بين تعنّت وزير الطاقة وليد فياض المدفوع من الوزير جبران باسيل، وبين رفض نواب المعارضة التشريع في زمن الفراغ الرئاسي لاجتراح حلّ ولو ظرفياً، مضافاً إليهما الموقف الأميركي المتريث في انتاج حل كهربائي، لن يرى اللبنانيون الكهرباء لـ8 أو 10 ساعات كما وُعدوا. بات هذا حلماً ورديّاً يراود اللبنانيين ويبقيهم مفلسين خانعين لمافيا المولّدات. كل هذا يشي بأنّ الوعود الأميركية بمساعدة لبنان من باب مكافأته على ترسيم الحدود مع الجانب الإسرائيلي أمست سراباً.
لن يرى اللبنانيون الكهرباء لـ8 أو 10 ساعات كما وُعدوا. بات هذا حلماً ورديّاً يراود اللبنانيين ويبقيهم مفلسين خانعين لمافيا المولّدات
القول إنّ حلّ أزمة الكهرباء في لبنان كفيل بحلّ 50% وربّما أكثر من أزمات اللبنانيين، أمر لا مبالغة فيه. عودة التيار الكهربائي إلى ما كان عليه في السابق قبل 3 سنوات من عمر الأزمة، قادرة على إحداث فرقٍ في الملفّات التالية:
1- ضخّ الدماء في شرايين الاقتصاد اللبناني، من خلال إنعاش قطاعات الصناعة المتعطّشة للتيار الكهربائي، وإنعاش قطاع الخدمات، وحتى القطاع الزراعي الذي يعتمد على الريّ بواسطة ضخّ المياه.
2- إنعاش الفنادق والمطاعم والمقاهي، التي أمست تحسب ألف حساب لفواتير الاشتراكات، ولإمكانية إطالة دوامات العمل إلى ما بعد الساعة 12 ليلاً، التي تمسي المناطق السياحية بعدها أشبه بمدنِ “أشباح”.
3- تخفيف استيراد المحروقات، وخصوصاً مادّة المازوت من أجل المولّدات الخاصة، التي أمست مزراباً للدولارات من الداخل إلى الخارج، خصوصاً مع انطلاق فصل الشتاء.
4- انخفاض سعر صرف الدولار نتيجة هبوط الطلب عليه الذي كان من أجل سدّاد فواتير المازوت.
5- تحسّن خدمة الإنترنت التي باتت العمود الفقري للكثير من المصالح والقطاعات التجارية.
6- تراجع أزمة المياه في كلّ لبنان، نتيجة انقطاع التيار الكهربائي الضروري لضخّ المياه إلى المدن والقرى، وبالتالي تخفيف الأعباء المالية عن كاهل المواطنين المتعبين أصلاً، الذين يدفعون منذ انقطاع التيار الكهربائي فاتورة مياه أخرى غير تلك الخاصة برسوم مياه الدولة المقطوعة.
7- تخفيف تلوّث الجوّ من الانبعاثات الكربونية التي تطوّق المدن وتتسبّب بالأمراض، رافعةً فواتير الطبابة والاستشفاء، إضافة إلى تشويه سمعة لبنان في الخارج وتأثيرها على أيّ فرصة استثمارية محتملة لأيّ متموّل قد يفكّر في الاستثمار في لبنان.
لكن على الرغم من كلّ هذه الإيجابيات السالفة الذكر أعلاه، ومن الخيارات المتعدّدة المطروحة، يبدو أنّ السلطة اللبنانية عاجزة عن الوصول إلى حلّ كامل لتلك الأزمة.
ضخّ الدماء في شرايين الاقتصاد اللبناني، من خلال إنعاش قطاعات الصناعة المتعطّشة للتيار الكهربائي، وإنعاش قطاع الخدمات، وحتى القطاع الزراعي الذي يعتمد على الريّ بواسطة ضخّ المياه
3 فرضيّات لحلول مؤقّتة
في هذا السياق تُطرح فرضيات لحلول لا تعدو كونها موقتة. وكونها لا تشكل حلاً جذرياً فمرد ذلك إلى تداخل إقليمي ـ دولي تنعقد على وضع داخلي فيه التشريعي والنقدي، وهذه هي الفرضيات.
1- الحصول على الفيول من إيران، ويبدو أنّ هذا الحلّ مرفوض أميركياً، بمعزل عن كونه هبةً أو بيعاً، مع العلم أنّ العرض الإيراني في هذا المجال غير واضح المعالم ولا حتى الأهداف، لكنّه يبقى فرضية ربّما تكون كاذبة أو صادقة، لكنّها معلّقة نتيجة الرفض الأميركي وغير قابلة للتنفيذ.
