أكّد صندوق النقد الدولي حاجة لبنان إلى إصلاحات ضرورية جداً في مجمل الحلقة الاقتصادية.
واعلن نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، انّ «بعثة كاملة من الصندوق ستقوم بزيارة لبنان في النصف الثاني من آذار، لمواصلة المناقشات الرامية للوصول الى اتفاق على برنامج مع الصندوق. ولخّص نتائج الزيارة الاخيرة لوفد الصندوق الى بيروت بقوله، انّ فريق صندوق النقد الدولي والفريق اللبناني المفاوض اتفقا على ضرورة إجراء إصلاحات في الاقتصاد الكلي تشمل إصلاح المالية العامة في المدى المتوسط، وإصلاح القطاع المالي، وتوحيد سعر الصرف، فضلاً عن الإصلاحات الهيكلية، بما في ذلك الإصلاحات المتعلقة بتخفيف حدّة الفقر، والحوكمة، والكهرباء. وشدّد فريق صندوق النقد الدولي على الحاجة إلى بعض التشريعات المطلوبة قبل رفع البرنامج إلى مجلس إدارة الصندوق للموافقة النهائية عليه. واتفق الطرفان أيضاً على أنّ أي تأخير في إجراء الإصلاحات والتشريعات اللازمة سيؤدي إلى رفع كلفة التصحيح الاقتصادي في المستقبل».
الى ذلك، قال خبير اقتصادي لـ»الجمهورية»: «ما بلغه الوضع في لبنان يوجب على الجانب اللبناني ان يضبط ساعته على ساعة صندوق النقد الدولي والاستجابة لنصائحه الدائمة بإجراءات جدّية ومعالجات إصلاحية في شتى المجالات».
ورأى انّه «كان على السلطة ان تبادر الى إعلان خطة طوارئ اقتصادية منذ بداية الأزمة، تقوم على توصيف دقيق للأزمة القائمة وتتضمن آليات معالجتها، ولكانت بذلك وفّرت على البلد هذا التفاقم الكارثي الذي تمادى وتوسع الى حدود خطيرة. اما وقد لجأ لبنان الى صندوق النقد، فإنّ وضعه الصعب لا يحتمل اي تأخير في بلوغ اتفاق معه، وخصوصاً انّ التطورات الدولية بدأت تفرض نفسها، وقد تفرز أولويات لها الأفضلية بمسافات كبيرة عن لبنان».
ولفت الخبير الى انّ الجانب اللبناني، مع الأسف، أهدر سنتين من عمر لبنان، حيث انّه سلك منذ اليوم الاول للجلوس مع صندوق النقد الدولي في 20 آذار من العام 2020 في حكومة حسان دياب، مسار تضييع الوقت والإصرار من قِبل بعض السياسيين على قطع كل الطرق المؤدية الى الإصلاح وإنقاذ الوضع الاقتصادي المنهار، ولم يقدّم لصندوق النقد أي اقتراحات واقعية حول فجوة الخسائر وكيفية ردمها، علماً انّ هذه الخسائر قد تمّ تقديرها أخيراً بـ 69 مليار دولار(النسبة الاكبر فيها هي اموال المودعين). كما لم يلمس الصندوق ولو خطوة اصلاحية واحدة ملموسة».
واللافت في ما يقوله الخبير الاقتصادي، هو انّ خطة التعافي الحكومية ليست واضحة حتى الآن، فيما كل المؤشرات التي يعكسها الجانب الرسمي المعني بهذا الامر، هو انّ العلاجات المطروحة ترتكز على أساس وحيد، هو سدّ الفجوة بأموال المودعين، فيما انّ المطلوب خطة اقتصادية صلبة، يتوازى معها إصلاح مالي وضريبي وإعادة هيكلة المصارف وتقليصها الى أدنى عدد ممكن من المصارف العاملة، ويتوازى ايضاً مع تقشف شامل، واتخاذ إجراءات بسدّ كل ابواب وإنفاق الهدر، بالتوازي مع خطة طوارئ لكبح الفساد المستشري في كل وزارات وادارات ومؤسسات ومرافق الدولة. وهذا بالتأكيد ما يطلبه صندوق النقد الدولي.
وعلى الرغم من الإعلان عن عودة فريق صندوق النقد الى بيروت منتصف الشهر الجاري، فإنّ الخبير الاقتصادي يقول انّه إن لم يدخل لبنان في مفاوضات سريعة مع الصندوق تؤدي الى الاتفاق على برنامج تعاون معه في هذه الفترة، فلن يكون هناك اتفاق اقلّه في المدى المنظور.
ويوضح الخبير، انّ عامل الوقت سلاح قاتل في هذه الفترة، ذلك انّ لبنان مستغرق في استحقاق الانتخابات النيابية التي ستحصل بعد نحو شهرين. والحكومة الحالية التي تعدّ للتفاوض مع صندوق النقد، تنتهي ولايتها وتدخل في حال تصريف اعمال مع ولاية المجلس النيابي الجديد قبل نهاية ايار المقبل، اي انّ المتبقّي من عمرها وقدرتها على اتخاذ القرارات أقل من ثلاثة اشهر. ما يعني انّ هذا الملف سيكون في عهدة الحكومة الجديدة التي ستتشكّل بعد الانتخابات، التي إن أخذت بخطة الحكومة وتبنّتها، يمكن لها إن أقنعت صندوق النقد، ان تصل الى برنامج تعاون خلال ولايتها القصيرة التي تنتهي حكماً مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية في تشرين الاول. الّا إذا كانت لها رؤية مختلفة حيال خطة التعافي، ما يضع الخطة أمام حتمية تعديلها. وهذا معناه اضاعة المزيد من الوقت على لبنان.
ويخلص الخبير الاقتصادي الى القول، إنّ تأخير بلوغ اتفاق مع صندوق النقد وتلقّي لبنان مساعدات سريعة، ثلاثة او اربعة مليارات دولار، من شأنه أن يفاقم الازمة، ويذيب ما تبقّى من احتياطي بالعملات الاجنبية في مصرف لبنان.