يوماً بعد يوم، يتضح أن الأزمة اللبنانية تعصى على الحلول. لا الخارج يمتلك رغبة أو قدرة على الدخول بقوة عملانية لفرض الحلّ، ولا الداخل قادر على نسج قواسم مشتركة يمكن أن يبنى عليها، لتجاوز ما هو أسوأ أو أخطر. خصوصاً أن لبنان في كليته يعيش تحللاً جذرياً. يضرب التحلل كل المؤسسات. وبعدما كان مقتصراً على قطاعات كبرى كقطاع المصارف، التعليم، الصحة، بالإضافة إلى الإغلاق الشامل المفروض على الإدارات الرسمية.. فقد تمدد هذا التحلل ليطال جوانب أهلية، مثل الأحداث الأمنية المتنقلة التي تحصل بين منطقة وأخرى. وهي قد لا تكون نابعة عن أهداف وغايات سياسية أو أسباب إرهابية، إنما هي نتيجة لتحلل كل ما له علاقة بالدولة.
حاكمية المصرف
ينعكس هذا التحلل في الانقسامات الكبرى التي تعيشها “الجماعات” اللبنانية المختلفة، من أحداث القرنة السوداء، إلى أحداث الجنوب، مروراً بحوادث أمنية متنقلة. هذا كله يسهم في تعميق الشرخ السياسي أو الطائفي أو المذهبي، لا سيما على أعتاب اقتراب البلاد من لحظة الفراغ في منصب حاكمية مصرف لبنان بحلول موعد 31 تموز، وانتهاء ولاية رياض سلامة. وسط سجالات فتحت حول إمكانية التمديد له، أو تعيين البديل، أو تسلم مهامه من قبل النائب الأول للحاكم، علماً أنه مع أقرانه أعلنوا عن رفضهم لهذا الواقع، وطالبوا الحكومة بضرورة تعيين البديل.
أي صيغة تسوية سيتم الوصول إليها لا بد لها أن تزيد من الشرخ. فحسب المعلومات، يرفض حزب الله قطعياً أي تعيين لحاكم مصرف لبنان بدلاً من رياض سلامة. وهنا لا بد من استبعاد هذا الخيار الذي لو حصل لزاد من نسبة الشرخ الإسلامي المسيحي في البلاد. فيما هناك خيار آخر يتم التلويح به، وهو التمديد لسلامة. الأمر الذي سيستفز القوى المختلفة، ولا سيما القوى المسيحية. فيما يتم العمل على صيغة لإعادة إقناع نائب الحاكم الأول بتسلم صلاحياته.
قيادة الجيش
ما يسري على الحاكمية، ينطبق على قيادة الجيش لاحقاً، في ظل المحاولات المستمرة لتعطيل عملية تعيين أعضاء المجلس العسكري، ومن بينهم رئيس للأركان، الذي يفترض به أن يتولى مهام قائد الجيش لدى مغادرته البلاد، أو بعد تقاعده طالما أن المؤشرات تفيد بأن الفراغ الرئاسي مستمر إلى السنة الجديدة.
في المقابل، ثمة من يعتبر أن أسباب رفض تعيين أعضاء المجلس العسكري، يعود إلى ترك الفراغ يتمدد في كل القطاعات، وكي لا يكون هناك رئيس للأركان قادر على تولي المهام، فيتولى مهام قيادة الجيش الضابط الأعلى رتبة. هذا ينذر أيضاً بالمزيد من التحلل في آخر المؤسسات التي لا تزال متماسكة وتحافظ على نفسها ودورها، فيما لا تزال المحاولات مستمرة للوصول إلى اتفاق على التعيينات العسكرية.
.. وقيادة الأمن الداخلي
وليس بعيداً عن الجيش، تبرز الخلافات المتجددة في قوى الأمن الداخلي، وما تتخذه من طبائع فيها الكثير من إدانة النفس والذات، لا سيما في ظل الصراعات التي تأخذ طابعاً شخصيأ، سواء بين المدير العام أو رئيس شعبة المعلومات أو وزير الداخلية، وكلها صراعات يتم تغليفها بالموجبات المؤسساتية ومقتضياتها، فيما خلفياتها التسويق والبروباغندا، مع كل ما تقتضيه من تسريبات وتسريبات مضادة، على خلفية التشكيلات الأخيرة التي أقرت والاتهامات التي يتم تبادلها حول الطموحات في الترقي من الوزارة إلى رئاسة الحكومة، أو في مواقع تراتبية متعددة داخل المؤسسة.
هنا تنطبق مقولة “الفراغ باق ويتمدد”، على كل ما له علاقة بالمواقع الأساسية في الدولة، وسط غياب أي معطيات تفيد بإمكانية الوصول إلى صيغة حلّ، على الرغم من انتظار زيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، التي قد تجري بين 17 تموز و23 منه. علماً أن لا معطيات على ما يحمله لودريان معه. فيما تشير المعلومات إلى أنه سيركز في تحركه على دعوة اللبنانيين إلى الحوار بين بعضهم البعض داخل لبنان.
ويفترض أن يزور لودريان السعودية وقطر قبل مجيئه إلى لبنان، للبحث معهما بالملف وما يمكن القيام به. فيما داخلياً، يتم العمل على تحضير جبهة سياسية رافضة لمبدأ الحوار، وتسعى إلى تعطيله، على قاعدة أن المجال الآن هو لانتخاب رئيس فقط، لا الذهاب إلى حوار قد يطرح فيه مصير النظام والصيغة والدستور.