انتحر أم قتل… التشكيك في انتحار رجل الدين السوري جورج حوش

جورج حوش

Share to:

كتب: نضال العضايلة

شكك سوريون في مواقع التواصل الاجتماعي بصدقية الخبر الذي نُشر أمس، والذي يفيد بانتحار رجل الدين المسيحي جورج حوش في كاتدرائية مار جرجس للروم الأرثوذوكس بمدينة اللاذقية.

الملفت أن ينتحر الرجل في الهيكل المقدس. هذا غريب للغاية، ويتطلب دراسة نفسية اجتماعية عميقة، وهذا متعذر في بلادنا التعيسة ؛ فالمكان ليس للشيطان بل للمسيح وللإعداد وللتهيئة قبل خروج رجل الدين إلى المؤمنين واللقاء معهم وقيام الصلاة، فهل يكون جورج قد اختاره بسبب كل تلك المسائل وللتكفير عن سلوكيات مشينة قد يكون ارتكبها الصديق المقرب من الاب حوش، الدكتور هيثم خوري كتب منشوراً، على صفحته على فيسبوك عبر فيه عن عدم تصديقه لخبر انتحار جورج حوش، بناء على معطيات عدة، وقال: “بعد مراجعتي لتقرير الأجهزة الأمنية في سوريا اعتقد انه تم تصفية الخوري جورج حوش”.

وأضاف: “أولاً هناك طلقة وحيدة في الصدر، وهو مكان في الجسم غير معتاد لإطلاق النار على النفس فيه، والسبب أن من يريد أن يطلق النار على نفسه يريد أن يوجه المسدس عامودياً على الجسم ليتأكد أن الإصابة قاتلة، وإلا من الممكن أن تمر الطلقة سطحية دون أن تدخل الاحشاء، وجربت أن اضع مسدس ( بلاستيك) بشكل عامودي على صدري فاكتشفت انها عملية غير ممكنة”.

وتابع: ثانياً، من يريد الانتحار غالباً ينتحر في مكان معزول عن الناس وليس في كنيسة قبل الصلاة لأن الانتحار يتطلب تجميع قوى الشخص للإقدام عليه وهذا يتطلب الابتعاد عن الناس، وعلى الغالب في الكنيسة قبل الصلاة هناك اكثر من كاهن وأيضا اكثر من عضو في الجوقة، لذلك هذه المعطيات لا تدل على انتحار.

وأردف: أنا أعرف الخوري جورج حوش شخصيا فلقد قضينا فترة أسبوع سوية عام 1990، بناء على تقرير الأجهزة الأمنية، غير مقتنع انه انتحر.

ويقول المحامي السوري المعروف عارف الشعال: هناك شيء لافت للنظر أيضاً أن أفراد الشرطة حينما حضروا للمكان وجدوه على الكرسي وبجانبه المسدس ملقى على الأرض حسب بيان وزارة الداخلية، واللافت هنا وجوده على الكرسي ولماذا لم تحاول الناس إسعافه أو على الأقل تسجيته على الأرض!! يعني شخص أطلق النار على صدره وهو جالس على الكرسي من المستبعد أن تكون ردة فعل الحاضرين هادئة كثيرة بحيث يتفرجون عليه ولا يحاولون الذهاب به للمشفى أو تسجيته على الأرض وإنما يقررون بمجرد النظر إليه أنه توفي ويجب الاتصال بالشرطة!!! بدون أن يحركوا جسده!!!”.

ووسط هذه الشكوك، يعود السؤال بشأن موت الأب جورج حوش: هل انتحر الرجل المتدين حقاً من الضيق والأوضاع النفسية والمعيشية السيئة؟ أم أنه راح ضحية جريمة ارتكبها أحد المتنفذين الكُثر في منظومة نظام الأسد؟

وفتح خبر انتحار القس السوري جورج حوش بإطلاق النار على نفسه ليل الأربعاء، الحديث عن إمكانية أن يكون للنظام السوري يد في مقتله، على غرار ما تردد عن تورطه في تصفية الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي داخل العاصمة السورية دمشق في آذار/مارس 2013.

وتحدثت شبكات محلية مقربة من النظام عن تأخر مُتعمد في عملية إسعاف حوش بعد انتحاره، مُشيرة إلى أن المُصلين في الكنيسة تابعوا الصلاة بعد انتحاره، وقبيل إسعافه، في حين لم تُعلّق المطرانية ولا البطريركية على هذه الأنباء، واكتفت بالقول “إن انتحار الكاهن جاء نتيجة لضغوط نفسية واجتماعية ومادية متراكمة”.

وأبدى مصدر كهنوتي، فضل عدم الكشف عن هويته وكان على احتكاك بحوش استغرابه من حادثة الانتحار، مؤكداً ل”لبنان بالمباشر”، أن من عرف المطران يدرك أنه كان من أشد الناس استنكاراً لحوادث الانتحار داخل مناطق النظام السوري.

وأضاف أن الرواية متناقضة عندما تتحدث عن أن السبب المادي كان أحد أسباب الانتحار، مشيراً إلى أن الوضع المادي لحوش كان جيداً.

