بخلاف كلّ مكوّنات القطاع العام الأخرى، لم تتوقف الجامعة اللبنانية عن العمل منذ بدء العام الدراسي الجاري في وقت تتناقص فيه رواتب الأساتذة وضماناتهم الصحية والاجتماعية بشكل كبير. أصوات الأساتذة المرتفعة، للإعلان عن عدم القدرة على الاستمرار، لم تُترجم إلى اليوم بأيّ تحرّك لأسباب متعدّدة، منها التساؤلات عن جدوى الإضراب وآفاقه. ومع انتخاب رابطة جديدة للأساتذة، عُلّقت الآمال عليها، وكان الامتحان الأول هو تفاعلها مع قرار وزير المال، يوسف الخليل، بإعطاء الأساتذة «بدل إنتاجية» يومي بقيمة 6.25 دولارات عن حضورهم إلى العمل من بداية آذار ولمدة أربعة أشهر.
قرار استفزّ الأساتذة شكلاً ومضموناً، لما يحمله، بحسب قولهم، من «إهانة وإذلال» وضرب لمفهوم عمل الأستاذ الجامعي الذي تحول إلى مياوم. وسألوا: «مقابل ماذا يعطوننا الـ6 وربع؟ هل أصبح القيام بالواجب التعليمي والحضور إلى الكليات إنتاجية؟ وإذا كان البدل يتعلق بعملنا الاعتيادي فلماذا لا يضمّنونه في أساس الراتب؟».
أما مضمون القرار فملتبس، إذ ليس معلوماً ما إذا كانوا سيقبضون البدل بالدولار أو بالليرة اللبنانية، ووفق أي سعر صرف.
يأتي ذلك في ظلّ تدهور الرواتب هذا الشهر إلى النصف في ما لو صُرفت وفق سعر صيرفة 90 ألف ليرة بدلاً من 38 ألفاً، وانخفض معدل الرواتب الثلاثة من 396 دولاراً إلى 165 دولاراً.
وثمة من قال إنه «جرى إقرار الإنتاجية ليُسكتوا الأساتذة الذين قبضوا أول الشهر الجاري 10% من رواتبهم قبل الأزمة، وسيقبضون في بداية نيسان 5% من قيمة هذه الرواتب. وأشار البعض إلى أن الإنتاجية في نيسان وحزيران ستنخفض كثيراً نتيجة العطل.
وكانت دعوة للهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة بإصدار ولو موقف من القرار ومنهم من طالبها بإعلان العودة إلى الإضراب.
القرار، الذي يشمل الأساتذة والعاملين في الجامعة، اكتفى باشتراط أن يستفيد من البدل من يحضر إلى مركز العمل ثلاثة أيام أسبوعياً على الأقلّ.
بدل الانتاجية
من أين نبعت الـ 6.25 دولارات؟
تشير المصادر الإدارية إلى أن قرار وزير المال الرقم 199 بتاريخ 23 آذار 2023 يطبق المرسوم 11046 بتاريخ 15 شباط 2023، الذي يعطي وزارة التربية سلفة خزينة بقيمة 1050 مليار ليرة لتأمين دعم الأساتذة والمدرّسين والمتعاقدين والعاملين في المدارس والثانويات والمعاهد الفنية الرسمية والجامعة اللبنانية بجميع مسمياتهم. وبما أن قرار وزير التربية، عباس الحلبي، المتعلق بتسديد بدل إنتاجية للأساتذة والموظفين والعاملين في الوزارة يقضي بإعطائهم 125 دولاراً لأشهر آذار ونيسان وأيار وحزيران، فإن المصادر افترضت أن مبلغاً مشابهاً سيكون مرصوداً للأساتذة والموظفين في الجامعة اللبنانية، باعتبار أن الأستاذ يداوم 20 يوماً في الشهر. من الأساتذة الجامعيين من يتحدث عن أعمال جامعية خارج الدوام الرسمي مثل الإشراف على الرسائل وغيرها؟ تجيب المصادر أن كيفية احتساب بدل الإنتاجية في هذه الحالة يصبح تدبيراً داخلياً، وبالاتفاق مع مسؤول الفرع أو الوحدة. لكن هل سيقبض الأساتذة والموظفون المبلغ بالدولار أم لا؟ علماً أنه سبق لوزير التربية أن قال، في تصريحات إعلامية، إن البدل سيُدفع بالدولار الأميركي وعبر شركات تحويل الأموال، من دون أن يذكر قراره ذلك في ما بعد.
وعود ميقاتي للرابطة
من جهتها، قامت الرابطة بزيارة كلّ من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يوم الجمعة الفائت، ووزير التربية عباس الحلبي أمس، عارضة مطالب الأساتذة ومشاكل الجامعة.
في الاجتماع مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي نهاية الأسبوع الماضي، تبلّغت الرابطة المنتخبة حديثاً، بحسب مصادرها، بأن بالمبالغ الإضافية التي ستُعطى لأساتذة الجامعة ستُرصد بالدولار وليس بالليرة اللبنانية، ومن ثم ستُصرف لهم وفق سعر صيرفة، علماً أن هذا الكلام تزامن مع مشروع المرسوم الذي كان مقرّراً عرضه على جلسة مجلس الوزراء الملغاة والتي كانت مقرّرة الإثنين الماضي. المرسوم يقضي بإعطاء بدل إنتاجية يعادل ما يلي بالليرة اللبنانية على سعر صيرفة: 300 دولار للفئة الأولى، 250 دولاراً للفئة الثانية، 200 دولار للفئة الثالثة و150 دولاراً للفئة الرابعة، و100 دولار للفئة الخامسة ومقدّمي الخدمات. كذلك وعد ميقاتي بصرف بدل نقل عادل من دون أن يحدّد القيمة، وبتغذية صندوق التعاضد.
وقد تكرّرت المطالب نفسها في اجتماع أمس مع وزير التربية، الذي حضره رئيس الجامعة أيضاً. وفيما وعد الحلبي بأنه سيسعى للعمل على تحقيق المطالب، أكد أن موضوع بدل الإنتاجية سيحلّ في أول جلسة لمجلس الوزراء، وسيحتسب وفق سعر صيرفة.
وكانت الرابطة أكّدت ضرورة أن تُكافأ الجامعة على مجهودها وخصوصاً أنها المؤسسة الوحيدة التي لم تقفل ولم تضرب منذ بداية العام الدراسي، مشدّدة على أهمية أن تُذكر الجامعة في كل المراسيم التي تصدر للقطاع العام، وأن لا تضطرّ في كلّ مرة أن تذكّر المعنيين بشمولها. وفي ظلّ إعلان الكثير من الأساتذة عدم قدرتهم على الاستمرار في التعليم، حضورياً كان أو عن بعد نظراً إلى ارتفاع أسعار المحروقات وبطاقات الإنترنت، نسأل مصادر الرابطة عن إمكان العودة إلى الإضراب، فتجيب: «الإضراب هو أحد السيناريوهات، لكن ليس منطقياً أن نجتمع مع رئيس الحكومة الجمعة ونضرب الإثنين».