“كل متوقع آتٍ” و”كل منتظر قادم”، تعبيران يستخدمان عندما يسود واقع فوضوي على صعيد الأوضاع المعيشية والاقتصادية او على مستوى الأوضاع الأمنية او كالذي يحدث في الجسم القضائي. كل هذه الأمور أطاحت قوى اللبنانيين واجهضت أصواتهم التي لم تنخفض يوما بوجه الظلم والجبروت اللذين يقودهما ازلام السلطة التي باتت “سراب” او تستخدم “قبعة الاخفاء” لتبعد نفسها عن مشاكل وهموم المواطن.
اللبنانيون الذين لطالما تشبثوا بالحق ورفع الظلم عنهم او عن غيرهم وأحيانا عن غرباء خارج اسوار الوطن هل استسلموا، وباتوا يتأهبون للأسوأ برحابة صدر! اين الهائجون على الواقع المعتم الذي بات نار جهنم تُصلي جيوبنا وجلودنا كما وصفه رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون، او العمل بنصيحة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي “بدنا نتحمل بعضنا” فهل بات اللبنانيون يتحملون فوق طاقتهم وقدراتهم الجسدية والمعنوية وحتى المادية، ام ان الخنوع وفقدان الامل سيدا الواقع!
عن أي جهنم نتحدث، عن أسعار السوبرماركت والمواد الغذائية ام عن حليب الأطفال حيث ان علبة 200 غ أصبحت بـ 410000 الاف ليرة، ام عن البنزين الذي بات يناطح السحاب وسعر التنكة فوق المليون ليرة، وماذا عن الادوية التي اما مفقودة واما تباع داخل الصيدليات سوقا سوداء. هذه القضايا اشعلت الأسعار لجهة الحاجات الضرورية وأخذت بطوفانها سعر ربطة الخبز، الى جانب ارتفاع تعرفة السرفيس التي على ما يبدو ستُسهم في مصادرة حق المواطن في التنقل او قضاء حاجاته.
“الديار” قامت بإحصاء لمعرفة نسبة استخدام المواطنين السرفيس بعد ان تخطى الدولار الواحد الـ 60 ألف ليرة في كل من المناطق اللبنانية الاتية: الاشرفية، العدلية، بدارو، الطيونة، صيدا القديمة، فرن الشباك، الحمرا، الجميزة، الدورة، برج حمود، الكولا، بشارة الخوري والنتيجة كانت على الشكل الآتي:
70% من المواطنين يتنقلون بين هذه المناطق سيرا على الاقدام اما لقضاء حوائجهم او للذهاب الى اشغالهم، و15% ينتظرون الباص بهدف التوفير، وحوالى 10% يأخذون سرفيس كون لا باص يصل الى المكان الذي يقصدونه.
في سياق متصل، يقول علي الجاروش مسؤول باص رقم 2 الذي يعمل على خط الحمرا-انطلياس لـ “الديار”، ان تعرفة النقل ارتفعت من 20 الى 25 ألفا. ويستكمل قائلاً: “ان باص رقم 15 الذي يعمل على خط الدورة-عين المريسة يتقاضى 30 ألفا، اما باص رقم 5 الذي يتنقل من خط برج حمود-النبعة-ساسين-الحمرا فبعضهم يتقاضى 25 ألف والبعض الاخر 30 ألف عن الراكب الواحد وهذه التعرفة قابلة للرفع بحسب علي”.
الواقع موجع
في الحقيقة ان فوضى تحديد تعرفة السرفيس والباص والتي هي من ضمن مهام وزارة الاشغال انعكست في الشوارع بحيث ان جولة ميدانية على الأرض أظهرت ان عدد سيارات النقل العام لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة وأيضا الشوارع تكاد تخلو من المواطنين الذين لطالما كانوا يصطفون عل قوارع الطريق بانتظار سرفيس اختفوا ومن وجد بات يستخدم قدميه.
ارتفع الدولار “ولعت” الأسعار
يرتفع الدولار، يحلق معه كل شيء بلا استثناء، بدءاً بأسعار المواد الغذائية التي لا تلتزم بسعر، او تأبه لمسؤول او حتى لمراقبي وزارة الاقتصاد! والسؤال كم بلغ عدد السوبرماركت او التجار الذين تم توقيفهم او تسطير محاضر ضبط بحقهم في كل مرة رفعوا فيها أسعار المواد الغذائية! وفي هذا الإطار تقول السيدة غادة لـ “الديار”، “ان احدى السوبرماركت تعمد الى اخذ 20 ألف زيادة على الفاتورة التي تشمل موادا غذائية لم يلحقوا تبديل أسعارها، ومعظمها مواد ليست جديدة وشراؤها على دولار 30 ألفا وتباع اليوم على دولار 57 ألفا ولا وزارة اقتصاد تراقب ولا من يراقبون”، بالإشارة ان الديار تلقت نسخة من فاتورة السيدة والتي تبين الزيادة.
هذا ليس كل شيء حتى الدواء داخل الصيدليات بات سوقا سوداء تقول اليان: “ذهبت لشراء دواء اسمه “بروميتال” واخر “بيبانثين” من احدى الصيدليات في برج حمود فقام الصيدلي بشطب السعر القديم امامي وبيعه لي بحسب سعر صرف الدولار اليومي وعندما سألته عن مدى قانونية هذه الواقعة اجابني الصيدلي هذا سعره اليوم وكنقابة يمكننا بيع الادوية بحسب سعر صرف الدولار اليومي في السوق السوداء”. أيضا “الديار” تلقت صورة عن الدواء حيث يظهر شطب السعر القديم وبيعه بحسب سعر صرف الدولار.
