هل يقبل مَن هم في الحكومة إفقار الشعب واستمرار الانهيار؟
تكشف موازنة العام 2024، التي رفعتها وزارة المال الى مجلس الوزراء، لمناقشتها وارسالها الى مجلس النواب، مدى الانهيار الذي وصل اليه لبنان، والافلاس الذي اصاب خزينة الدولة، التي تهاوت مؤسساتها المعطلة والمضربة عن العمل، ومن ابرزها القضاء، الذي يُسأل عنه اذا كان بخير ليطمئن المواطنون انه يوجد امل في النهوض من الكبوة التي هم فيها، اذ ان القضاء في لبنان، ليس مستقلاً كما هو مفروض، بل تلعب فيه السياسة وتؤثر فيه المحاصصة الطائفية، وهذه اشارات سلبية على ان لبنان وصل الى ما هو عليه، لأن القضاء لم يقم بواجباته كاملاً، بل عرقلته السياسة التي منعت محاكمة الفاسدين ومعاقبة المرتكبين، واستعادة الاموال المنهوبة، سواء من زعماء سياسيين، ام اصحاب مصارف، ام موظفين وسماسرة الخ…
فحكومة تصريف الاعمال قدمت موازنة لم تلتزم فيها الاصلاح المطلوب منها، لا بل ادخلت الرشوة والفساد الى المؤسسات تحت عنوان “الخدمة السريعة”، فيدفع المواطن الرسوم والضرائب المحددة قانوناً، يضاف اليها الخدمة السريعة اذا كان يطلب لمعاملته ان تنجز خارج الروتين الاداري، الذي هو عادة يقوم به موظفون من اجل دفع المواطنين الى الرشوة عبر معقبي معاملات، وهذه بدعة غير موجودة في الدول المتطورة، التي لجأت الى حكومات الكترونية لتسهيل اعمال المواطنين، وتقوم بها شركات ومؤسسات في لبنان، من خلال “الاونلاين”، حيث ينجز المواطن طلباته عبر تقنيات حديثة خففت من الاعباء عليه.
ففي لبنان، تتراجع مؤسسات الدولة بالرغم من ان بعضها ادخل المكننة لانجاز المعاملات عن بُعد، وهذا عمل ايجابي ويواكب التطور التكنولوجي، فقد انجز الامن العام منذ سنوات، وغيره من مؤسسات، الدخول الى العصر الالكتروني، وقامت وزارة الداخلية مؤخراً بعمل متقدم، إذ ينجز المواطن اخراج القيد الكترونياً، بعد ان انعدم وجود الاوراق الخاصة.
ولقد عكست موازنة 2024، تفكير المسؤولين في لبنان في هذه المرحلة التي يمر بها في ازمة مالية، حيث لم يكن امام وزارة المال الا ان تذهب الى فرض الرسوم والضرائب، كطريقة سهلة لتمويل الخزينة وتأمين نفقات الدولة، التي ما زال المتحكمون بمفاصلها، والمتعاقبون على السلطة فيها، لا يبحثون عن التمويل الا من الفقراء ومتوسطي الدخل، لا سيما في ظل هذه الازمة المالية الخطرة التي تعصف باللبنانيين، كما يقول مسؤول مالي سابق عمل في القطاع العام، حيث تعمل الحكومة على مزيد من افقار المواطنين، حيث الرسوم تضاعفت عشرات المرات على سلع وخدمات كما ورد في الموازنة للعام المقبل، واجراءات اتخذت هذا العام حول زيادات على الكهرباء والمياه و”الانترنت”.
فلم تترك وزارة المال باباً الا وفتحته لتفرض الرسوم والضرائب، وفي غالبتيها تشمل محدودي الدخل، من اجل تمويل موظفي القطاع العام، الذي لم تلجأ حكومة تصريف الاعمال الى اصلاحه، لا قبل الازمة ولا بعدها، حيث كان يستنزف الخزينة، اذ كان يوازي نحو 6 مليار دولار، وهو رقم عال جدا، بسبب تضخم عدد الموظفين الذي وصل الى نحو 325 الف موظف بين القطاعين المدني والعسكري، وكان المطلوب من الحكومات اخراج فائض الموظفين من الادارات والمصالح، لكن لم يحصل ذلك، اذ تمت مخالفة القانون 47 للعام 2017 بوقف التوظيف، فتسلل نحو ما بين 5 و7 الاف موظف، وما زالوا يقبضون وفق ما يكشف هذا المسؤول.
واشار الى ان المادة 21 من الفصل الثالث في الموازنة المقدمة استحدثت الخدمة السريعة، التي توزع 50% منها على موظفي الادارات العامة، او المدعية التي قامت بالخدمة، و5% لموظفي الهيئات الرقابية، و15% لموظفي الادارة التي تقدم الخدمة، و15% لصندوق التعاضد لموظفي الادارات العامة، و 20% للخزينة العامة، وهذا يشرعن الرشوة، ويعمم الفساد، وتتعطل خدمات المواطنين ليذهبوا الى الخدمة السريعة، وهذا امر يضرب عمل المؤسسات ويعطل هيئات الرقابة، ويمنع المحاسبة.
فهل تسمح القوى السياسية الممثلة بالحكومة بذلك، لا سيما ان وزير المال يوسف خليل، سمته حركة “امل” والتي تتولى وزارة المال منذ سنوات، وان حليفها حزب الله رفع شعار رفض فرض رسوم وضرائب، وهذا ينتظره المواطنون الذين انخفضت مداخيلهم، وان الحكومة امامها موارد مالية يمكن اللجوء اليها، كالضريبة التصاعدية واستيفاء الضرائب من المتهربين عن دفعها، لا سيما في الجمارك، وعدم تسهيل التهرب الضريبي كما التهريب عبر الحدود، اضافة الى ان الاستيراد بلغ نحو 17 مليار دولار، في وقت تراجعت القدرة الشرائية لدى المواطنين، فلمن ذهبت هذه المبالغ؟
والسؤال يُطرح ايضا على مَن تحركوا في الشارع او تم تحريكهم في 17 تشرين الاول، لرفض زيادة رسم على “الواتساب”، فخرج الآلاف الى الساحات، فاين هم من موازنة الافقار؟ وهل النواب الذين سموا انفسهم بـ “التغييريين” وقد اصابوا اللبنانيين بالخيبة، اذ لم يظهر منهم اي تغييير وليسوا مؤثرين، لانهم مشتتون، وبعضهم التحق بمنظومة الفساد، وباتوا في تحالف مع مَن تولوا السلطة منذ عقود.
فهل تمر الموازنة التي اقترحها وزير “المحرومين”، وهي تحرم الفقير ومتوسط الحال من الحياة الكريمة؟