الأخبار – فاتن الحاج
رغم توظيف نحو 5 آلاف شخص في القطاع العام، بقرارات سياسية، وخلافاً للأصول، بعد قانون سلسلة الرتب والرواتب الصادر في آب 2017، يرفض رئيس هيئة التفتيش المركزي جورج عطية تطبيق قرار مجلس الوزراء بتعيين 22 أستاذاً في التعليم الثانوي والأساسي نجحوا في مباراة مجلس الخدمة المدنية لدخول ملاك التفتيش التربوي
لم يصدر مرسوم تعيين 22 أستاذاً نجحوا في مباراة مجلس الخدمة المدنية لدخول ملاك التفتيش التربوي، رغم قرار مجلس الوزراء الرقم 22 بتاريخ 28 تموز 2020 بنقلهم من ملاك التعليم الأساسي والثانوي. المرسوم لا يزال ينتظر «الإنهاء الملزم» لرئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية الذي يرفض إعطاءه حتى الآن، لكون الملف لا يحقق «التوازن الطائفي»، كما بسبب الخلاف مع المفتشية العامة التربوية الذي عطّل هيئة التفتيش منذ شباط 2019.
52 أستاذاً نجحوا في المباراة التي أجريت اعتباراً من 22 تموز2017 وأُعلنت نتائجها في 15 تشرين الثاني 2017، منهم 29 أستاذاً فازوا وفق حاجة المفتشية العامة التربوية إلى مفتشين معاونين في الاختصاصات المطلوبة التي نص عليها قرار مجلس الوزراء الرقم 52/2012، وهؤلاء صدر مرسوم تعيينهم والتحقوا بوظيفتهم، و23 أستاذاً كانوا من الناجحين الفائضين عن العدد الموافق عليه بموجب القرار، وقد توفي أحدهم بجائحة كورونا.
إلا أن المباراة أجريت بحسب حاجات عام 2012 والتي تغيرت في عام 2020، أي بعد 9 سنوات، مع خروج 17 مفتشاً عاماً تربوياً (16 لبلوغ السن القانونية ووفاة أحد المفتشين العامين) ومغادرة 21 مفتشاً (20 مفتشاً خرجوا لبلوغ السن القانونية، وتوفي أحد المفتشين)، وذلك في الفترة الممتدة بين الأول من كانون الثاني 2012 و31 تموز 2020. وبذلك، تقول مصادر الناجحين إنهم ليسوا فائضاً أو تعييناً في مراكز غير موجودة، إنما حاجة فعلية إلى التفتيش التربوي، وقد سبق مثلاً لملاك التعليم الثانوي أن استوعب في حالات مماثلة الأساتذة الفائضين عن العدد المطلوب الناجحين في مباريات عدة. كذلك فإن المصادر أشارت إلى أن مهمة المفتش التربوي، مهما كان اختصاصه، تشتمل على أعمال التفتيش على المدرسة أو الثانوية في كل النواحي التربوية والإدارية والمالية ولا تنحصر في مجال اختصاصه فقط، ولم تجر العادة أن كُلف أكثر من مفتش تربوي للمدرسة نفسها، ما يدل على عدم ضرورة الاختصاص للقيام بأعمال التفتيش. كما أن المرحلة الثالثة من مباراة مجلس الخدمة كانت عبارة عن تقييم حصة جغرافيا، وقد خاضها المرشحون من مختلف الاختصاصات، وهذا يدل أيضاً، بحسب المصادر، على أن المفتش التربوي مؤهل لأن يقيّم حصة تدريس حتى لو لم تكن في مجال اختصاصه.
هذه المعطيات قادت الأساتذة الناجحين الـ22 إلى التحرك باتجاه الجهات المعنية لحفظ حقهم بالتعيين قبل انقضاء مهلة السنتين، أي قبل 15 تشرين الثاني 2019، وهي المهلة المعطاة للإدارة لإظهار رغبتها الصريحة بتعيين الناجحين. يُذكر أنه في هذه الأثناء، صدر قانون تعليق المهل الرقم 160 بتاريخ 8 أيار 2020 والمتعلق بتعليق سريان المهل القانونية والقضائية والعقدية من 18 تشرين الأول 2019 (أي قبل نحو شهر من انتهاء مهلة السنتين) ولغاية 30 تموز 2020 ومن ثم تم تعليق المهل مرة أخرى حتى 31 كانون الأول 2020 بموجب القانون 185 بتاريخ 19 آب 2020. وبناءً عليه، حفظ مجلس الوزراء حق الأساتذة بالبند ثانياً من القرار 5 بتاريخ 30 نيسان 2020، أي في القرار نفسه الذي وافق فيه على نقل زملائهم الـ 29 إلى ملاك التفتيش التربوي. يومها، كلّف المجلس التفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية وإدارة الأبحاث والتوجيه إعداد ما يلزم تمهيداً لنقل وتعيين باقي المفتشين المعاونين التربويين الناجحين في المباراة (العدد 23) ورفع تقرير بهذا الخصوص في غضون أسبوعين.
