تستمرّ وزارة الطاقة في طِلاء قطاع الكهرباء بـ»معجون» معالجة الهريان. مستحضرات تقليدية وأخرى مبتكرة، لا تنفكّ تتساقط مُظهرة في كلّ مرة إزدياد تفسّخاتها، وتعميق حفر هدر الأموال، وتوسّع شقوق المخالفات الإدارية وانعدام الثقة على عدة مستويات.
قبل يومين من الجلسة المزمع عقدها لحكومة تصريف الأعمال في 18 الجاري، أرسل وزير الطاقة والمياه وليد فيّاض الإثنين الواقع فيه 16/1/2023 كتابين إلى مجلس الوزراء يتعلقان بتمويل خطة الطوارئ الوطنية لقطاع الكهرباء، واتفاق بيع زيت الوقود بين العراق ولبنان. واستتبعهما بمؤتمر صحافي لإظهار حرصه، على تأمين حقوق المواطنين وأمنهم الطاقوي والحفاظ على المالية العامة.
الأمانة العامة تردّ الكتابين
في الشكل ردّت الأمانة العامة لمجلس الوزراء مشاريع المراسيم «الجوّالة» التي أرسلها الوزير فيّاض لورودها بعد توزيع جدول أعمال الجلسة المقرر عقدها في الساعة العاشرة صباحاً من نهار غد الأربعاء في 18/1/2023. أما في المضمون، فقد طلبت الأمانة العامة لمجلس الوزراء من وزير الطاقة إعادة صياغة مشاريع المراسيم المتعلقة بـ»تمويل خطة الطوارئ الوطنية لقطاع الكهرباء»، وفقاً لتعميم رئيس مجلس الوزراء رقم 36 تاريخ 5/12/2022. كما طلبت في ما يتعلق بـ»اتفاق بيع زيت الوقود بين حكومة جمهورية العراق وحكومة الجمهورية اللبنانية، التالي:
- بيان قيمة الإعتمادات المستندية الواجب فتحها تنفيذاً للإتفاق الأساسي، كما والإتفاق المجدّد.
- التقدّم بطلب واضح بالموافقة على تجديد عقد الإتفاق وعلى تفويض الوزير أو من يكلّفه بالتوقيع. وذلك على سبيل التسوية بعد أن تمّ التوقيع دون تفويض ودون موافقة مسبقة وفقاً للأصول.
- تزويد مجلس الوزراء بمشروع القانون الرامي إلى تجديد اتفاق بيع مادة زيت الوقود بين حكومة جمهورية العراق وحكومة الجمهورية اللبنانية.
- إعادة صياغة مشروعي المرسومين المرفقين بكتاب وزير الطاقة، أولاً: إبرام إتفاق بيع زيت الوقود بين حكومة جمهورية العراق وحكومة الجمهورية اللبنانية. ثانياً: إحالة مشروع قانون إلى مجلس النواب يرمي إلى تجديد اتفاق بيع مادة زيت الوقود بين حكومة جمهورية العراق والجمهورية اللبنانية وفقاً لتعميم رئيس مجلس الوزراء رقم 36 تاريخ 5/12/2022.
وعليه تبدّدت الآمال التي أطلقها فيّاض خلال المؤتمر الصحافي بإمكانية وصول 33 ألف طن من الفيول العراقي في أواخر شباط المقبل، كما تبدّدت آمال الوزير بالحصول على سلفة خزينة سريعاً بقيمة 306 ملايين دولار للبدء بتنفيذ خطة طوارئ الكهرباء وتأمين ما بين 4 إلى 5 ساعات يومياً كحدّ أقصى من الكهرباء بسعر 27 سنتاً + 20 في المئة للكيلوواط الواحد تحتسب على أساس سعر منصة صيرفة المحددة بـ38 ألف ليرة.
