بعد أكثر من عامين على انفجار مرفأ بيروت المصابون يستجدون حقوقهم من المعنيين

Share to:

الديار – ندى عبد الرزاق

لا تزال خيبة امل المصابين في انفجار المرفأ كبيرة وقاسية سيما ان هؤلاء اوجاعهم النفسية والجسدية تتضاعف يوماً بعد يوم، وجلّهم إذا لم يكن جمعيهم أُثْقِل بمعاناته مدى الحياة وما فاقم المعاناة ضيقا ان الجهات المعنية تنصلّت من متابعتهم في اكمال علاجاتهم ومنهم ما زال بحاجة لإجراء المزيد من العمليات الجراحية حتى تاريخنا هذا.

أكثر من 7000 الاف مصاب هم أحق بأوسمة الشرف المذهّب، ليس لشيء وانما لان هؤلاء فقدوا أجزاء من أجسادهم ومعظمهم أُنهِك مدى الحياة وبعضهم أُطفئ النور من عينيه أليس هؤلاء أحق بالتكريم وجبران الخاطر يا فخامة رئيس الجمهورية! البعد الوطني يكون في احتواء الناس لا في تشتيتهم وزرع اليأس والاضطهاد الاقتصادي في قلوبهم واعينهم واينما حلوا او وجدوا.

4 آب بات موعداً ثابتا من كل أشهر السنة عند اللبنانيين جميعا وليس حصرا ذوي ضحايا المرفأ لمطالبة السلطة السياسية بالكف عن التدخل في ملف التحقيق الذي يشرف عليه القاضي طارق البيطار.

لكن من تحدث ولو لمرة عن وجع المصابين وكيفية متابعة استشفائهم فشركات التأمين تنصّلت، وزارة الصحة نفضت يدها ومعها معاينة الاطباء التي باتت بالفرش دولار.

هل استطاعت الجهات المعنية معرفة كم حصد تفجير مرفأ بيروت مصابا/ة فَقد يداً، رجلاً، جزءاً من الرأس وكم مصابا/ة فَقَد بصره او شلّت اوتاره وتقطعت واتاره كما سبل الحياة الطبيعية لهؤلاء؟ وهل فعلا تعلمت الدولة من هذه الكارثة وشكّلت خطة طوارئ تحسّبا لأي حدث مأسوي مماثل قد يطرأ في أي مستقبل واي زمان او مكان من لبنان.

يصرّ القدر كما الجينات البشرية على اختبار اللبنانيين والاصابات والتشوهات التي المت بكل مصابي/ات المرفأ التي لم تكن محض ارادتهم او بالولادة او عن طريق خطأ طبي او شخصي.

مصابون تحدثوا لـ “الديار” عن اختبارات قاسية مرّوا بها وما انفكوا، فكانت كدروس شديدة حاولوا التسلّح بما تبقى لديهم من ايمان وارادة واستطاعوا التجاوز الا انهم ما زالوا يشعرون بالغبن والنقص والظلم.

“بتنا ننشحط”

معاناة ميرنا حبوش الموجعة بدأت بُعيد الانفجار، بعد اصاباتها البالغة التي فقدت على أثرها النظر في عين وتمزّقت أوتار يدها إضافة الى الزجاج الذي انتشر في انحاء مختلفة من جسمها، تقول لـ “الديار”: “لولا الايادي البيضاء ما استطعنا نحن مصابو المرفأ من متابعة علاجنا المذل الموجع، بتنا ندفع فرق الضمان بالفرش او بحسب سعر الصرف في السوق الموازية والذي يبدأ من 50 مليون ليرة لبنانية وأكثر”.

وتضيف، “وزارة الصحة خرجت من مهامها بعيد الانفجار بأيام والتأمين أنذرنا انه غير معني بكل إصابة تتعلق بانفجار المرفأ، والأطباء الذين كانوا لا يتقاضون على المعاينات التي نقوم بها اليوم أضحوا يأخذون بدلا بحسب السعر اليومي للدولار”.