لم يُطلَب رأي المفتشية العامة التربوية بشأن حاجتها إلى الناجحين الفائضين
في 18 أيار 2020، رفع مجلس الخدمة المدنية كتاباً إلى مجلس الوزراء أكد فيه عدم جواز تعيين المرشحين الناجحين كفائض عن العدد المطلوب في قرار مجلس الوزراء الرقم 52 /2012، لكون التعيين لا يجوز قانوناً إلا في المراكز الشاغرة بحسب الاختصاصات المطلوبة. وهذه المطالعة سليمة من الناحية القانونية بوجه عام، وفق أستاذ الدراسات العليا في القانون الإداري العام في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية وفيق ريحان، والحجج المدلى بها صحيحة أيضاً. «والمشكلة الأساسية ليست متعلقة بوجه خاص بموضوع انقضاء المهلة، بقدر تعلقها بموضوع الاختصاصات التي نص عليها قرار مجلس الوزراء، طالما أن الإدارة طلبت تعيين هذا الفائض في مهلة السنتين المحددة في المادة 8 من نظام الموظفين، وكان ينبغي أن تطلب إدارة التفتيش زيادة عدد المفتشين من الاختصاص نفسه من مجلس الوزراء ليتسنى لمجلس الخدمة الموافقة عليه. وهذا الخطأ تُسأل عنه، كما قال، رئاسة التفتيش المركزي لهذه الناحية. هنا توضح مصادر الناجحين أن المفتشية العامة التربوية لم يؤخذ رأيها في ما إذا كانت لديها حاجة إلى جميع المفتشين الناجحين أم لا، «علماً بأن مصادر التفتيش التربوي ألمحت مراراً وتكراراًَ لنا عن حاجتها إلى الناجحين الـ51، وأن ملاك التفتيش التربوي مفتوح ويمكنه استيعابهم».
ورغم مطالعة مجلس الخدمة، وافق مجلس الوزراء في جلسته في 28 تموز 2020 على مشروع مرسوم يرمي إلى نقل 22 أستاذاً إلى ملاك التفتيش التربوي، للأسباب الموجبة نفسها التي استند إليها الأساتذة، إضافة إلى أن نقل هؤلاء إلى ملاك آخر لا يرتب أعباء مالية إضافية. لكنّ المرسوم لم يصدر لأن رئيس التفتيش المركزي جورج عطية لم يُنهِه (أي لم يوافق عليه) كما تنص المادة 12 من المرسوم الاشتراعي 115 بتاريخ 12 حزيران 1959 (قانون إنشاء التفتيش المركزي)، بحجة أن تعيين العدد الفائض لا يلبي حاجة المفتشية العامة التربوية بل يشكل عبئاً عليها وينعكس سلباً على المال العام. كذلك استند رئيس التفتيش في رفضه – في كتاب وجهه إلى مجلس الوزراء في 3 أيلول 2020 – إلى عدم جواز إجراء أي تعيين في الإدارات العامة سنداً إلى لائحة ناجحين انقضت مدة سنتين على إعلانها. إلا أن مهلة السنتين، بحسب مصادر قانونية، ليست مهلة إسقاط. أي لا يسقط الحق بالتعيين إنما يُحفظ هذا الحق بحيث لا يجوز للإدارة تعيين موظفين من خارج لائحة الناجحين، ليكون لها بعد انقضاء المهلة الاستنسابية في التعيين من بينهم أو من خارجهم. كذلك فإن الحديث عن المهلة لم يعد صائباًَ مع صدور قانون تعليق المهل.
إلى ذلك، رأى عطية أن «إنهاء رئيس التفتيش» هو من المعاملات الجوهرية التي يجب أن تقترن أصلاً بطلب التعيين، والذي يأخذ مجراه القانوني بعدها بقرار يصدر عن مجلس الوزراء. وقد سبق للمجلس، بحسب رئيس التفتيش، أن عدّل قراره القاضي بتعيين عدد من المفتشين العامين في المراكز الشاغرة في ملاك إدارة التفتيش، بسبب تقدم «إنهاء رئيس التفتيش المركزي» لتعيين مفتشين عامين على قرار التعيين بحد ذاته وليس لاحقاً له. إلا أن معلومات «الأخبار» تشير إلى أن مسألة إلغاء مجلس الوزراء تعيين مفتشين عامين لم يكن بسبب إغفال اقتراح رئيس التفتيش المركزي بل لاعتبارات سياسية، إذ استُبدل شخصان محسوبان على حزب الله والقوات اللبنانية بمرشحين محسوبين على التيار الوطني الحر وحركة أمل.
اليوم، يرفض جورج عطية تطبيق قرار مجلس الوزراء بتعيين مفتشين ناجحين تحت ستار «الإنهاء الإلزامي»، علماً بأن الأخير لم يعد جائزاً التمسّك به، بحسب المصادر القانونية، بعد اجتهاد المجلس الدستوري الذي أوجب عدم تقييد صلاحية مجلس الوزراء في التعيين بآراء وقيود تصدر عن هيئات إدارية.