مَن يستمع الى مواقف المسؤولين عن تردّي الاوضاع المعيشية والاقتصادية والمالية، والى ما هنالك من كوارث لا يستطيع احد حصرها، والى الاتهامات المتبادلة التي يلقونها على بعضهم في ما يخص عدم تحمّل المسؤوليات، وسط دعوات الجميع الى ضرورة إنتخاب رئيس في اسرع وقت ممكن، يعتقد لأول وهلة بأنه يستمع الى مسؤولين لا علاقة لهم بلبنان، فكيف يمكن لهؤلاء ان يطلقوا هذا الكلام ؟ وكأنهم يستخفون بالشعب الذي لم يعد ينتظر منهم اي حل، وسط كل الملفات والاستحقاقات الهامة العالقة ضمن نكاياتهم السياسية، التي باتت مكشوفة امام المجتمع الدولي، الذي طالب هؤلاء بالعمل من اجل وطنهم كي تستطيع تلك الدول مساعدتهم .
وقد قالها كبار المسؤولين الغربيين والعرب، من دون ان يرف جفن المسؤولين اللبنانيين، غير آبهين بكل ما جرى ويجري في البلد، الذي تهاوت مؤسساته وقطاعاته ووزاراته، فلا دواء ولا طبابة ولا مستشفيات ولا مدارس رسمية ولا ادارات، بل سلسلة إعتصامات تعني الانهيار الشامل، الذي يعيش آخر مراحله قبل ان يلفظ انفاسه الاخيرة، من دون ان يبالي احد، الامر الذي يطرح تساؤلات حول سبب سكوت الشعب لهذا اليوم، وهو الذي أشعل إنتفاضة في 17 تشرين 2019 رفضاً لإرتفاع بسيط في خدمات الهاتف الخلوي، فيما اليوم ومع سعر صرف الدولار الذي تخطى لأول مرة الخمسين الف ليرة، لم يحرّك ساكناً؟.
وعلى الرغم من تصريحات الخبراء الاقتصاديين بأنّ الدولار يتجه نحو رقم غير مسبوق اي إنهيار مخيف للعملة الوطنية، من دون ان يستطيع احد لجم سعره في السوق الموازية، حتى ولو قام مصرف لبنان بإصدار تعاميم تريح السوق، فإنّ الحل لن يدوم كثيراً بل لأيام معدودة فقط، ليعود بعدها الدولار الى المسار التصاعدي، مع ما يتبع ذلك من تداعيات مخيفة في أسعار كل المواد الاستهلاكية في مختلف القطاعات، خصوصاً تلك التي لا يستطيع المواطنون الاستغناء عنها اي المواد العذائية، التي باتت أسعارها مخيفة بسبب جشع التجار، الذين يبيعون وفق سعر صرف يتجاوز الخمسة والخمسين الفاً، على الرغم من تخزين الاف السلع والمواد في مستودعاتهم منذ سنوات، وهذا يعني تحقيقهم ارباحاً خيالية، فيما الشعب وحده يدفع الثمن، والحكام كالعادة في سباتهم العميق.
الى ذلك ووسط كل هذه الصور السلبية، يُردّد العديد من السياسيين في مجالسهم الخاصة « بأن لا رئيس للجمهورية في لبنان حتى إشعار آخر ولربما لسنوات، وبأنّ الجلسات التي تعقد كل خميس ستبقى ضمن مكانك راوح»، ولذلك قام بعض النواب «التغييريين» يوم امس بالإعتصام داخل المجلس الى حين إنتخاب رئيس، لكنهم لم يلاقوا التجاوب المطلوب من قبل اكثرية زملائهم ، مع الاشارة الى انّ تصريحاتهم دقت ناقوس الخطر وحذرت من الاسوأ، لانّ ما يحدث فاق كل التوقعات، من ناحية لا مبالاة بعض النواب الذين يتلهون بالقشور، ويتناسون واجباتهم والوكالات التي أعطاهم اياها الشعب، لانّ بعضهم لم يحترم اهمية ذلك، الامر الذي جعلهم بعيدين عن التفويض السياسي الذي نالوه من الناخبين.
في السياق، حذرت أوساط شعبية من مختلف المناطق والطوائف، من ثورة حقيقية تقترب ومن إحتقان في الشارع، لم يعد احد قادراً على تحملّه بسبب الجوع والعوز وطلب المساعدات، وهذا يعني انّ الانفجار الشعبي إقترب كثيراً وبات على الابواب، ولا احد يستطيع لجمه، لانّ الجوع كافر ومعظم اللبنانيين يشعرون بمرارة هذا الجوع وبالإذلال على ابواب المستشفيات والصيدليات التي تغيّر سعر الدواء امام المريض الذي يستجدي صحته، والخوف الاكبر من ثورة الجياع لانها محقة، لذا سنشهد ثورة جديدة ومغايرة .