ويضيف المصدر نفسه: لقد كُفت يد الأب حوش منذ أكثر من ستة أشهر عن القيام بأية أعمال تخص رجال الدين، بل ومُنع من دخول دار المطرانية، وهذا مؤلم للغاية له، لكن ذلك يعني أن غضباً شديداً يتملك قادة المؤسسة الكنسية من مواقفه وسلوكياته، وبالتالي هناك اتهامات كثيرة ضده، وبالتأكيد سيكون منها أكاذيب للتشهير به وإدانته مجتمعياً.

الصحفي السوري صخر إدريس، نقل عن مقربين من الخوري استغرابهم من قصة انتحاره واستحالتها لمعرفتهم به وبإيمانه، وبخاصة أنّ الانتحار محرّم بكافة الشرائع والأديان”، وتساءل “ما الذي أزعج البعض من المطران أو ماذا يعرف حتى أنهوا حياته؟.

من هو الأب جورج حوش ولد جورج حوش في مدينة اللاذقية عام 1956، ونشأ في كنيسة “مار الياس” في حي الفاروس، ودرس اللاهوت وجرى ترسيمه “خوريًا” في قرية حلوز بريف إدلب الغربي.

تزوج حوش من امرأة من مدينة الغسانية بريف إدلب الغربي، بعد أن جرى ترسيمه لخوري، الأمر الذي أثار السخط عليه باعتبارها مخالفة دينية، ليتم نفيه إلى مدينة حلب، ثم إلى دير “مار جرجس” في مدينة حمص.

عُين حوش بعدها في كنيسة “السيدة العذراء” (الجوزية) بمدينة اللاذقية، ثم كنيسة “البربارة”، وتلاها كنيسة “مار جرجس”، لكن مع تجميد صلاحياته، ومنعه من دخول المطرانية والكنيسة ومن تأدية وممارسة طقوسه الدينية وإشرافه على الكنيسة، أو حتى من تأدية الصلاة.

ويعرف عن الخوري مساعدته للأهالي، ودخوله في مفاوضات لإطلاق سراح معتقلين أو مخطوفين، ويحظى بحاضنة شعبية واسعة من أبناء طائفته. لم يقتصر عمل الخوري على رمزيته ومكانته الدينية، إذ كان عضوًا فيما يسمى “لجنة المصالحة الوطنية”، التابعة لوزارة العدل وتتبنى رواية النظام السوري للأحداث في سوريا، وتكرر ظهوره في عديد المرات في مصالحات وتفاوضات.

وظهر الخوري جورج في أيار 2014 بحي الرمل الجنوبي باللاذقية في تجمع لعشرات المتظاهرين حينها، ووجه نداء ورسالة إلى من “غرر بهم من أبناء الوطن” في جبال الريف الشمالي إلى “ترك السلاح والعودة إلى حضن الوطن ودعم مسيرة السلم الأهلي”.

وقال حينها إنه جاء ليوجه رسالة إلى “أهالينا وأبنائنا في الريف الشمالي ومنها أبناؤنا في كنسبا وسلمى وربيعة وغيرها للعودة إلى حضن الوطن الذي يفتح ذراعيه لهم كل يوم للعودة والاندماج تحت رايته، ولنؤكد أن ما يحصل هو خسارة لكل السوريين والمنتصر الوحيد هم أعداء سوريا”.

وترافق ظهور جورج حوش مع حديثه عن ضرورة تعميم تجربة “المصالحة الوطنية” في كل المناطق السورية، وتشديده على أن السوريين “لم ولن يعرفوا يوما مثل هذه الثقافة”، وسيعتبرون تلك التجربة التي مروا بها “درسًا قاسيًا سيحملونه معهم إلى باقي الأجيال”.

ظهور الخوري حوش سياسيًا لا يقتصر على الداخل، إذ برز ظهوره أيضًا في قضايا خارج الحدود، وفي تشرين الثاني 2016 ألقى جورج حوش بصفته عضوًا في “لجنة المصالحة” في اللاذقية كلمة حيا فيها روح المقاومة المتجددة في فلسطين وإرادة الأسرى وتضحياتهم.

وظهر حينها حوش من خلال لقاء “تضامني” مع الأسير الفلسطيني أنس إبراهيم شديد، ورفاقه المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال الإسرائيلي بحضور جهات رسمية وفصائلية عديدة.

في كانون الثاني 2020، قال جورج حوش بصفته متقدم الكهنة في مطرانية الروم الأرثوذكس باللاذقية إن العمل المقاوم ليس له حدود جغرافية، وذلك تنديدًا بمقتل قائد قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري الإيراني”، قاسم سليماني.

وأكد حوش حينها على أن “دماء الشهداء أنبتت الكثير من المقاومين الذين سيكملون الدرب حتى تحقيق النصر الكامل”، من خلال ظهوره في ساحة المحافظة باللاذقية مع تجمع عشرات المتظاهرين.

Exit mobile version