وتطرقت، الى ان وزارة الصحة باتت ترفض استقبالها في كل مرة تذهب بها قائلة “بتنا ننشحط”!

وتتابع، “في شهر 4 خضعت لعملية جراحية، وصل فرق الضمان الى 100 مليون ليرة لبنانية غُطّي منهم 2 مليون فقط، وتلمح الى ان حالتين فقط او ثلاث ممن اثاروا جدلا في الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي تتابعهم وزارة الصحة والبقية “دبروا حالكم””.

سخط على السلطة

السيدة لورا خوري شقيقة كارمن خوري الصايغ التي فقدت بصرها جراء الانفجار تقول: “بداية اول حق من حقوق شرعة الانسان ان تعمد الدولة الى حمايته وتوفر الأمان له لا ان تموت الأمهات وهن يحضرن الطعام لعائلتهن او اطفالهن الذين يلعبون في رعاية الله نحن نتحدث عن مزرعة لا سلطة”.

وتتابع، نحن فاقدون الامل في هذه السلطة التي اغتالت الوطن ومن فيه ولسنا بلدا ثالثا بل عاشراً وربما مئة هبوطا ولا نتحدث عن تكنولوجيا والوصول الى القمر بل أعني بلداً يحترم حياة وروح الانسان.

وتسأل لورا: “لماذا نهجّر أولادنا أليس ليتعلّموا كيف يمكن بناء الأوطان والمستقبل”؟ وتضيف: اليوم بتنا متحمسين لنكون ضد هذه المنظومة الفاسدة هؤلاء يستخدمون كل وسائل تعطيل التحقيق في مرفأ بيروت في “هيروتشيما” العصر ومنهم من يخاف على مركز ولا يخاف على شباب بات دمه مدفونا بالتراب.

وتتعجّب: عن أي عدالة نتحدث مشيرة الى ما جاء في كلمة رئيس الجمهوري الأخيرة قبيل مغادرته قصر بعبدا لانتهاء ولايته حيث قال: “أبرياؤنا المسجونين” بالإشارة الى موقوفي المرفأ “المتهمين” وتستكمل خوري أوليس الذين دفنوا تحت الأرض هم الأبرياء”.

بأي اهمال أُصِيْبْنَا

اما الإعلامية ملفين خوري فتروي ما حدث معها منذ اليوم الأول، حيث كانت التكاليف في اليومين الأول والثاني من كارثة المرفأ على عاتق “الصحة” وخضعت لفحوصات طبية فظهر عندها إصابات مختلفة تم تشخيصها في بادئ الامر خطئاً، بحيث ان العظمة التي تربط الرقبة بالكتف كانت مكسورة وخارجة من مكانها، وبعد أسبوعين حيث كان الوجع يشتد سألت طبيبها الذي أخبرها بضرورة اجراء فحوصات وليتبيّن ان العظمة لم ترجع الى مكانها والامر زاد سوءاً ولتعاود اجراء عملية جراحية مستعجلة بتاريخ 21 آب 2020.

وتضيف ملفين، “انا مضمونة الا انني يومذاك دفعت فرق الضمان مبلغا كبيرا نتيجة المستلزمات الطبية وعندما اتصلت بمستشار وزير الصحة حينذاك حمد حسن أخبرني ان الوزارة تعترف بأول يومين لإصابات تفجير المرفأ”.

تروي ملفين بالقول: “هذا الامر اشعرني بالضيق لأسباب متعددة:

أولا: هذا الانفجار لا ذنب لي فيه غير انني ضحية لأتحمل تبعاته المادية والنفسية والاوجاع الجسدية.

ثانيا: شعرت انني متروكة شأني شأن الكثيرين من قبل دولة التي كان يتوجب عليها ان تنتبه لمواطنيها وتساندهم في هكذا مأساة بسبب الإهمال والفساد”.

