كل ما ينتظره اللبنانيون بدءاً من قادتهم وأحزابهم وصولاً لجماهير الشعب المحبط والمحاصر من سياسات حزب الله وخياراته العابرة للحدود والقارات، هي سياسات الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن وإدارته تجاه بلادهم التي تتآكلها نيران الأزمة الاقتصادية والصحية والسياسية، ما بات معلوماً أن تواصلاً يحدث في حديقة خلفية منذ أيام بين فريق بايدن الذي سيتسلم زمام الملفات الدولية والإقليمية من إدارة فريق ترمب، وبين النظام الإيراني والذي يتحضر لانتخابات الرئاسة الإيرانية مطلع شهر يونيو/حزيران القادم، فيما التقديرات الانتخابية تؤكد أن التيار المحافظ المتشدد سيفوز في وجه التيار الإصلاحي الأقل حدة، فيما السياسات الكبرى ترسم في حضرة المرشد الأعلى للجمهورية السيد علي خامنئي ووفق تصوراته ونظرته للتحولات الجارية في المنطقة، كل هذا معني به لبنان بكونه إحدى الجمهوريات القابعة تحت سطوة محور الممانعة، والذي يمر بأصعب أيامه منذ التأسيس، لأن الحرب الاقتصادية التي تشنها واشنطن وحلفاؤها كانت الأنجح في خنق المحور الإيراني في عنق الزجاجة في كل الميادين، والحارقة لكل السفن والمراكب بين الجانبين، والتي ترجمت ميدانياً باغتيال قاسم سليماني وفخري زادة في ظل هروب إيراني من الرد على الاغتيالات الموجعة.
الصواريخ والترسيم والنظام
وفق النظرة الأولية لسياسات الإدارة الأمريكية القادمة، فإن ملفات حساسة لا يمكن المساس بها في برنامجها للمنطقة ومنها ما هو متعلق بلبنان، وعلى رأسها أمن إسرائيل من جهة الجنوب اللبناني، وترسيم الحدود وإعادة النقاش حول شكل النظام اللبناني، بما يعزز الحضور القائم لحلفاء واشنطن على اختلاف تنوعاتهم، أي الأوروبيون والأتراك والخليجيون.
لذا فإن واشنطن لا تزال مستعجلة على إنجاز الترسيم البحري بين لبنان والكيان الإسرائيلي على الرغم من العقد المستحدثة التي وضعها الرئيس اللبناني ميشال عون، والذي يتخطى الاتفاق الذي رعته واشنطن بين الجانبين على أحقية لبنان من خلال إقرار مرسوم يسجل من جانب لبنان لدى الأمم المتحدة على حق لبنان بمساحة 2290 كلم مربعاً في البحر المتوسط، وليس فقط بمساحة 860 كلم مربعاً التي على أساسها بدأت مفاوضات الترسيم في الناقورة، وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن خطوة عون تصطدم برفض محلي يقوده رئيس البرلمان نبيه بري وحزب الله من خلفه، حيث وبحسب المصدر فإن الحزب أبلغ الجهات الدولية عن رفضه لمرسوم عون وأنه سيصوت ضده.
فيما الملف الأساس، والذي سيحكم عمل الإدارة الأمريكية المقبلة مع طهران في الساحة اللبنانية سيكون عنوانه “الصواريخ الدقيقة” لحزب الله بما يتماشى مع استراتيجية المنظومة الدولية لحماية أمن إسرائيل وتخفيف سطوة الحزب في الميدان السوري واليمني تباعاً، لذا فإن ملف الصواريخ الدقيقة سيبدو أكثر جدية مع الإدارة القادمة كشريطة لبقاء حزب الله قوة سياسية فاعلة في المشهد اللبناني، وهذا كان ما قد أبلغه مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر للمسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم في زياراته الأخيرة للبنان، ووفق شينكر فإن الإدارة الأمريكية في ظل الجمهوريين أو الديمقراطيين، فإن ثوابتها لن تتغير في الملف اللبناني.
العقوبات مستمرة.. باريس لن تنقذكم
فتحت واشنطن أبواب العقوبات على مصراعيها وليس من الواضح أن إغلاق الباب يبدو في الأفق القريب، فالعقوبات بات السيف المسلط على الرقاب اللبنانية التي تتحسس الرؤوس خوفاً من رياح عاتية قد تضرب كل البيوت السياسية ومراكز القوة التي أمعنت في إحكام سيطرتها على البلاد منذ 7 عقود، ويشدد مصدر دبلوماسي غربي على أن الإدارة الأمريكية الجديدة أنهت تقريرها حول لبنان، وأن هذا التقرير بإشراف بريت ماكغورك منسّق شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الإدارة الجديدة، يتضمن التقرير توصيات بفرض عقوبات هائلة على مجموعة كبيرة من السياسيين اللبنانيين مرتبطين بحزب الله أو متعاونين معه خلال المراحل السابقة، ووفق المصدر فإن واشنطن مع بايدن على الرغم من حديثها عودة الانفتاح على الدول الأوروبية وفرنسا تحديداً، إلا أنها لن تسمح بإنقاذ المجموعة الحاكمة والمتعاونة مع حزب الله، وأن العقوبات هي السبيل الأقل تكلفة على واشنطن بدلاً من شن حروب أو دعمها.
