عندما ثار “غضب الأهالي” على إيرلندا في البلدة الجنوبية نسي متعهد الغضب أن إيرلندا عضو في مجلس الأمن الدولي، وأن التقرير الذي سيقدمه انطونيو غوتيريش الى المجلس عن عمل القوات الدولية وسير تنفيذ القرار 1701 سيلقى عناية خاصة من حكومة دبلن، بسبب تصدي “أهالي” شقرا لها وغضبهم المكبوت من إشقرار جنودها.
لم يبلغ غضب جماهير القرية اللبنانية الجنوبية مستوى إعلان حرب التحرير الشعبية لطرد قوات مجلس الأمن من زواريب دساكر جبل عامل، وكان تكراراً لمشاهد مماثلة بين الفينة والأخرى طلباً لمقايضة أو توجيهاً لرسالة. المرة الوحيدة ربما التي جرى فيها دفع “غضب الأهالي” الى “كفاح مسلح”، كانت لدى تفجير دورية اسبانية عام 2007، لسبب داخت الأمم المتحدة في تفسيره ولا تزال.
في المسار هذا لم يصل مطلب الأهالي الى حد القول بـ”قبع” القوات الدولية. تم الإكتفاء بتربيتها على السلوك المحترم والهندام الحسن. أما في الغضب الآخر ضد لبنانيين آخرين فلا تقف الأمور عند هذا الحد. ينصبّ الغضب على الحكومة فتُمنع من الإجتماع، وينصب الغضب على القضاء فيصبح “قبعه” شرطاً للحياة السعيدة، ومن لا يوافق على هذه الرواية فليرحل.
هذه النغمة بالذات يبدو أنها من لوازم العمل السياسي في محور الممانعة الصامد. أحد نواب السلطة في ايران اعتبر وضع النظارات وسماع الموسيقى خروجاً على النظام وطالب مرتكبي الآفتين بالخروج من البلد. الرئيس السوري قال كلاماً مماثلاً عن ملايين الهاربين من “حضن الوطن” معتبراً ان الوطن أفضل من دونهم، وفي الخط الاستراتيجي نفسه خطب المسؤول الثاني في “حزب الله” قبل أن تزيد إيضاحاته الأمر وضوحاً.
هو نهج متكامل ومتماسك يجري فرضه في البلد والمنطقة، مع أصحابه يمكن أن يجرى تفاوض لا حوار. فالحوار لا يتطلب جبهات وخنادق. أما التفاوض فيحيلُ فوراً الى خنادق متقابلة. وفي حالتنا لا حوار ولا خنادق بل “سارحة والرب راعيها”.