تطورات كثيرة يشهدها لبنان هذه الايام. سيكون لها انعكاس كبير على مستقبله السياسي. أبرزها الانتخابات النيابية، والتي يراهن البعض على انها ستحمل مشهداً مغايراً ليس فقط للمجلس النيابي المقبل بل لمجمل الوضع في لبنان. مشهد الانتخابات أضافة إلى ملفات اخرى هي من صلب الواقع الذي يعيشه لبنان اليوم حملها موقعنا إلى الدكتور فؤاد ابو ناضر القائد السابق للقوات اللبنانية في زمن الحرب الاهلية، والذي يقاتل اليوم بالسياسة من اجل مشروع يراه هو الأنسب للبنان الغد.
المحور الأول:
هل انت مرشح للانتخابات النيابية؟
فؤاد أبو ناضر: نعم انا مرشح، ولكن لم اتخذ القرار النهائي بعد، وإذا ترشحت سيكون في المتن.
وهل الانتخابات ستجرى؟
فؤاد أبو ناضر: 50/50.
كيف ترى المشهد السياسي المقبل على ضوء الانتخابات النيابية؟
فؤاد أبو ناضر: انا أرى انه سيكون هناك مشاركة كبيرة من الناس، وسيكون هناك تغيير بالتأكيد، ولكن ليس كما يجب او كما يتوقع البعض، الا ان هذا التغيير سيخلق حالة جديدة في مجلس النواب، وذهنية ومعنويات جديدة للناس.
هل الانتخابات ستؤثر على وضع الأحزاب؟
فؤاد أبو ناضر: برأي التغيير لن يكون كبيرا، ولعدة أسباب،
اولاً: لان المعارضة مفككة ولم يشكلوا لائحة على مساحة الوطن، ويوجد عدة مجموعات بوجه بعضها البعض وهذا الامر سيُضعّف كثيراً من المعارضة.
ثانيا: لا يوجد عنوان واضح لهذه المعارضة، غير ما ينادون به وهو رفضهم للفساد، كما انهم منقسمون، بمعنى ان داخل المعارضة يوجد أناس مؤيدين لحزب الله وأخرون ضده! وبرأي لا يوجد مشروع موحد واضح وجريء يوحّد او يجمع الجميع وبالتالي يشكّل مادة نضالية عند الناس.
ثالثاً: هذه المجموعات تشكلت في وقت الأوضاع المادية جدا صعبة، الامر الذي سيجعلها تفتقد لإمكانية القيام بمكينات انتخابية كما يجب، على عكس الأحزاب المستكينة والهادئة يبقى لديها قدرة على خلق ماكيناتها الانتخابية كما ان لديها خبرتها وناسها على عكس المعارضة.
المحور الثاني:
عزوف سعد الحريري عن الحياة السياسية والانتخابات النيابية؟ هل هذا العزوف نتيجة عوامل داخلية وخارجية؟ وهل سيؤثر على الشارع السني وبالتالي الحلفاء؟
فؤاد أبو ناضر: برأي الاثنين معاً، ولأسباب مادية وشخصية، بحيث يوجد عوامل داخلية وخارجية أكثر، كما ان هناك عوامل شخصية، لا شك انه سيكون هناك تشتت للصوت السنّي وهناك فئات ستستفيد منه، وبرأي ان حزب الله والرئيس نبيه بري سيستفيدان من تشتت الصوت السني وأيضا القوات اللبنانية.
في هذه الحالة هل من انكفاء للشارع السني في انتخابات 2022؟
فؤاد أبو ناضر: على عكس ما يتوقع البعض فإنّ الأمور ستسير بشكلها الطبيعي ولن يكن هناك انكفاء للصوت السني، ففي العام 1992 المسيحيون قاطعوا الانتخابات، الا انها بقيت قائمة واتى اشخاص لا يمثلون المسيحيين. فحياة المواطنين لا تقف على شخص او اشخاص ولا حتى على حزب.