2- الفيول الجزائري أو غيره من المصادر، وهذا الحلّ بحاجة إلى دولارات تستطيع الحكومة دفعها ثمناً للمحروقات. وهذه الدولارات موجودة في مصرف لبنان، ولا يبدو أنّ الإفراج عنها أمر سهل، خصوصاً مع إصرار المصرف المركزي على التغطية السياسية، من خلال اقتراح قانون يصدر عن مجلس الوزراء، وهو ما يجعل تمريره شبه مستحيل نتيجة صعوبة اجتماع الحكومة. الحلّ الآخر لهذه المعضلة بدأ تناقله في الصحف والمواقع اللبنانية أمس، ومؤدّاه احتمال استخدام السلطة لِما بقي من الحصة التي حصل عليها لبنان من السحوبات الخاصة (SDR) من صندوق النقد الدولي والبالغة 300 مليون دولار، لكنّها قد لا تكفي لأكثر من شهرين فقط.
هذا ويأمل الرئيس نجيب ميقاتي أن يستطيع رئيس مجلس النواب نبيه بري استبدال مشروع القانون الصادر عن الحكومة باقتراح قانون يتبنّاه البرلمان ويُخرجه إلى النور، لكن حتى هذه الآليّة دونها عثرات نتيجة إصرار الكتل النيابية على عدم اللجوء إلى “تشريع الضرورة” في ظلّ تحوّل المجلس إلى هيئة ناخبة في ظل الشغور الرئاسي.
3- يبقى حلّ الطاقة الأردنية والغاز المصري، الذي وعدت الولايات المتحدة بتسهيله، بعد كشف الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله عن إمكانية الاستعانة بالمحروقات الإيرانية. لكن يبدو أنّ هذا الحل أيضاً دخل في غياهب السياسة، خصوصاً بعد إنجاز ترسيم الحدود مع إسرائيل، إذ يبدو أنّ الأميركيين أخذوا من لبنان ما يريدون، وعادوا إلى لعبة الضغوط.
يتكامل هذا الحلّ مع قرضٍ مُقدم من البنك الدولي من أجل توفير التمويل، ويضع من أجل ذلك شرطين، هما بالمناسبة شرطان محقّان لا مهرب منهما:
- الأول يخصّ رفع التسعيرة، وقد أُنجز هذا الشرط، ولو بطرق غير مفهومة ومتداخلة تشبه إلى حدّ بعيد سلوك السلطة نفسه.
- الثاني يتعلّق بالتعيينات في الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، التي سبق أن رفضها الوزير جبران باسيل قبل سنوات، ويبدو أنّ وزير الطاقة الحالي وليد فياض يأتمر بوصاياه التعطيلية، “لغاية في نفس يعقوب”، التي لا تحيد عن استمرار طموحاته إلى الحصول على حقيبة الطاقة مجدّداً ورفض تسليم صلاحيّاتها للهيئة، وهو ما يعيق حتى الآن سير المشروع كلّه.
عودة الكهرباء تنتظر الهيئة الناظمة
في هذا السياق، كشف مصدر خارجي شديد الاطّلاع على تفاصيل هذا الملف لـ”أساس” عن أنّ الهواجس الموجودة لدى الجانب المصري حيال العقوبات الأميركية تختلف عن اعتبارات المملكة الأردنية الهاشمية، التي تحرص على مساعدة لبنان من بوّابة مشروع الربط الكهربائي بين معظم الدول العربية الموجود قبل الحرب السورية، لكن أصابته بعض الأعطال نتيجتها.
وأضاف المصدر أنّ الأردن استطاع أن ينجز الإصلاحات الفنّية الموكَلة إليه ضمن الشبكة الرابطة بينه وبين لبنان وسوريا بأقلّ من المدّة المحدّدة بنحو شهرين، وذلك نتيجة اجتهادات فنّية من خلال زيادة ورش تصليح الأعطال، التي تبيّن أنّها ليست كثيرة بين لبنان وسوريا، بخلاف ما كان متوقّعاً. وبالمحصّلة فإنّ تحويل الطاقة من عمّان إلى بيروت بات اليوم متوقّفاً على “رفع المحوّل” فقط بعد تنفيذ الشرط المتبقّي، الذي “لا ينبس وزير الطاقة وليد فياض ببنت شفة حياله للجهات المعنية”!
تريّث أميركيّ؟
تابع المصدر أنّ الطرف الأميركي فوجىء بسرعة الإصلاحات، لدرجة أنّ الإدارة الأميركية سألت الجانب الأردني عن سبب هذا الاستعجال، داعية إيّاه إلى التريّث والتحلّي بالهدوء.
أمّا الأسباب التي دفعت بالأميركيين إلى طلب التريّث من الأردن، فهي أيضاً ما زالت مجهولة، ولا يبدو أنّها متعلّقة بتفصيل الهيئة الناظمة فحسب، بل ربّما تعود إلى متطلّبات الضغوط التي تمارسها واشنطن والمجتمع الدولي على السلطة اللبنانية في ملفّات سياسية واستحقاقات من بوّابة الكهرباء!