إحصائيّات مُرعبة عن أرقام مُحدّثة للموقوفين في النظارات والسجون
تشهد السجون المحلية في الآونة الأخيرة تدهورا كبيرا في الأوضاع الصحية والغذائية، مما يثير قلقا واسعا حول الظروف المعيشية للنزلاء. في هذا السياق، بدأ المغلولون الإسلاميون في سجن رومية إضرابا متواصلا عن الطعام للأسبوع الثاني، احتجاجا على ما يعتبرونه إهمالًا صحيا وغذائيا، أدى إلى وفاة العديد منهم وآخرهم الشاب ع.ح. ويعبر هؤلاء المقيدون عن استيائهم من الأوضاع الحياتية القاسية داخل الحبس، حيث يعيشون في بيئة تفتقر إلى أبسط مقومات الرعاية الطبية والغذائية.
ورغم تبرير المسؤولين لهذا الواقع بتردي الحالة المالية للدولة، وعدم القدرة على تطوير السجون، تتزايد المطالبات بضبط الأوضاع قبل وصولها إلى نقطة الانفجار. يذكر ان الشيخ خالد حبلص، أحد قيادات السجناء، وجه نداءً إلى المسؤولين للتذكير بأن حقوق السجناء لا ينبغي أن تُهمل، خاصة مع التدهور المستمر في أوضاعهم الصحية والمعيشية.
لا حقوق ولا من يحزنون!
ومن خلال تسليط الضوء على أوضاع المصفدين في لبنان، يتضح أن حقوقهم الأساسية كما ينص عليها القانون الدولي والشرائع الإنسانية، تتعرض لانتهاكات مستمرة. الإضراب الأخير الذي بدأه السجناء في سجن رومية، يعكس حجم المعاناة التي يواجهونها، سواء من نقص العناية الصحية أو الحرمان الغذائي، في ظل بيئة لا تلبي حتى الحد الأدنى من المعايير الإنسانية.
ووفقا للقوانين الدولية، يُعد توفير الرعاية الصحية والطعام الملائم للسجناء حقا أساسيا، إلا أن الواقع اللبناني يبرز عجزا واضحا في تحقيق هذه المتطلبات، ما يزيد من الضغط على السجناء ويدفعهم إلى التمرد أو محاولة الهروب.
عملية هروب فاشلة!
وفي هذا السياق، شهد سجن رومية قبل أيام محاولة هروب لم تتكلل بالنجاح، حيث سعى أربعة سجناء الى الفرار باستخدام حبل مصنوع من قطع القماش. وقد نجح أحدهم في الفرار، بينما انقطع الحبل بثلاثة سجناء آخرين مما أعاق محاولتهم. ورغم أن السجين تمكن من البقاء هاربا لبضعة أيام، فقد استطاعت قوى الأمن في النهاية القبض عليه وإعادته إلى زنزانته. هذه القصة تكشف مدى اليأس والإحباط الذي قد يدفع السجناء الى محاولة التمرد أو الهروب، وتسجل التحديات الكبيرة التي تواجه السجون اللبنانية.
وفي هذا الإطار، قال رئيس لجنة السجون المحامي جوزاف عيد لـ “الديار”: “قد يؤدي الظلم الذي يتعرض له بعض النزلاء ممن لا ذنب لهم في قضايا معينة، إلى تحولهم إلى مجرمين خطرين على المجتمع. فالظروف القاسية والمعاملة غير الإنسانية، تحول السجون إلى بيئة تولد العنف والتمرد، بدلاً من أن تكون مؤسسات للإصلاح والتأهيل”.
احصائيات السجون… اعداد النزلاء وتوزيع الجنسيات
ويكشف عيد لـ “الديار” أن “العدد الإجمالي للسجناء يبلغ حوالي 8400، منهم 2000 موقوفين في النظارات والباقي موزع على السجون”. ويشير إلى “أن الإحصائيات قد ترتفع أحيانا او تنخفض، لكن الوضع مرشح للارتفاع. ويوجد في السجون حوالي 6200 سجين، بينما تحتوي النظارات على ما يقارب 2000 سجين”. ويشير الى ان عدد السجينات يبلغ 300، والأحداث 110، ويشكل الموقوفون غير المحكومين 83%.
وبلفت إلى وجود أكثر من 1000 طلب إخلاء سبيل لمقيدين بقضايا جنح لم يُبت فيها. فضلاً عن ذلك، لا يطبق القضاة أصول المحاكمات الجزائية، أي المواد 111 و107 و108، التي تسمح لقضاة التحقيق بإتمام إخلاء السبيل بكفالات، إذ يوجد 11 بندا في المادة 111 خاصة، حيث يحق استبدال العقوبة بأخرى بديلة في ما يتعلق بالجنح والمسائل المالية التي ذكرتها سابقا. ورغم ذلك، لا يُطبق أي شيء في ظل تراكم أعداد الموقوفين، إلى جانب قلة عدد القضاة والمشكلات التي تحول دون الإسراع في بت المحاكمات، وخاصة خلال فترة اعتكاف القضاة، ونحن شعارنا العدالة لا تعتكف”.