عودة إلى المراسيم الجوّالة
طابة مراسيم الوزير الجوّالة التي حاول من خلالها تسجيل هدفين بالسياسة والإدارة في مجلس الوزراء ارتدّت عكسياً لتهزّ شباكه، وتقطع الأمل في الضوء عن جميع المواطنين. وبحسب مصادر متابعة فإن توقيع الوزراء «العونيين» المعترضين على عقد جلسة لمجلس الوزراء على مراسيم وزير الطاقة عملاً بالمادة 62 من الدستور، التي أناطت صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء، كانت «لزوم ما لا يلزم». فكلّ المطلوب كان إلتزام الوزير فيّاض بالأصول، وحضوره بوصفه الوزير المعني جلسة مجلس الوزراء وإقرار السلفة التي لا تتطلّب إلا إمضاء الوزيرين المعنيين، أي وزيري الطاقة والمالية إلى جانب توقيع رئيس الحكومة.
كلفة خطة الطوارئ
أما في ما يتعلق بالمخالفة الإدارية فإن ما يطلبه وزير الطاقة، ولا سيما في مرسوم تنفيذ خطة الطوارئ للكهرباء، لا يتعدّى الحصول على سلفة مالية مهدّدة بالعجز عن إرجاعها من ايرادات كهرباء لبنان، وذلك على الرغم من رفع التعرفة. وقد طلب الوزير الموافقة على منح سلفة بقيمة 306 ملايين دولار لتغطّي احتياجات تنفيذ خطة الطوارئ المعدّلة لمواءمة إمكانيات مصرف لبنان في المرحلة الأولى. وهذه السلف موزّعة على الشكل التالي:
62.1 مليون دولار لتغطية شراء 66 طناً مترياً من الغاز أويل.
48 مليون دولار لتغطية شراء 28 ألف طن متري من الفيول أويل غرايد B بقيمة 16.5 مليون دولار، و46 ألف طن متري من الفيول أويل غرايد A بقيمة 25.5 مليون دولار، وتغطية الزيادات في قيمة الاعتماد المستندي اللازم لمادة الغاز أويل بحوالى 6 ملايين دولار أميركي.
142 مليون دولار لتغطية كلفة ما تبقّى من حاجات مؤسسة كهرباء لبنان من المحروقات لزوم تشغيل معامل الإنتاج بغية استكمال تطبيق خطة الطوارئ المعدّلة وفقاً لقرار مصرف لبنان بتخفيض قيمة التمويل من 600 إلى 300 مليون دولار.
هذا وكان الوزير فيّاض قد طالب رئيس الحكومة بالعمل على تأمين الـ300 مليون دولار الأخرى التي وعد بها مصرف لبنان. لتتمكن مؤسسة الكهرباء من تحقيق الهدف الرئيس لخطة الطوارئ برفع التغذية إلى ما بين 8 و10 ساعات في اليوم الواحد. مذكّراً بالشروط المتبقية لإنجاح خطة الطوارئ والمذكورة في قرار مجلس إدارة المؤسسة ذات الصلة وهي:
- التزام مصرف لبنان خطياً بتأمين التمويل وتحويل المبالغ المالية المتوفرة في حساب مؤسسة كهرباء لبنان بالليرة اللبنانية إلى الدولار النقدي على أساس واضح.
- الدعم السياسي اللازم لتمكين الإدارات والمؤسسات العامة من تسديد كلفة استهلاك الكهرباء.
- الدعم الأمني اللازم بما يتعلق بالجباية ونزع التعديلات.
- تحسين وضع مستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان وتأمين الإمكانيات اللوجستية لهم.
المطلوب آلية عمل جديدة
خلافاً لادعاء وزير الطاقة وليد فيّاض بأن سلفة 306 ملايين دولار كفيلة بالبدء بخطة الطوارئ، لتعود رفع التعرفة في ما بعد إلى التكفل بتأمين ثمن الفيول هو «عار عن الصحة جملة وتفصيلاً»، بحسب مدير عام الإستثمار السابق في وزارة الطاقة د.غسان بيضون. فـ»حل أزمة الكهرباء في لبنان يتطلّب أولاً إجتماع جميع الأفرقاء السياسيين حول طاولة واحدة. إذ لا يعقل أن يُطلب من مجلس الوزراء حلّ المشكلة التي أوقع وزير الطاقة نفسه والبلد فيها، من دون أن يكون حاضراً. أمّا من الناحية التقنية فيرى بيضون أنه «يجب تجميد التعرفة، وتحديدها بالليرة، وإلغاء بدل التأهيل، واحتساب رسم العدّاد بحسب ساعات التغذية. بمعنى آخر فإن كلّ خطة الطوارئ للكهرباء تتطلب آلية عمل جديدة.