التفرد بالقرار يعد تجاوزا للقانون
يتبين من كل ما تقدم ان الفلتان حاصل في كافة القطاعات الحياتية بما فيها اجرة السرفيس التي ارتفعت من 30 الى 50 و60 و75 وحتى 150 ألفا، هذا التفاوت بالتسعيرة يظهر ان كل تاكسي يتفرد بالتعرفة التي يشعر انها تلبي أهدافه المادية فقط. وهذا ما حدث مع السيد ميشال الذي قال لـ “الديار”: “في اقل من أربع ساعات دفعت في كل سرفيس ركبته تعرفة مختلفة والتفاوت يجعل المرء في حالة من الهستيريا، وهو ما دفعني لعراك مع سائق تاكسي طلب مني 150 ألفا من فرن الشباك وحتى الاشرفية، وعندما اخبرته انني تنقّلت منذ الصباح في أكثر من سرفيس ولم يطلب أحد هذا المبلغ انهال عليّ بالصراخ، حتى بدأ يحملني مسؤولية ارتفاع سعر صفيحة البنزين وثمن قطع تبديل لسيارته في حال خربت! وصولا الى المواد الغذائية فرددت بيني وبين نفسي “فعلا العالم جنت” لأنه ليس في كل يوم يصلح مركبته كذلك الامر بالنسبة للوقود، اليس هذا كذبا واستغلالا للمواطن في ظل غياب من يتابع ويراقب ويحاسب!
“مسؤولية” وزارة الاشغال ضبط القطاع
هذه الأمور حملناها الى رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس الذي قال لـ “الديار”: كل هذه التساؤلات التي طرحتموها محقة وصحيحة، وكل ما تسمعونه عن التلاعب في تعرفة السرفيس حقيقي على ارض الواقع ولكن هذا الامر ليس من دور للنقابات والاتحادات فيه”.
ويتابع، “هي تصدر بقرار من وزير الاشغال والنقل العام بناء على دراسة يتم اعدادها في المديرية العامة للنقل ومكونة من 17 عنصرا منها أسعار المحروقات وثمن قطع الغيار، بالتشاور مع النقابات بعد الانتهاء من تحضيرها لان عناصرها كثيرة وتحتوي على تفاصيل متشعبة”.
ويسأل طليس، “اما لماذا تحصل هذه الفوضى؟
يجيب طليس، “يجب الاستفسار من الدولة وليس النقابات، وإذا قرأتم الأنظمة الداخلية والقوانين الأساسية التي تعود لها فان دورها يتمحور في الدفاع عمّا تمثل”.
النقابة مع السائق والراكب وحدة منتظمة
في هذا الإطار يقول طليس، “بالنسبة لنا نحن نمثل السائقين العموميين والمواطنين لأنهم عبارة عن دورة متكاملة. بحيث ان السائق بلا مواطن لا يمكنه العمل ومواطن وعامل بلا سيارة نقل لا يمكنه التنقل ان كان بالذهاب الى عمله او قضاء حوائجه. ويشير طليس بالقول، “ان انتظام الأمور من مسؤولية الدولة وليس من مسؤولية أحد آخر فهي من لديها سلطة البت بقرارات، ومتابعة القطاعات ورعاية مصالح الشعب وتسيير امورهم وعليها ضبط الأسعار والقطاع وتأمين الحماية للمواطنين كما السائقين”.
الدولة و”نومة اهل الكهف”
يتابع طليس، “للأسف ان غياب الدولة والحكومة والرقابة الى جانب الأجهزة المعنية أدى الى الفوضى الحاصلة اليوم، فالسائقين العموميين أصحاب السيارات النظامية التابعة شرعيا للنقابات على جميع الأراضي اللبنانية حكما ينضوون تحت مسؤوليتها وسقفها عملها هو رعاية مصالح هؤلاء وتنظيمه فقط”.
ويسأل، “عن أي تنظيم نتحدث وعلى أي أساس؟ فالفوضى قائمة على مستوى الدولة، فماذا يمكننا ان نخبر السائقين، هل نقول لهم عودوا الى التسعيرة القديمة! في الحقيقة هذا الواقع خارج عن السيطرة”.
يد واحدة لا تصفق
يخلص طليس مدافعا عن وزير الاشغال العامة بقوله، “يد واحدة لا يمكن ان تصفق وكنت تطرقت لهذا الامر معه أكثر من مرة، فكل الوزارات المعنية في هذا القطاع يجب ان تعمل على إيجاد الحلول ولأفترض نفسي يقول طليس انني انا وزير الاشغال فأي تعرفة سأعتمد وعلى أي سعر صرف راتب بالنسبة للسائق والمالك او المستأجر”.
العودة الى التطبيقات
لتفادي الشباك اللفظي مع أصحاب التاكسي، ولكيلا يحرج المواطن نفسه ويصل الى المكان الذي يقصده وهو متوتر وغير راض عن التسعيرة التي يطلبها السائق، اجرت “الديار” إحصاء شمل 100 شخص من بينهم موظفين، وطلاب جامعات قالوا: “انهم سيعمدون الى طلب التاكسي عن طريق التطبيقات الالكترونية كونها تعمد الى تحديد الأجرة المسبقة بحسب الكيلومترات وبحسب المكان وفي هذا الإطار تقول رنا، “نحن مثل أصحاب التاكسي لا نقطف أموالا عن الشجر، والازمة علينا مثلما عليهم تماما فلا اعرف كم مرة يجب اخجل انا واتجادل مع السائق على تسعيرة غير منطقية كونها مرتفعة”.
في الخلاصة، انتعاش سوق سيارات الأجرة عبر تطبيقات التوصيل الالكترونية قد يطيح الكثير من السيارات الشرعية التي تعمل في هذا القطاع واحد الأسباب هو شجع بعض السائقين ورب ضارة نافعة!