تتابع، “مرّت أشهر وبعد ان زال الورم تبيّن ان العظم في خدي مكسور وهنا تنبّهت ان هذه العملية ستكلفني مبالغا مادية كبيرة لما ستحتاجه من مستلزمات طبية وبراغي. وهنا أحدهم نصحني بالتحدث الى مدير العناية الطبية د. جوزاف الحلو الذي كان متجاوبا”.

وتلفت، “لا يمكننا الحشو عن دولة ولكن نستطيع ان نتحدث عن رجال ما زال لديهم ضمير ومنهم د. الحلو الذي ساعدني وزيادة على كل ما تقدم تستكمل ملفين حديثها عن عمليات أخرى كانت لا زالت بحاجة لإجرائها منها الاسنان مشيرة الى ان هذا النوع من العمليات باهظ كما ان الضمان لا يغطيه باعتباره تجميليّا الا ان الفساد والإهمال ساقانا الى هكذا اختبارات ولسنا نحن من اختار وهنا بدأت بإجراء هذه العمليات عن طريق دفع التكلفة بالتقسيط”.

وتنهي ملفين حديثها بسؤال لـ د. جوزاف الحلو ووزارة الصحة.

هل تعلمت وزارة الصحة من كارثة تفجير المرفأ؟

وهل وضعت استراتيجية او خطة طوارئ في المستقبل؟

وتردف، “كان يجب ان تعمد وزارة الصحة على توزيع مندوبيها في كافة المستشفيات لإحصاء الاعداد وأنواع الإصابات لان الكثير من المصابين لم يكونوا بوعيهم وابعد من كل ذلك حتى اليوم لا زلت أجهل المكتب الذي يجب ان اذهب واتقدم بطلب انني جريحة في انفجار المرفأ لأتطبب على حساب وزارة الصحة”.

المصابون الذين تحدثنا إليهم، شكوا من تنصّل وزارة الصحة من واجباتها اتجاههم، وبعضهم ما زال حتى البارحة يخضع لإجراء عمليات جراحية، ومنهم من قام بتحمل تكاليف علاجه من جيبه الخاص.

هذه المعاناة التي لم تتوقف لدى مصابي المرفأ حملناها الى مدير العناية الطبية في وزارة الصحة الدكتور جوزاف الحلو الذي قال لـ “الديار”:

“الصحة” لم تتوقف لحظة عن القيام بمهامها اتجاه هذه الكارثة العنيفة التي ألمت بنا جميعا “تنذكر وما تنعاد”، فالجرحى يفوق عددهم الـ 6000 الالف والوزارة عمدت منذ الليلة الأولى لإحصاء الاعداد نتيجة توزيع المصابين/ت على جميع المستشفيات في كافة المناطق اللبنانية.

ويتابع، “إذا أحد المصابين/ت تطبب في مستشفى دون ان يُعلمنا أحد بذلك فكيف لنا ان نعلم عن حالته او كيفية متابعته او تقديم العناية الطبية اللازمة بالقدر المستطاع لنا”.

وعن حقيقة عدم استقبال “الوزارة” للمصابين؟

يجيب د. الحلو هذا الكلام ليس بدقيق وليأتوا لي شخصيا ويخبروني من رفض استقبالهم وانا سأعالج الامر، متطرقا الى أحد المصابين كان قد خضع منذ بضعة أيام لعملية جراحية في مستشفى الحريري، مشيرا الى ان كل المصابين/ت الذين ما زالوا بحاجة لإجراء عمليات جراحية ما فتئت “الصحة” تتابعهم ولم تتهرّب من واجباتها الطبيعية.

وفي سياق متصل، يلفت الحلو “الى ان أحد المصابين من التابعية البنغلادشية، تم أيضا نقله الى مستشفى تنورين منذ أيام وهذا ان دلّ على شيء فيدلّ على ان “الصحة” تتابع كل الذين أصيبوا بانفجار المرفأ دون تلكؤ او تمييز باعتبار الكل سواسية”.

