن» التي تهرّب الاوادم وتجعلهم يبتعدون عن الخدمة المدنية.
ـ ثانيا: خلق تجمّع للاوادم في كل قطاع وخدمة، ويضعون في ما بينهم مدونة لقواعد السلوك Code of)
conduct) تُحدد الاسس السليمة والشفافة لتقديم الخدمة، ويُصبح من ينخرط في التجمع معروفا عنه انه يلتزم بأسس مهنية فعالة ومتميزة من دون غش او تلاعب. وتكون هذه التجمعات لكل المهن من اصحاب المؤسسات السياحية والصناعية والتجارية، الى المهن الحرة، سائقي التاكسي… فمثلاً سائق تاكسي يوصل سائحاً من المطار، اذا كان آدميا بتعامله يساهم في تحسين السياحة، اما اذا كان استغلالياً فيعطي صورة سيئة عن البلد، علينا ان نفهم كم ان محاولات الغش مؤذية التي يحاول بها اي شخص كسب بضعة دولارات اضافية (كم دولار اضافي ممكن ان يكلفنا خسارة الوف الدولارات التي كان من الممكن دخولها الى البلد) فهي تنعكس ضررا وأذى، فالسائح تصبح نظرته سلبية عن البلد وينشرها بين اقاربه واصحابه، فتمتد الصورة السلبية لتصبح صورة نمطية عن مستوى الخدمات في لبنان.
ـ ثالثاً: خلق رابطة للمغتربين الاوادم الذين يودّون مساعدة لبنان وشعبه ولكن ليس لديهم ثقة بالسلطة، هؤلاء قوة حقيقية منتشرة حول العالم، يملكون الخبرات والقدرة على المشاركة في النهوض بالبلد. فلبنان يملك فرصا استثمارية مهمة واذا انخرط المغتربون بها يفيدون البلد ويستفيدون عبر مجموعة من المشاريع المهمة. واذا تحقق ذلك سيكون النهوض سريعا الى درجة تُفاجىء الجميع.
ـ رابعاً: الطلب من الدول اذا كانت فعلاً تريد مساعدة لبنان ان تدعم الاوادم في البلد وان تضع قاعدة للتعامل مع الاوادم والابتعاد عن الفاسدين وهم يعرفونهم جيداً، ولم نرَ حتى الآن اي تردد في التعامل مع الفاسدين، ونأمل ان يُدركوا انه للحفاظ على مصالحهم، فإنّ الخصم الشريف افضل من الحليف الفاسد.
ـ خامساً: توعية المواطن على تقدير الآدمي والتعامل معه، والخروج من عقلية انّ «الحرامي حربوق وشاطر ومدبّر حاله»، فإذا تعهّدنا بعدم انتخاب غير الآدمي او التعامل مع اي مقدم خدمات غير آدمي، نصل الى مرحلة تهميش كثير من الفاسدين في مجتمعنا.
ـ سادساً: ورشة تشريعية متكاملة يقوم بها النواب الأوادم مستعينين بعدد من الخبراء في الحقول المختلفة ولبنان غني بتلك القدرات والعقول، هذه الورشة هدفها ان تُلغي القوانين المؤذية، وتطور القوانين الحالية، وتُقرّ قوانين للشفافية وتحديث الإدارة وزيادة الفعالية، والأهم ان تكون هذه الورشة علنية، من اقتراح القانون الى مناقشته وإقراره، جلسات علنية وملاحظات تفاعلية على الانترنت، ليشارك اكبر عدد ممكن من المواطنين والمهتمّين بورشة تحديث القوانين.
الأهم من ذلك كله انّ السلاح الاساسي لنجاح الأوادم في تحركهم هو قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة الذي نتفاجأ ان الاكثرية الساحقة مستمرة في تجاهله ولا نفهم السبب، فنبادر تكرارا ومرارا الى السؤال عن سبب تجاهل القانون، وما مشكلة القانون او الاخطاء في القانون؟ ولكن لا مجيب.
وسأكرّر حتى لو زهقتكم: حين تتحقق الشفافية المطلقة ستصبح كل اعمال الحكومة على الانترنت، وسيعرف المواطن كافة التفاصيل. سيعرف من يعرقل، من يتخذ قرارات خاطئة! من يقوم بمناقصات مشبوهة! وسيعرف المواطن من هو الآدمي ومن هو الفاسد. وسيجد الفاسد صعوبة في الاستمرار في السرقة، وإذا سار الوزير الآدمي في خطة فاعلة وعَرقله المتضررون من عمله، سيعرف الشعب وسيدعمه، ودعم الشعب هو اقوى من اي حزب او كتلة.