هل عزوف سعد الحريري له علاقة بتصعيد خليجي على لبنان في المرحلة المقبلة لا سيما بعد الورقة الكويتية؟
فؤاد أبو ناضر: وماذا لو سرت مفاوضات فيينا؟ وأقيم مشروع اتفاق ما بين إيران وباقي الدول وهدأت الأمور في الشرق الأوسط، لوين بنكون راحيين؟ برأي العرب غير قادرون على التأثير بشكل مباشر او حتى بفتح معركة مباشرة من دون الرجوع الى قرار دولي وحتى ان اتخذوا موقفا فسيكون ضعيفا وخجولا.
المحور الثالث:
البغض يطرح الفيدرالية كمشروع مستقبلي للبنان والآخر يراه مشروعاً تقسيميا، ما رأيك؟
فؤاد أبو ناضر: الحديث عن مشروع تقسيمي سخيف! وانا اتحدث في كتابي عن النظام المناطقي. بمعنى ان يكون للمناطق إدارة محلية وهذه الإدارة تستطيع ان تعطي للناس أجوبة وحلول. فالدولة المركزية أضحت غير قادرة على إيجاد الحلول للناس، كما ان الفساد قد صدّع هيكلها، وانا أرى ان الدولة اللامركزية الإنمائية والإدارية الموسّعة هو نظام شبيه بالنظام المناطقي كإيطاليا واسبانيا. فهناك قضايا كالنفايات وتزفيت الطرقات وانعدام الكهرباء منذ 30 سنة وحتى اليوم الدولة اللامركزية برهنت فشلها وسيطرت أجواء المحاصصة الضيقة مما حجمها وقلّص من قدرتها على القيام بأي مشروع. على سبيل المثال: إذا أراد وزير القيام بمشروع للكهرباء او النفايات لأنه من طائفة او حزب معين يتم تفشيل هذا المشروع حتى لا يتم تنفيذ أي مشاريع قد تعكس إيجابا على البلد. ومن هنا انا انادي بالدولة اللامركزية وكثر يترجم كلمة فيدرالية خطأ وحتى يفهمها بأسلوب معين فمفهوم الفيدرالية يختلف، فالفيدرالية في اميركا غير الفيدرالية في نيجيريا. وكلمة الفيدرالية تعني السلطة المعطاة للتشريع للسلطات المحلية أي ممكن ان تعطي الكثير وفي نفس الوقت القليل. إيطاليا دولة غير فيدرالية، هي عبارة عن نظام مناطقي تعطي القدرة على التشريع للمناطق أكثر من الدولة النيجيرية الفيدرالية، أي إذا كنت انا مثلا في نيجيريا لدي القدرة على التشريع محليا بشكل ضيق جدا وهذا بسبب التعددية في الطوائف الا انهم استطاعوا النجاح في نيجيريا ونحن ما زلنا على حالنا من خلال تفسيرات واهية ولا معنى لها.
المحور الرابع:
ما مدى تأثير الانتخابات النيابية على الاستحقاق الرئاسي؟ وما هي الخطط في المشروع الرئاسي التي من الممكن ان تتغير؟
فؤاد أبو ناضر: بالتأكيد للانتخابات النيابية تأثير على الانتخابات الرئاسية، وبطبيعة الحال ليس شخص الرئيس هو من قد يغير في الاستحقاق الرئاسي بحيث ان هذا الاستحقاق مرتبط بشكل وثيق بالوضع الإقليمي كما ان حزب الله هو المسيطر في لبنان حتى لو خسر في الانتخابات النيابية أي الأكثرية النيابية في مجلس النواب يبقى لحزب الله القدرة على التعطيل ان لم يكن عبر مجلس النواب فعن طريق مجلس الوزراء، فإذا كان للحزب الثلث زائد واحد يكون لديه القدرة على عرقلة كافة القرارات من دون ان يكون لديه الأكثرية. وقد رأينا ما الذي حدث في مجلس الوزراء من تعطيل للجلسات على مدى أربعة أشهر بسبب قضية المحقق العدلي في تفجير مرفأ بيروت. وباسم الميثاقية يستطيع أي شخص ان يشل البد من خلال التعطيل فإذا الوزراء السنة او المسيحيين انسحبوا من مجلس الوزراء هذا يؤدي الى تعطيل المجلس ولهذا لدينا مشكلة ويجب التركيز عليها، ويضيف أبو ناضر لومي على اتفاق الطائف بحيث تم ترقيع الوضع الهش كما ان الطائف اغفل مشكلة لبنان الأساسية والتي هي الصراع على السلطة بين الطوائف، فكل طائفة تريد ان تحافظ على كيانها ووجودها من خلال ابرام الاتفاقيات مع الخارج لتستقوي به على طائفة أخرى في لبنان، وطالما اننا لم نضع الاصبع على الجرح سوف تبقى المشكلة قائمة وعلينا حل هذه المعضلة لكي يعيش أولادنا بسلام وحرية وامان وكرامة ومساواة مع الشركاء في الوطن وتذليل الخوف من الاخر وليس على قاعدة الطوائف ” لبنان مسموح ان تتلاقى وغير مسموح على ان تندمج” فالحديث عن الدمج جدا مهم لحل هذه المشكلة كما ان تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية.
