لطالما كان القضاء في لبنان متماسكاً ومثالاً يحتذى به، لانه يضّم خيرة من القضاة، وهو حافظ على هويته حتى خلال السنوات الثلاث، التي وصل لبنان خلالها الى الانهيار، لكن التدخلات السياسية استطاعت شق الجسم القضائي، بعدما نجحت في شق مجلس القضاء الأعلى، حيث انتشرت الخلافات بين اعضائه، ولم يلتئم كما كان متوقعاً، الامر الذي نقل مشاهد قاتمة لساعات طويلة يوم امس من امام قصر العدل في بيروت، الذي تحوّل الى حلبة صراع ومشادات كلامية وصراخ وتدافع بين عدد من نواب المعارضة و التغييريين مع الحرس التابعين لوزير العدل هنري خوري، خلال دخولهم للحديث معه، بعد ان ألمح بأنّ الإتجاه قد يؤدي الى سحب الملف نهائياً من يد القاضي طارق البيطار، فطالبوه بأخذ قرار اداري حيال الانشقاق الحاصل، وهنا حدثت المشادة ونقلت الشاشات تعرّض النواب اديب عبد المسيح وغسان حاصباني ووضاح الصادق للضرب، وافيد بأنّ المدعي العام الإستئنافي في بيروت القاضي زاهر حماده، باشر تحقيقاته بالحادثة، وهنالك فيديوهات توثق ذلك.
الى ذلك تمكن عدد من أهالي ضحايا المرفأ، من خلع البوابة الحديدية لوزارة العدل واقتحامها، بعد اعتصامهم لساعات هناك، للمطالبة بصون التحقيق في القضية ودعم البيطار، حاملين صور ابنائهم الضحايا، والاعلام اللبنانية المتشحة بالسواد، إضافة الى لافتات تطالب بتحقيق دولي في القضية، وسط حشود من المواطنين والناشطين وصلوا قبل إنعقاد جلسة مجلس القضاء الأعلى، وشهدت الباحة انتشاراً امنياً كثيفاً في الداخل والمحيط، لكن الانقسام القضائي بدا لافتاً، من خلال البيانات التي صدرت عن النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، الذي عارض قرارات البيطار، معتبراً ان ليس لديه الصلاحية لتجاوز الشكاوى القانونية، ووجه اتهامات له، وعاكس قراراته من خلال إخلاء سبيل كل الموقوفين على ذمة التحقيق، واصدر بيانات تمنعه من متابعة التحقيق في الملف من خلال كف يده.
اما القاضي بيطار فقد اشار في تصريح الى محطة عربية، بأن كل القرارات التي صدرت عن النائب العام عويدات “مخالفة للقانون”، معلناً استمراره في عمله وبسعيه الدائم لتطبيق القانون، وأن القرار الاتهامي في قضية المرفأ سيصدر فور الانتهاء من إعداده.
في غضون ذلك إتخذت قيادة الجيش كل التدابير والاجراءات اللازمة، لحماية القاضي البيطار، بهدف قطع الطريق امام اي طابور خامس يريد إستغلال الوضع وإحداث فتنة، بالتزامن مع كل التهديدات التي اطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منذ يوم الاثنين الماضي من بعض الرافضين لقراراتهن الذين وضعوها ضمن خانة سياسية معينة.
وعلى خط اهالي الضحايا، ابدى بعضهم خلال اتصال مع ” الديار” الخشية من إتخاذ مجلس القضاء الاعلى في خال عاد لينعقد قراراً بعزل البيطار عن القضية، أو تعيين قاض آخر معه، واشاروا الى انهم سيواصلون المطالبة بالحق مهما كانت التداعيات، ولفتوا الى ان الناشط وليام نون شقيق شهيد فوج الاطفاء جو نون، تعرّض للتهديد بالقتل خلال اتصالات تلقاها.
في ظل كل هذه المشاهد المرفوضة ، قال مرجع قضائي سابق لـ” الديار”بعد مشاهدة ما جرى يوم امس:” لقد انتهى دور القضاء في لبنان وما يحصل معيب، وكنت قد حذرت من انّنا سنشهد صراعاً كبيراً داخل قصر العدل، على أثر ما يحصل في ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وسينقسم القضاة بين مَن يؤيد المحقق العدلي في الملف القاضي البيطار، وبين مَن يؤيد القاضي غسان عويدات، ونخشى من الاعظم المرتقب”.
في الختام تبقى هواجس ومخاوف المواطنين، من إنتشار الفوضى من باب قصر العدل والإطاحة يالاستقرار، بالتزامن مع انهيار العملة الوطنية بشكل مخيف، الامر الذي يسرّع بالمخاطر الكبرى التي لن يستطيع احد التصدّي لها.