ويبين عيد بالأرقام ويقول أن “عدد المحكومين بالمؤبد والأشغال الشاقة هو 150 سجينا، ويبلغ عدد السجناء الذين لديهم دعوى واحدة حوالي 2300، وبقية السجناء موقوفون في عدة دعاوى. وتبلغ نسبة الأجانب 48%، يشكل السوريون 32% أي ما يقارب 2575 سجينا، وموقوفو المخدرات 2650 بينهم 80 سجينة”. ويشدد على أن “الاكتظاظ هو المعضلة الأساسية والسبب في بطء العملية القضائية وعدم تطبيق أصول المحاكمات الجزائية، خاصة في ما يختص بالجنح”.
وقال: “صدر عام 1990 قانون رقم 17 حيث أناط بقوى الأمن الداخلي إدارة السجون حتى تتولاها وزارة العدل. وأناط مرسوم رقم 151 تاريخ 83 المتعلق بتنظيم وزارة العدل، بمديرية السجون في الوزارة المعنية رعاية السجناء وتأهيلهم، لذا تعتبر مسألة تطبيق أنظمة السجون في وزارة العدل تقريبا شكلية. وتكمن الصعوبات التي نعانيها في قضية الازدحام، حيث هناك نقص كبير في عدد العناصر والآليات”. ويكشف عن “وجود حوالي 350 نزيلا مصنفين ضمن خانة الإرهاب، وهؤلاء محجوزون في سجن روميه الذي يعتبر غير معد لاستقبال هكذا سجناء”.
وضع السجون سيء
وعما ىاذا كانت السجون تواجه فصلًا من التمرد لا مثيل له، يجيب أحد المحامين المهتمين بقضايا السجناء والموقوفين قائلاً: “إن وضع السجون في لبنان سيء لأسباب متعددة ومتشابكة، تبدأ من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها البلاد، وتمتد إلى الإهمال المؤسسي المزمن. فضلا عن ذلك، تواجه السجون الاكتظاظ الشديد والنقص الحاد في الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية والنظافة والغذاء، بالإضافة إلى غياب الصيانة الدورية للمرافق. ويتفاقم هذا الوضع بسبب قلة التمويل والإدارة غير الكافية من الدولة، التي تشهد انهيارا ماليا وبيروقراطيا حادا”.
ويقول المحامي لـ “الديار” “يواجه القضاء اللبناني تأخيرا كبيرا في إصدار الأحكام نتيجة عوامل رئيسية عدة، منها الانخفاض في عدد القضاة مقارنة بحجم القضايا، مما يؤدي إلى بطء في البت في الملفات وبالتالي إطالة فترة المحاكمات. ويعاني هذا النظام جمودا اداريا يحدث تعطيلا كبيرا في الإجراءات القانونية، ما يؤثر في انتظام سير العدالة بشكل عام. علاوة على ذلك، قد تتعرض القرارات القضائية أحيانا لضغوط سياسية أو فساد، مما يعقد إصدار الأحكام بشكل عادل وسريع”.
ويضيف : “مع تزايد عدد الموقوفين والمحتجزين بشكل يفوق طاقة السجون، تجد الدولة نفسها غير قادرة على إدارة الأوضاع بشكل فعّال. ويبقى العديد من السجناء، على الرغم من انتهاء فترة محكوميتهم أو انقضاء الوقت المناسب للبت في قضاياهم، قيد الاحتجاز بسبب البطء في إصدار الأحكام أو انتظار القرارات القضائية النهائية”.
ويختم المحامي موضحا “إن هذه العوامل مجتمعة قد تهدد الوضع العام للسجناء في لبنان، حيث يعامل العديد منهم بطريقة غير إنسانية، بسبب مماطلة القضاء والتجاهل العام لحقوقهم”.
في الختام، من الضروري تسليط الضوء على الجهود الإنسانية والوطنية التي تبذلها لجنة السجون، وذلك في إطار برنامج يحمل عنوان “من العقوبة إلى الإصلاح”، استنادا إلى المرسوم الاشتراعي رقم 14/310 الذي ينظم شؤون السجون.
ومع ذلك، فإن الاحتشاد في السجون يعيق تطبيق برامج التأهيل بشكل فعال، وإذا تم تطبيقها فإنها تكون ضعيفة بسبب العدد الكبير للنزلاء. ووفقًا لما صرح به رئيس لجنة السجون، جوزاف عيد “يحق لكل سجين الحصول على محاكمة عادلة، ومن غير المنطقي والقانوني بقاء أي سجين دون محاكمة. وهذا يشمل قضايا الإرهاب، حيث يجب محاكمة جميع المتهمين بشكل عادل، سواء كانوا أبرياء أو مذنبين”.