هل انت مع ما يدعو اليه البطرك الراعي “حياد لبنان”؟
فؤاد أبو ناضر: نعم البطريرك الراعي يقول ما قلناه في 2007، وانا مع ما يقوله البطرك أي ان نحيد لبنان حتى نستطيع رفع سياجه لكيلا يبقى هذا الوطن “حيطوا واطي” وبالتالي يكون ممراً لأي دخلاء.
أولا: نحن 18 طائفة وغير مندمجون مع بعضنا البعض، ولا يمكننا ان نفرض صداقاتنا وعداواتنا على بعضنا البعض وعليه الصراع الداخلي سوف يبقى قائماً.
ثانيا: النظام المناطقي او اللامركزية الإدارية والإنمائية الموسعة، وقد يتساءل البعض لماذا؟ والجواب، اذا كنا نريد إعادة بناء المجتمع في لبنان على قاعدة أساسية وهي التلاقي على المصالح الحياتية والتربوية والثقافية، وفي سنة 1920 بنينا البلد على فكرة خاطئة وكاذبة وهي اننا نحب بعضنا او ما يسمى “زواج الغرام” وهو ما كان فكرةً خاطئةً فنصف اللبنانيين في سنة 1920 لم يكونوا يريدون “لبنان الكبير”، بل كان رغما عنهم، واليوم تحول هذا “الزواج الحبي” او “الغرام الاعمى” الى زواج عقلاني والذي يجب ان يكون مبنيا على تلاقي مصالح الناس والطريقة الأفضل للقيام في هكذا مشروع هي عن طريق اللامركزية الإنمائية والإدارية والمالية الموسعة وخلق إطارات لتنمية وعي الناس وان يكون التكامل ما بين المناطق بتنفيذ مشاريع متنوعة تغني جميع المناطق حتى لا يكون هناك أي اجحاف بحق الناس.
ثالثاً: في لبنان لا يوجد مواطنون لبنانيون بل سني، شيعي، درزي، مسيحي… ونتزوج زواج ماروني ولا يمكن الطلاق الا إذا غيّرنا الى روم! ومع الأسف هذه المسرحية الهزيلة التي نعيش فيها، ولذا انا أقول يجب ان نوحّد قانون الأحوال الشخصية لكي يصبح الجميع تحت سقف مدني.