حزب الله المنحني للرياح.. وحسابات الربح والخسارة
يدرك حزب الله أن الرياح العاتية أصابت جمهوره وبيئته وعموم حلفائه في الساحة اللبنانية، وأن من جملتهم حليفه المسيحي جبران باسيل والذي تبادل مع حزب الله سياسة تغطية السلاح لممارسات السياسية فيما السياسة تغطي السلاح والحروب والمغامرات، وأن لبنان الذي تحول لنموذج مصغر عن نظرة إيران للدول والذي دفع أثمان هذا الخط الإقليمي الصارخ عبر تخلي العرب ودول الغرب عنه، بات لزاماً عليه فك عزلته وترك مساحات للحلفاء بمغازلة القوى المؤثرة الأخرى في الإقليم، لذا فإن الحزب صمت عن مواقف الوزير جبران باسيل حول إعادة النظر برؤية لبنان نحو التطبيع والسلام والتعاطي مع إسرائيل، وينظر بنفس الوقت لمحاولات الرئيس المكلف سعد الحريري يصول ويجول بين إسطنبول وأبوظبي لجلب التأييد لحكومته، فالحزب لا يريد كسر الجرة، فيما بري مرر مشروع ترسيم الحدود مع ديفيد شينكر عقب العقوبات التي طالت معاونه السياسي علي حسن خليل.
وعلى جانب آخر، فإن الحزب أرسل برسائل تطمينية لبعض الدول أنه لن يجازف بشن حرب أو الذهاب نحو معركة شاملة في الساحة الإقليمية في ظل الأجواء الإيجابية التي قد تطرأ على ملف الحوار الأمريكي الإيراني، والذي قد يضطر للذهاب نحو تنازلات في ميادين كثيرة، أبرزها في اليمن نتيجة التشنج الخليجي ضده والرافض لفك العزلة عن لبنان بحكم تدخلات الحزب في أمن الخليج والسعودية تحديداً، كما أن الحزب أبلغ قيادة جماعة الإخوان المسلمين محلياً ودولياً عبر حركة حماس بأنه يفضل تأجيل جولات الحوار والنقاش التي كانت قد بدأت بين الجانبين خوفاً من استفزاز الجانب الأمريكي والعربي.
السفارة المركزية للمنطقة.. المتوسط في جدولنا
تعول واشنطن على أن تكون الانتخابات البرلمانية القادمة في لبنان مفتاحاً مهماً في عزل حزب الله و”فكفكة مصادر قوته” عبر تجسيد نتائج ثورة 17 تشرين في صناديق الاقتراع وتحجيم دور الأحزاب السياسية الحليفة للحزب كالتيار الوطني الحر وباقي الأحزاب الدائرة في فلك محور دمشق-طهران، لذا فإن أي انتخابات قادمة قد تشكل نقطة تحول في الحياة السياسية، وعلى الرغم من عدم تقاطع معظم مجموعات الحراك اللبناني مع الأجندة الأمريكية، إلا أن الأكيد أن قوى المعارضة لا يمكن أن تساند حزب الله وسياساته الفجة في اللعبة السياسية في المقابل وبخلاف كلّ الآراء، فإنّ واشنطن مهتمة بالتفاهم في المرحلة القادمة مع حزب الله، ولَو بطريقة غير مباشرة، ولكن بعد إعادة رسم نظام سياسي لبناني بنفوذ محدود للحزب إياه.
بالتوازي يقول جوني منير، المحلل السياسي، إنه يبدو لافتاً تسريع أعمال بناء السفارة الأمريكية الجديدة بعد فترة طويلة من إيقاف العمل فرضتها ظروف انتشار وباء الكورونا؛ حيث من المفترض أن تشهد بداية شهر مارس/آذار وصول فريق عمل دبلوماسي أمريكي جديد الى بيروت، مع الإشارة إلى أنّ المبنى الجديد والكبير يستوجِب توسيع وتنويع أقسام خدماتها. وبمعنى آخر، فإنّ واشنطن تريد استعادة دور الزمن الغابر للسفارة الأمريكية قبل العام 1984. أي سفارة مهمتها استشعار الحركة السياسية الإقليمية من خلال المرآة اللّبنانية، وهذا يعني أنّ واشنطن معنّية بالمسار المستقبلي للبنان وإعادة ترتيب أحجاره.
واستطراداً، فإنّ النزاع حول الحكومة له سقف سياسي محدد سيُعمل على تثبيته إمّا بالاقتصاد أو بالسياسة، وهو ما يعني أيضاً أنّ الاتجاه الموجود لدى بعض القوى لتطيير الانتخابات النيابية والتمديد للمجلس الحالي بتوازناته المعروفة لن يحصل.
وقد تجري مواكبة ذلك بحملة دولية واسعة. فكيف يمكن تبرير هذا التأجيل بتداعيات كورونا كما هو حاصل الآن مع عدم الدعوة إلى الانتخابات الفرعية بعد سلسلة الاستقالات في البرلمان اللبناني التي تلت كارثة انفجار مرفأ بيروت، فيما تتجّه إسرائيل الى رابع انتخابات عامة رغم انتشار كورونا، وذهاب أكثر من 300 مليون ناخب أمريكي إلى صناديق الإقتراع؟
والمشكلة الأهم بالنسبة للبنانيين هي الانهيار الاقتصادي والمالي الكبيران، والمرشّحان للتفاقم بسرعة خلال الأسابيع المقبلة وسط انسداد أفق الإصلاحات المطلوبة. وحتى على صعيد استكشاف الغاز في البحر، فإنّ الأمور لا تبدو قريبة، ذلك أنّ الكونسورتيوم الذي تترأسه شركة توتال سيؤجّل التنقيب عن النفط في البلوك الرقم 9 إلى ما بعد سنتين على أقرب تقدير.
صهيب جوهر – عربي بوست