استعرت معركة المشتقات النفطية مجدداً. ففيما تتهم الوزارة التجّار بمحاولة الإثراء على حساب المستهلكين عبر المطالبة بتسعير يومي للمازوت والبنزين، يردّ هؤلاء بأنهم يسجّلون خسائر كبيرة بسبب التذبذبات السريعة والحادّة في الأسعار العالمية. وبين هذه وهؤلاء، تنصبّ المخاطر على المستهلك: إما ارتفاع الأسعار وإما انقطاع السلعة. فالمؤكد أن مسار الأسعار في الأيام المقبلة سيكون تصاعدياً مع تأثيرات مقلقة نظراً إلى انعكاساتها الهائلة على أكلاف الإنتاج، سواء لانتقال الأفراد أو لتوليد الطاقة عبر المولدات. فهل تكون الزيادة يومية كما يريدها المستوردون، أم ضمن مدى زمني أبعد لحماية المستهلكين؟
وكتبت الأخبار: الإجابة تبدأ بالمخزون، وهو محور سجال بين الوزارة والشركات أيضاً. إذ يؤكّد وزير الطاقة وليد فياض أن مخزون المشتقات النفطية يصل إلى 10 أيام للبنزين ونحو 5 أيام للمازوت، في مقابل تأكيد الشركات أن مخزون المادتين لا يكفي سوى لأيام محدودة. إذ إن الكمية التي كانت متوافرة في خزّانات الشركات صباح أمس بلغت 60 مليون ليتر من البنزين، و40 مليون ليتر من المازوت، أي 6 أيام للبنزين و4 أيام للمازوت. ورغم عدم وجود فارق كبير في التقديرات، إلا أن يوماً أو اثنين في ظل الظروف القائمة في لبنان قد تعيد تسعير عمليات التخزين والبيع في السوق السوداء خلال ساعات، وخصوصاً أن الشركات يمكن أن تتوقف عن البيع بذريعة حماية مخزونها من الخسارة.
ولكن، هل تخسر الشركات فعلاً؟ لا أحد يملك جواباً واضحاً، سوى أن هناك انطباعاً بأن الخسارة ليست أمراً يدخل في حسابات الشركات التي يفترض أن تصرّح عن نتائجها المالية السنوية خلال السنوات العشر الأخيرة. هل هناك شركة خسرت في لبنان، أم أن أرباحها كانت دائماً مضمونة بما فيها في فترة الدعم؟ على أي حال، فإن احتمالات الربح والخسارة في ظل التذبذبات الحادّة والسريعة ليست مضمونة في الاتجاهين، بحسب رأي وزير الطاقة. لذا يستمهل فياض في الاستجابة لمطلب الشركات بالتسعير اليومي. فكما هو معروف، يرفع التسعير اليومي قيمة المخزون، ويحقّق للشركات أرباحاً طائلة من جيوب المستهلكين.
في المقابل، يقول رئيس تجمع الشركات المستوردة للمشتقات النفطية مارون شماس إن المخزون ضئيل جداً، وسعره محتسب على أساس متوسط الأسابيع الأربعة السابقة حين كانت الأسعار أقلّ بكثير، وبالتالي فإن التسعير اليومي يغطّي الفروقات في الأسعار بين المخزون القديم والكميات الجديدة المستوردة «لأنه في الحالة الراهنة، يصبح المخزون مبيعاً بالأسعار القديمة، بينما اشتريناه بأسعار أعلى».
غير أن كلام شمّاس يدحضه تجّار آخرون (رفضوا الإفصاح عن أسمائهم)، لفتوا إلى أن استيراد المشتقات النفطية يتم حالياً في السوق بأسعار أقلّ من أسعار البلاتس، وأن ادعاءات المستوردين بأن التسعير يتم بناءً على معادلة تسعير فيها ما بين 5 أيام و10 أيام قبل التحميل وما بين 5 أيام و10 أيام بعد التحميل بيوم، فيها الكثير من المواربة «إذ إن كل المسألة تتعلق بأن الأرباح تكون قليلة في البداية، وكلما جرى رفع التسعيرة انسجاماً مع ارتفاع الأسعار العالمية ترتفع الأرباح. فالتنافس في السوق يتعلق بمن يستفيد من المخزون: المستوردون أم التجار الوسطاء الذي يعمدون إلى شراء كميات كبيرة من المستوردين ويخزنونها مقابل بيعها لاحقاً بالتسعيرة الجديدة؟ وبالتالي، فإن التنافس يتمحور حول من يستفيد من أرباح الأسعار الجديدة».
رغم ذلك، ثمة شكوك بأن تذبذبات سريعة وحادة كالتي حصلت قبل يومين مثلاً حين ارتفعت أسعار المازوت بشكل كبير ثم انخفضت بعد ساعتين بقيم كبيرة تصل إلى 100 دولار للطن الواحد، ستكبّد من اشترى على التسعيرة المرتفعة خسائر هائلة مقارنة مع التسعيرة التي لا تأخذ هذه التقلبات في الأسعار.
على أي حال، لماذا يترتّب على المستهلك أن يتحمّل مخاطر التجارة التي ارتضى بها التجّار لأنفسهم؟ ألا تترتّب على أي تجارة في العالم مخاطر الربح والخسارة، وبالتالي عليهم أن يتكيّفوا مع احتمال ارتفاع المخاطر كما يتكيّفون مع احتمال انخفاضها؟ الإجابة الآتية من مستوردي المشتقات النفطية تشير إلى أن مسألة المخاطر صحيحة، إنما عندما تكون تذبذبات الأسعار بهذه الوتيرة يفضّل التجار التوقف عن الاستيراد، ما يعني نفاد المخزون سريعاً بكل ما يعني ذلك من انعكاس سلبي على الأفراد والأسر والمؤسسات أيضاً.