المحور الخامس:
هل انت متفائل في المرحلة المقبلة؟
فؤاد أبو ناضر: نعم، انا جدا متفائل لأنني في ثورة 17 تشرين 2019 اجلست على الأرض مع الثوار وانا الوحيد الذي املك الخلفية السياسية والعسكرية، الثوار في بادئ الامر لم يتقبلوني، الا انهم مع الوقت بدأوا يفتشون عني لا بل أكثر ويطلبون مني ان اشاركهم بخبراتي وتجاربي التي مررت بها، ولماذا انت هنا ومعنا؟ ومن هنا انا شعرت ان الشباب اللبناني وعى على مشكلة لبنان الأساسية دون ان يخبره بها أحد لا بل أكثر فهم ان هذا الانقسام الطائفي او المذهبي والمناطقي والعُقد التي يعيش بها هي من خلقت هذا الجفاء والبعد عند الناس وهو ذاته من ولّد الفساد، بحيث ان مفهوم “الزعيم” وانا من املك هذا الشخص من خلال التصويت له وتأمين وظيفة الخ… الا ان المفهوم الاصح هو التحرر من هؤلاء الزعماء المغتصبين للحقوق الشخصية للأفراد.
ما رأيك بموازنة 2022 وما تقوم به الحكومة من تمريرات او تعيينات؟
فؤاد أبو ناضر: ليست على قدر من طموحات اللبنانيين، وبالتأكيد يوجد مشاريع يحاولون تمريرها من خلال هكذا موازنة هشة وغير عادلة، على سبيل المثال الأملاك البحرية هذه لوحدها كان بالإمكان ان تدر على لبنان المليارات، اما تنازل لبنان عن الخط 29 فهذه مسألة خطيرة جدا فمنذ زمن بعيد وحتى يومنا هذا الشركة الإنكليزية اقرت ان الخط 29 هو المعترف به اليوم وليس الخط 23 اما وان الخط 29 هو مشروع حرب؟ يقول أبو ناضر لماذا لم يصارحوا اللبنانيين بهذا الموضوع ان كان صحيحاً؟ وعليه فأنا أقول ان التكافل والتضامن بهذه الصفقة فيما يختص بترسيم الحدود متفق عليها من قبل الرؤساء الثلاث أي ميشال عون ونجيب ميقاتي ونبيه بري، ولا بد من سؤال بديهي، من الذي قام بإعلان جهوزية الفريق المسؤول عن مفاوضات ترسيم الحدود؟ بالطبع الرئيس بري هو من أعلن ان المفاوضات ما بين لبنان و”دولة” إسرائيل ولم يقل “العدو” الإسرائيلي! باتت جاهزة ومن هنا يتبين ان الاتفاق حاصل برضى الأطراف الأساسية وما زال الاتفاق ماض حتى اليوم ما بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، كما ان لزوم هذه اللعبة التي يتم تمريرها من خلال الرؤساء الثلاث، وما يحدث اليوم هو بمثابة “تهريبة” وكان الاشرف لو قالوا الأمور كما هي وعدم المراوغة في الخط 29.
المحور السادس:
هل العهد فشل ام نجح برأيك؟
فؤاد أبو ناضر: كل شخص يرى الموضوع من وجهة نظره، وبرأي كنت اعتقد ان وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية سيحدث فرقا بمعنى ان الرئيس عون لم يأت الى رئاسة الجمهورية معزولا بل جاء بقوة فهو كان زعيما لتيار مسيحي كبير ولديه كوادر وفريق سياسي كبير، كما كان يتمتع بشعبية مسيحية، ففي العام 2005، 70% من المسيحيين أعطوا أصواتهم للرئيس عون وعليه فان الرئيس عون اتى بدعم شعبي وكان عنده كتلة نيابية كبيرة ووزراء ومدراء عامين وسلطة، وتوقعت انه سيفعل أكثر من ذلك الا انه لم يفعل.
حتى ولو كان رئيس الجمهورية اسير التوازنات الطائفية، وربما تفاهم مار مخايل قد اضعف رئاسة الجمهورية، وحزب الله حجّم من صلاحيات الرئاسة الأولى وهذا ما اعترف به جبران باسيل باتهام حزب الله في تقويض عمل رئيس الجمهورية ومع هذا كله انا أقول ان الرئيس عون عندما اتى كرئيس جمهورية كان يحمل رصيداً الا ان هذا الرصيد طار الى مهب اهواء ومصالح حزب الله وذهب سدىً في ادراج مآرب الحزب.
شارك في الحوار الزميل نبيل المقدم.