بالتوازي مع ما يطلبه بيضون عُلم أن مندوباً من البنك الدولي زار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ناقلاً تعهّد البنك الدولي تقديم مليون دولار لدراسة الوضع المادي للكهرباء بما فيها التعرفة الجديدة. من هنا فإن «تجميد التعرفة إلى حين صدور نتائج الدراسة هو أمر أساسي» بحسب بيضون. لا سيما أن «هذه التعرفة الباهظة ستزيد الهدر غير الفني بشكل كبير، بما فيها التعليق على الخطوط والسرقة والتهرّب من دفع الفواتير، واللعب بالعدّادات بشتى الطرق والوسائل. و»هذا الأمر بديهي»، بحسب بيضون. و»إذا كانت نسبة السرقة على الشبكة تبلغ 30 في المئة في ظل تعرفة 130 ليرة للكيلوواط الساعة الواحدة، ستصبح 70 في المئة من بعد أن تصل التعرفة إلى 12300 ليرة بحسب سعر صيرفة اليوم (27 سنتاً * 38000 ليرة+20%).
بالتعرفة الجديدة… لا جباية إلا بنسبة 40%
يقول غسان بيضون: «هذه الأساليب المعتمدة لن تحلّ مشكلة الكهرباء، ولن تؤمّن التغذية ولن تضمن استمراريتها مهما تعدّدت التسميات التي تطلق عليها. خصوصاً مع متابعة بيانات مؤسسة كهرباء لبنان التي تحوّلت إلى ورقة نعوة، تعلن بشكل شبه دوري عن توقّف معامل وتعطل أخرى وسرقة خطوط توتر عالٍ… وخلافه من المشاكل الكبيرة في هذا القطاع». فهناك حاجة في الكهرباء إلى أموال هائلة لتغطية مصاريف الصيانة ودفع المتأخرات والديون المستحقة. تضاف كل هذه المعوقات على الفوضى المالية والمترتبات المادية الهائلة على مؤسسة كهرباء لبنان. وعليه سيكون مصير السلفة المطلوبة كمثيلاتها من السلفات القديمة التي لم ترد. وبرأي بيضون فإن التحصيل من الفواتير المسعّرة بحسب التعرفة الجديدة لن يتجاوز 40 في المئة من كلفة الطاقة المنتجة. من دون أن نستبعد إمكانية ضياع هذه الأموال بعد التحصيل في دهاليز مؤسسة كهرباء لبنان وأن تستعمل لتسديد ديونها، وليس لإعادة شراء الفيول.
1.2 مليون دولار غرامات
الغائب الوحيد عن كل هذه الهمروجة الإدارية والقانونية والنقدية، كانت غرامات تأخير تفريغ بواخر الفيول الراسية منذ 27 شهر كانون الأول 2022 قبالة السواحل اللبنانية، والتي فاقت لتاريخه 1.2 مليون دولار. فهذه الغرامات التي لم ترد في المراسيم غطّى عليها وزير الطاقة في مؤتمره الصحافي أمس بحسبة مبهمة. موحياً بأن قيمة هذه الغرامات بسيطة أمام ما يخسره اللبنانيون جرّاء عدم تأمين الكهرباء بقيمة 1.5 مليون دولار في اليوم الواحد.
بهذه الخفّة يجري التعامل مع الطاقة بين مختلف مكوّنات السلطة. فانقطاع الكهرباء الذي يشلّ حكومات ويعلّق أنظمة في حال قُطعت لدقائق، تحوّل إلى موضوع طبيعي لدرجة تدفع بوزير الطاقة وليد فيّاض لاعتبار قطاع المولّدات (غير الشرعي) شريكاً في تأمين الخدمة.