وعن تشكيل صندوق يتابع الحالات المستعصية؟

يجيب د. حلو “تشكلت لجنة برئاسة وزيرة الدفاع يومذاك زينة عكر، والسؤال يجب طرحه عليهم لماذا لم تتابع عملها او اين أصبحت او توصلت او إذا ما زالت قائمة”!

اقتراح

يتابع الحلو: “انا اقترحت في الأساس ان يصار الى تشكيل صندوق في الحكومة”، ويلفت انه ما زال متمسكا بطرحه حتى الان.

وفي سؤال هل قادرة الحكومة او الدولة القيام بهذه المهمة؟

يجيب: “إذا كانت الدولة غير قادرة على القيام بذلك فمن هو القادر”، مشيرا الى ان المواطن لا يستطيع القيام بذلك على عاتقه لا بل من المستحيل. ويُومئ بالقول: “الجمعيات قد تساعد عددا من المصابين الا انه لا يمكنها مساعدة الجميع، والسؤال ماذا بعد”؟

ويستكمل: “عدد الضحايا كبير جدا وهذا الامر بحاجة الى يد الدولة فيه ولا يمكن لفرد او جمعية او جهة القيام به بشكل متفرّد، ومن حق هؤلاء علينا تشكيل “صندوق” لمتابعة حالاتهم الاستشفائية بما في ذلك الأشخاص الذين فقدوا أعمالهم ومنازلهم”.

ويضيف: ” هناك اقتراح يقضي مساواة هؤلاء بشهداء الجيش اللبناني والقوى العسكرية، وهذا الامر أيضا مناط بالدولة”.

وفي سؤال ماذا تنتظر الدولة للقيام بذلك بعد مرور حوالي الـ 3 سنوات؟

يجيب الحلو: “هذا السؤال يجب طرحه او نقله للدولة، ويلمّح: ” الى التكاليف التي يتكبدها المصابون واصفاً ايّاها بالكبيرة”. ويستطرد: انا اساعد في ادخال مريض الى مستشفى من خلال اتصال ولكن الفاتورة من يسددها؟

وما تجدر الإشارة اليه ان عقود المستشفيات مع الجهات الضامنة لا زالت على سعر دولار 1500 والمريض يغطي 90% والضمان 10% وهنا يجب ان تتدخل الدولة التي يترتب عليها زيادة ميزانيات الصناديق الضامنة وهذا ليس من عملنا.

المستلزمات الطبية كارثة الكوارث

يقول الحلو: “على الدولة ان تتخذ قرارا استثنائيا يقضي بتغطية جميع المصابين وان يكون لهم صندوق خاص من تبرعات ومساعدات وغيرها”. ويكمل “إذا مصاب لديه عملية جراحية دون استعمال أي مستلزمات طبية يتم اجراؤها دون ان يتكبّد المريض أي أعباء او مبالغ إضافية”.

ولكن الكارثة تكمن إذا كان المصاب بحاجة الى أي منها “كتركيب رجل او براغي او اسياخ الخ”. فعندئذ لا يمكنني فعل شيء والمواطن سيدفع المترتب عليه من جيبه الخاص لعدم تغطية هذه المستلزمات من قبل الضمان او الوزارة.

وينهي د. الحلو بالقول: “لكل هذه الأسباب يجب تشكيل صندوق خاص بمصابي المرفأ تتكفل وتشرف عليه الدولة وتتابع كل الحالات بلا تمييز ومن دون هذا “الصندوق” لن يصل أحد الى أي نتيجة حتى بوجود الايادي البيضاء التي قدمت ولا زالت مساعدات لهؤلاء”.

اذن، السؤال هل فعلا بات لدينا معلومات كافية ووافية عن أنواع الإصابات، وعن كم رجل او يد بُتِرت وعن كم عين فقدت النظر او آذان صُمّت!

Exit mobile version