الأخبار – راجانا حمية
أمس، بدأت مرحلة جديدة من الانهيار في القطاع الاستشفائي، مع إعلان عددٍ من المستشفيات عن عدم كفاية مادة المازوت في خزاناتها سوى ليومين، فيما مستشفيات أخرى كانت “أكثر حظاً”، مع إمكانية توفير تلك المادة حتى سبعة أيامٍ. أما، ما سيأتي بعد انقضاء تلك الأيام، فهو الكارثة التي ستتوقف معها غالبية الخدمات الطبية، وما سليحق ذلك من موت
لم تعد الأخبار الآتية من المستشفيات محصورة في انقطاع الأدوية وشحّ المستلزمات الطبية التي توقفت بسببها بعض “الخدمات” الطبية، وإنما وصلت الكارثة إلى التهديد الفعلي لحياة المرضى بسبب الشح في مادة المازوت. أمس، دبّ الذعر في عددٍ من المستشفيات، مع وصول الكمية المتوافرة لديها من مادة المازوت إلى نهايتها، معلنة أن ما تبقّى في خزاناتها بالكاد يكفي يوماً أو يومين كحدٍّ أقصى، ومن بعدها “سيكون الطوفان”، يقول نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان، سليمان هارون.
لا تشبه تلك الأزمة التي بدأت تعانيها المستشفيات غيرها من الأزمات التي يعيشها القطاع الصحي الاستشفائي منذ اشتداد الأزمة المالية – النقدية – الاقتصادية. خصوصية ما يحدث اليوم أن غالبية الخدمات الطبية، إن لم تكن كلها، متوقفة على مادة المازوت، من تأمين التبريد للأدوية الحساسة إلى غرف العمليات إلى ماكينات الأوكسيجين في غرف العناية الفائقة إلى ماكينات غسيل الكُلى وغيرها الكثير من الخدمات. لذلك، فإن السيناريو المتوقع في ظل استمرار أزمة الشحّ في مادة المازوت “كارثي”، يتابع هارون.
في الأحوال العادية، لم يكن الحال مستعصياً كما اليوم، إذ أن غالبية المستشفيات – وحتى فترة ليست بعيدة – كانت قادرة على تخزين مادة المازوت ما بين أسبوعين وشهر. أما اليوم، فقد انخفضت تلك القدرة وباتت متوقفة عند أسبوعٍ واحد، أو في أحسن الحالات عشرة أيام… وحصراً في المستشفيات الكبرى. أما سبب هذا التناقص، فيعود إلى سببين أساسيين: أولهما التقنين القاسي للتيار الكهربائي، إذ لا تتعدّى فترة حضوره أكثر من ثلاث ساعات، لتعوّض المستشفيات الساعات المتبقية بمولداتها الخاصة. أما ثاني الأسباب، فهو رفض مصرف لبنان فتح اعتمادات جديدة للبواخر المحمّلة بالمحروقات، وهو ما ينذر بقرب وصول الكارثة. وفي هذا السياق، يرفع هارون الصوت، انطلاقاً من أن المستشفيات تستهلك كميات كبيرة جداً من المحروقات، مقدّراً تلك النسبة ما بين 300 ألف إلى 350 ألف ليتر في اليوم الواحد. فأصغر المستشفيات هنا “يحتاج إلى 2000 ليتر يومياً، فيما المستشفيات الكبرى والجامعية تحتاج إلى نحو 10 آلاف ليتر”.
هذه الوقائع ليست إلا البداية، فمع الانقطاع “الرسمي” للوقود من السوق، وتالياً عن المستشفيات، فمن المتوقع أن يُحدث المازوت آثاراً تفوق ما يحدثه اليوم فيروس كورونا. إلى هذا الحد، النهاية ستكون كارثية. وخوف المستشفيات نابع من أن أجواء الاتصالات مع وزارة الطاقة والمياه كانت سلبية، إذ ردّت الوزارة على استفسارات نقابة المستشفيات بالإشارة إلى أن منشأتَي الزهراني وطرابلس فارغتان من المازوت، كما أن المخزون لدى الشركات الخاصة ليس كبيراً، وإن وجد لدى البعض فإنهم “يبيعونه بسعر غير السعر الرسمي”، يقول هارون.
إلى ذلك، تشير المديرة العامة لمنشآت النفط، أورور فغالي، إلى أن الوزارة “تسعى لمعرفة الكميات المتبقية لمحاولة توزيعها”، من دون وعد بتأمين الكميات اللازمة. من جهة ثانية، تشير مصادر أخرى في الوزارة إلى أنه “في الأمس، كان في المنشآت ما يقارب 2400 طن من مادة المازوت طلبنا أن يبقوها للحالات الطارئة، إلا أننا اليوم فوجئنا بأنهم باعوا ألفي طن، تحت ضغط التدخلات السياسية، ولا يوجد سوى 400 طن لا ضمان لبقائها”. وتشير المصادر إلى أن لا خطط لأجل استدراك المشكلة في المستشفيات، “فحالها كحال البقية، إذ لا يوجد مازوت ولا يفتح مصرف لبنان أية اعتمادات”. أما، ماذا بعد؟ لا شيء “سوى الانفجار”، يقول هذا الأخير، لأن “المشكلة لا حلّ لها، إلا باستعادة فتح الاعتمادات لدى مصرف لبنان”. وما لم يحصل ذلك، فإن وزر الموت الذي سيحصل في المستشفيات هو في “رقبة” حاكم المصرف، رياض سلامة.