نقل تنحي الرئيس الأميركي، جو بايدن، عن خوض الانتخابات الرئاسية، النقاشَ داخل الولايات المتحدة إلى البحث عن مرشّح بديل للحزب الديمقراطي. إلا أن بعض السجالات والتي تأتي على ألسنة الجمهوريين، وعلى رأسهم دونالد ترامب، تدعو بايدن إلى الاستقالة من منصبه كرئيس حالي، بما أنه لم يكن قادراً على استمرار الترشح وخوض المعركة الانتخابية.
بمعزل عن النتيجة، فإن الاهتزاز الكبير قد وقع في الحزب الديمقراطي. وهذا سيؤثر على الإدارة وسياساتها وعناصرها أيضاً.
اتسمت مواقف بايدن بالدعم المطلق لإسرائيل، في مقابل ممارسة ضغوط كبيرة على حكومة نتنياهو، للقبول بصفقة وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن. لم يقدّم نتنياهو التنازلات المطلوبة وعرقل الصفقة أكثر من مرة، بينما لا يزال هناك رهان على قبوله بها.
نتنياهو ومصير هوكشتاين
تتضارب القراءات والتوجهات حول ما سيقدم عليه نتنياهو، وإذا كان سيوافق على الصفقة بمرحلتها الأولى خلال زيارته إلى واشنطن، مقابل الحصول على المزيد من الدعم. وبحال سارت الأمور وفق هذا المسار، يفترض أن يبدأ تطبيق الصفقة مع بدايات شهر آب، بعدها ستكون الإدارة الأميركية والحزب الديمقراطي في انهماك لترتيب الوضع الداخلي وخوض المعركة الانتخابية، ومعها يمكن لنتنياهو أن يستأنف تصعيده وعملياته العسكرية.
هكذا، أصبح الوضع في المنطقة ككل معلّق على مصير نتائج زيارة نتنياهو إلى أميركا، ونتيجة الانتخابات الأميركية.
لبنان أحد أكثر الدول التي تترقب كل هذه المسارات، خصوصاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان يسعى للحصول على دعم أميركي لتغطية توسيع عملياته العسكرية ضد حزب الله. أما في المقابل، فهناك رهان أميركي كبير على الدور الذي يضطلع به كبير مستشاري بايدن لشؤون أمن الطاقة العالمي، آموس هوكشتاين، للوصول إلى خفض التصعيد وترتيب تفاهم حول الوضع الحدودي، على غراره نجاحه في إنجاز ترسيم الحدود البحرية. لا سيما أن هوكشتاين يتحدث عن صيغة لحلّ يوفر استقراراً طويل الأمد تحت سقف القرار 1701.
من غير المعروف مدى قدرة هوكشتاين على مواصلة العمل وقدرته على الإنجاز. لبنان أكثر من يختبر مثل هذه التبدلات على صعيد الإدارات، لأن مسار ترسيم الحدود البحرية كان قد انطلق بشكل مباشر أيام عهد ترامب، الذي أوكل المهمة إلى السفير السابق في لبنان ديفيد ساترفيلد. بعدها تم تكليف ديفيد شينكر، الذي ترك مهامه بعد فوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية، والذي عمل على تعيين آموس هوكشتاين مكلفاً بهذا الملف، والذي تحقق في تشرين الأول 2022.
ثلاثة أشهر عصيبة
تترقب المنطقة -ومن ضمنها لبنان- ثلاثة أشهر عصيبة، قد تشهد الكثير من التطورات والاهتزازات، ما بين القدرة على لجم الحرب ورقعة اتساعها، أو استمرارها وزيادة اشتعالها. في أميركا، تجري قراءات للكثير من الفترات الضائعة ما بين الإدارات الأميركية بفعل الانتخابات أو بفعل أزمات. في أميركا أيضاً، هناك من يحاول إجراء اسقاطات تاريخية مع اختلاف الظروف والوقائع. ولكن من يهاجم بايدن يشبّه انسحاب أميركا من افغانستان بانسحابها من فيتنام. ويعتبر هؤلاء أن أزمة الرئيس ريتشارد نيكسون واستقالته في العام 1974 انعكست بعد بضعة أشهر سقوط سايغون في العام 1975. كما هناك من يشبه اجتياح روسيا لأوكرانيا باجتياح الاتحاد السوفياتي لأفغانستان.
أيضاً بالنسبة إلى البعض، فإن نهاية عهد جيمي كارتر، شهدت حصول الثورة الإسلامية في إيران واقتحام السفارة الأميركية واختطاف الديبلوماسيين. ولم تحلّ أزمة الرهائن إلا بعد انتخاب رونالد ريغان. كما شهدت الاجتياح السوفياتي لأفغانستان، واندلاع الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت 8 سنوات.
بناء على هذه الاستشهادات أو الاستذكارات التاريخية، والتي يستعرضها مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، جون بولتون، تطرح تساؤلات كثيرة حول ما يمكن أن تشهده منطقة الشرق الأوسط من تطورات وتداعيات في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة.
كان نتنياهو ينوي تكرار سيناريو زيارته إلى الكونغرس الأميركي في العام 2015، والذي هاجم فيه الرئيس الأميركي حينها باراك أوباما، بسبب موقفه من إيران، وبسبب عدم التفاهم حول القضية الفلسطينية، والذي امتنع في آخر أيامه عن استخدام حق النقض الفيتو ضد القرار 2234 والذي يدين سياسة الاستيطان الإسرائيلية.
نية نتنياهو بزيارة أميركا استبقت تحديد موعد له من قبل بايدن، والذي عاد وحدد موعداً يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي استغلاله للحصول على المزيد من الدعم في حربه المستمرة، والتي يمكن لاستمرارها أن يؤدي إلى اشتعال المنطقة أو إدخالها في حالة حرب شاملة.
منير الربيع – المدن