عشية انعقاد مؤتمر باريس، وفي وقت تتلاحق فيه الجلسات الوزارية «الاسرائيلية»، لتحديد اهداف الضربات في لبنان وايران، وصل الى بيروت الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين، فيما بدأ وزير خارجيته جولة له في المنطقة، على وقع ليلة حامية عاشها سكان بيروت والبقاع والجنوب، قدمت صورة عما يمكن ان تكون عليه الامور خلال الايام المقبلة.
ازاء هذه الوقائع تشير مصادر سياسية لبنانية الى ان الزيارة الاميركية لم تحقق شيئا، فالموقف اللبناني المعروف والثابت حتى الساعة، بالاستناد الى الوضع الميداني على الجبهة الجنوبية، يقضي بالعودة الى المبادرة الفرنسية السابقة هذا من جهة، وثانيا ضعف الادارة الاميركية، اقله في الفترة الفاصلة حتى السادس من تشرين الثاني، موعد ظهور نتيجة الانتخابات الرئاسية الاميركية الاولية.
غير ان هوكشتاين ووفقا للمصادر، لم يطرح المطالب «الاسرائيلية» مباشرة، انما ركز على ان القرار 1701 بصيغته الحالية تسوده الكثير من الثُغر، لجهة آليات التطبيق التي لم تحترم ولم تطبق، بحجة الوضع في البلد والتركيبة السياسية والتوزنات الاقليمية، من هنا الطرح الاميركي الذي تضمن نقاط سبق لواشنطن ان طرحتها اكثر من مرة في مجلس الامن، اثناء بحث القرار 1701 والتجديد للقوات الدولية، غير ان الجانب اللبناني كان «يطير» محاولات التطبيق الجدي التدريجي للقرار.
ورأت المصادر ان واشنطن وخلافا لما يتم تداوله تؤيد «اهداف» المطالب «الاسرائيلية»، انما وفقا لصيغة تحفظ السيادة اللبنانية، من هنا البحث عن تغيير طبيعة وتركيبة قوة اليونيفيل المنتشرة في الجنوب، لجهة جعلها اولا قوة قادرة على التحرك «بحزم»، اعطائها حرية الحركة الكاملة التي تتمتع بها اي قوة حفظ سلام، والاهم اعطاء القوة الدولية كل الامكانات والوسائل لتأمين تطبيق كامل البنود، بما فيها حق المشاركة والمراقبة لكامل الحدود اللبنانية.
وتابعت المصادر ان النقطة الثانية التي بحثها هوكشتاين ارتبطت بملف رئاسة الجمهورية، حيث ثمة ضغط داخلي اميركي على الادارة من قبل بعض رجال الكونغرس، واللوبي الكاثوليكي المدعوم فاتيكينيا، لحث البيت الابيض على اتخاذ خطوات عملية تجبر الاطراف اللبنانية المعنية على انتخاب رئيس للجمهورية في وقت قريب جدا، وفقا لما ينص عليه الدستور، دون اي مماطلة او تعطيل، تحت التهديد بفرض عقوبات قاسية على المعطلين. علما ان ثمة من يعتقد ان هذا الملف سيبقى اسير «مين قبل مين البيضة او الدجاجة»، الى ان يكتب الاميركي امرا كان مفعولا، حيث ثمة قناعة راسخة بان واشنطن لم تحسم بعد اخراجها الرئاسي في بيروت، كيلا نقول خيارها، رغم ان «البروفايل» بات جاهزا ولائحة الاسماء ضاقت الى ابعد الحدود.
واشارت المصادر الى ان المشكلة اللبنانية الاساسية راهنا، تكمن في ان لبنان الرسمي يطالب بتطبيق الورقة التي كان سبق وحملها معه الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، ورفضت بالكامل سابقا، وهي بالنسبة للاميركيين باتت بحكم غير الموجودة، وهو ما ترجمته المشاركة الاميركية الهزيلة في مؤتمر باريس، حيث ستمثل على مستوى موظف في وزارة الخارجية مكلف الملفات الانسانية والاغاثية، ما يسقط اي تغطية سياسية عما يمكن ان يصدر، وهو موقف انعكس ايضا على تمثيل الرياض، التي لم تحدد حتى الساعة طبيعة ممثلها، وعلى دول اخرى.
وحول موقف رئيس مجلس النواب، اشارت المصادر الى انه اعطى اشارات متضاربة ومتناقضة، اذ اشار احد اعضاء الوفد الاميركي المرافق لهوكشتاين، ان رئيس المجلس ربط انتخاب رئيس بشرطي وقف النار والتعهد بعدم ادخال تعديلات على القرار 1701، وهو ما لا يمكن لواشنطن ان تقبله، بعدما وصلت الامور الى ما وصلت اليه، ناصحة بان الرهان على ان «تل ابيب» مستعدة للتراجع نتيجة التطورات على الحدود الجنوبية هو رهان خاطئ، اذ انها برأيها تحقق اهدافها وان بكلفة اعلى من المتوقع.
وختمت المصادر بان الامور باتت في مكان آخر وبات من الصعب العودة الى الوراء، فتوازنات المرحلة الراهنة لا تسمح بتحقيق اي تقدم ديبلوماسي، او بتمرير اي تسوية، ذلك ان المطلوب قلب التوازنات والمعادلات لترجمتها في الحل المنشود، وهو ما يمكن ان يطول جدا.