النواب يصوّتون للبقاء في جهنّم

Share to:

اللواء – زيدان الصغير

جهنّم التي بشّرنا بها رئيس الجمهورية السابق الجنرال ميشال عون، نعيشها اليوم بعد ذهابه، لقد كان في حينه جوابا صادما لا يتوقعه الإنسان من رئيس جمهورية من المفترض أن يعد شعبه بالخير العميم وبالنعيم بدلا من جهنم.

ولكن فخامته كان واقعيا في مقاربته لما سوف نصل إليه، فنحن في جهنم، وبدلا من أن يسلّم الرئيس البلد أفضل مما كان، سلّمنا إلى جهنم وبئس المصير.

فمع تدهور الحال المعيشية للمواطنين وهبوط القوة الشرائية للعملة الوطنية وانهيار قيمتها إلى ما يزيد عن 95 بالمائة عن قيمتها الأساسية، مما جعل الحد الأدنى لرواتب الموظفين أقل من عشرين دولارا بعدما كان الحد الأدنى للرواتب يعادل 450 دولارا، ومن كان راتبه مرتفعا إلى عشرة ملايين ليرة أي حوالي سبعة آلاف دولار أصبح أقل من ثلاثمائة دولار أي ما يعادل راتب الخادمة التي كانت تعمل لدى عائلته. فهل هناك أفضل من كلمة جهنم التي قالها فخامة الرئيس السابق لوصف حال اللبنانيين؟

لقد انتظر الجميع بفارغ الصبر نهاية العهد على أمل الخروج من جهنم، علّنا ننتقل إلى وضع أفضل، بعد سيل الوعود بالمساعدات التي سنحصل عليها، خاصة بعد إقرار الإصلاحات التي تطالبنا بها مؤسسات التمويل الدولية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إضافة إلى مجموع الدول المانحة من أوروبية وخليجية، وكلها مربوطة بضرورة قيام حكومة كاملة الصلاحيات والمواصفات وبإقرار الإصلاحات المالية الضرورية، وأضيفت إليها ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وتفاءلنا خيرا بأن ننتخب رئيسا جديدا يكون همّه الإصلاح وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، ولكن الصدمة أتت من المجلس النيابي الذي لم ينتخب رئيسا، بل كانت الورقة البيضاء هي فخامة الرئيس المنتخب.

ويبدو أنّ الاحتكام إلى الورقة البيضاء سيطول، لأن مجلسنا الموقّر والذي تسيطر عليه المنظومة الفاسدة، منقسم على نفسه. وفي جميع الدول الديموقراطية يمكن أن يكون مجلس النواب غير موحّد، ولكنهم يصلون لانتخاب الرئيس بالأكثرية، إلا في لبنان فهم، كما يريد الرئيس نبيه بري، ملزمون بانتخاب الرئيس توافقيا، وهذا ما قاله صراحة بعد أول جلسة لانتخاب الرئيس، وإذا كان التوافق أمرا جيدا، ولكن في لبنان التوافق غير ممكن لآنّ الوفاق غير موجود. فلكل زعيم سياسي مواصفات للرئيس المقبل لا تأتلف مع المواصفات التي يؤمن بها الزعيم الآخر.

وعلى سبيل المقارنة بين المواصفات التي يراها السياديون كما يسمّون أنفسهم والممانعون نجد تباينا هائلا.

فالبطريرك الراعي من الفريق السيادي يرى «إن المرشح لتولي رئاسة الجمهورية يجب أن يكون متمرِّساً سياسيًّا وصاحب خبرة، محترماً وشجاعاً ومتجرِّداً، رجل دولة حياديّاً في نزاهته وملتزماً في وطنيّته. ويكون فوق الاصطفافات والمحاور والأحزاب، ولا يشكّل تحدّياً لأحد، ويكون قادراً على ممارسة دور المرجعيّة الوطنيّة والدستوريّة والأخلاقيّة»، والدكتور سمير جعجع يرى بشكل متقارب للبطريرك ولكنه اكثر تصلبا فهو يرى أن «كل دعوة ترمي إلى أن نتفاهم مع محور الممانعة على الرئيس مرفوضة». وسأل «إذا لم نأتِ برئيس يتحدّى سياسات جبران باسيل وحزب الله فكيف سيتم الإنقاذ؟»، لكنه عاد ليقول «هذا لا ينفي أنه يجب أن يكون الرئيس المقبل قادراً على التواصل مع كل الفئات اللبنانية».

أما السيد حسن نصر الله من الممانعة فهو يرى أن يكون الرئيس «مطمئناً للمقاومة، لا يخاف من الأميركيين ويقدّم المصلحة الوطنية على خوفه، ولا يُباع ولا يُشترى»، مشدداً على «رئيس لا يطعنها في الظهر». واختصرها بعبارة: «رئيس له نفس مواصفات الرئيسين لحود وعون».

وإشادة السيد نصر الله بعهد الرئيس عون ترعب اللبنانيين، وكأنه يتحمّل مسؤولية ما حصل بعهد عون، غير مبال ٍ بالوضع الذي نحن فيه وبالجوع والمرض والعتمة الذي يعيشه اللبنانيون.

أضف إلى ذلك إثارة النعرات الطائفية، والتلويح بالحرب الأهلية إذا كان الرئيس لا يلقى القبول لدى الطرف الآخر، فكل خطاب للبطريرك الراعي يشكو فيه من غياب المسؤولية لدى النواب، أو يدعو إلى مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان، ينبري للرد عليه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان معارضا طروحاته، فأي أمل برئيس إنقاذي للبنانيين.

أما النواب التغييريون فهم غير متفقين على أسم محدد وفي كل جلسة لمجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية لديهم مرشح جديد.
الحرب مستعرّة بين النواب وعلى أكثر من جبهة: (1) معركة النصاب القانوني لانعقاد جلسة انتخاب الرئيس في الدورة الثانية هل هي النصف زائدا واحدا كما أشارت إليه المادة 34 من الدستور أم ما تضمنته المادة 49 من الدستور أي الثلثين؟ (2) هل المجلس هو حاليا هيئة انتخابية طبقا لنص المواد 73 و74 و75 من الدستور وهي المواد التي تتكلم عن الشغور في الرئاسة الأولى أم هيئة تشريعية؟ (3) لماذا انفراط جلسة انتخاب الرئيس بعد الدورة الأولى وتطيير النصاب؟ وكأنها بشكل متعمّد لعدم الوصول إلى الدورة الثانية حتى لا يصار إلى انتخاب رئيس بالأغلبية المطلقة. وحتى الآن لا رئيس جديد للبنان في الأفق والشعب المعذّب هو من يدفع الثمن.

هل أصبح مجلسنا النيابي مثل مجلس الشيوخ البيزنطي يناقش في جنس الملائكة ولا ينتبه للخطر المحيط بلبنان؟ كفانا جدلا بيزنطيا، فلبنان على وشك الزوال كما زالت بيزنطة.

هل يعلم حضرات النواب ان المساعدات التي وعدت بها الدول المانحة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد ربطت جميعها بإقرار القوانين التي تحتاجها الإصلاحات المالية والحوكمة، والأهم انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهذه المساعدات هي أمل إخراج اللبنانيين من الجحيم الذي يعيشون فيه، فإذا استمر المجلس بجلساته المسرحية – الهزلية ودون انتخاب رئيس للجمهورية، فهذا يعني حجب المساعدات وان النواب يقترعون لإبقاء اللبنانيين في جهنّم، ولا ينفع أن يلقي كل فريق اللوم على الفريق الآخر فكلهم سواسية.

Exit mobile version