عاد موضوع الإتصالات ليشغل حيّزا واسعا من أحاديث الناس اليوم، إثر إعلان وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال، جوني القرم، أنّ الوزارة ستضطرّ إلى إعادة النظر بتعرفة الاتصالات “عاجلاً أم آجلاً”.
وقع الخبر كالصاعقة على الناس، فالجيب لم يعد يحتمل المزيد من الإرتفاعات المتعاقبة تحديدا في هذه الآونة مع جنون الدولار الأسود، وأعاد إلى الأذهان تصريحا سابقا للوزيرعينه في كانون الأول من العام 2021، حين قال: “عاجلاً أم آجلاً سترتفع الأسعار…”، وفعلا حصل ذلك، حيث رفعت شركتا الاتصالات “ألفا” و”تاتش”، و”أوجيرو” التعرفة ابتداءً من شهر تموز الماضي.
“ألفا” و”تاتش” بخير
حول وضع قطاع الإتصالات بقسميه، أوجيرو وشركتي الخلوي، ومدى مساهمة زيادة التعرفة سابقا بنهوض القطاع، والمخاطر التي تتهدده، أوضح وزير الإتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم لـ “الديار”: أنّ هناك فرقا بين شركتي الخلوي و”أوجيرو”، فالشركتان ليس لديهما أيّ مشكلة بالمدخول، وهما قادرتان على تأمين كل مصاريفهما، ومشكلتهما محلولة مبدئيا، كاشفا عن تجارب أجريت مؤخرا على الجيل الخامس، وبأنّ هناك إمكانيّة لعمل إستثمارات إضافية بهذا الشأن، حين تشكل حكومة جديدة.
وضع “أوجيرو” بالأرقام
بحسب تصريح الوزير القرم فإنّ وضع “أوجيرو” دقيق جدا، ما يطرح تساؤلات تشبه: لِمَ لمْ يتحسّن وضعها كشركتي الخلوي؟ وما التبعات التي يمكن أن تحصل في حال لم يتّم دعم المؤسسة؟ وما قيمة المساعدة المطلوبة، وهل هذا ممكن في ظل أزمتنا الراهنة؟
في إجابته لفت الوزير القرم إلى أنّ “أوجيرو” لديها مشكل، وشدّد أنّ أول نقطة يجب أن يطّلع عليها الناس في هذا الشأن هي: “شو مندخّل وشو منصرف مصاري بـ”أوجيرو””، وشرح أنّ إيردات المؤسسة تذهب إلى وزارة المال، ونفقاتها تحدّد بموجب الموزانة، وحتى اليوم وقبل أن تصدر موازنة 2022، تصرف المؤسسة وفق القاعدة الإثني عشرية أي 45 مليار ليرة، لا تكفي لشراء مادّة المازوت لشهر، وفي الوقت نفسه أخذت سلفا من الدولة بقيمة ألف ومئتي مليار ليرة خلال العام 2022، وفنّد سبب المشكل الحالي بأنّه يعود إلى أنّ تحديد التعرفة بـ”أوجيرو” قد تمّ وفق دولار 20 ألف ليرة، فيما أصبح اليوم 40 ألف ليرة، يعني “مكسورين بالنصف”، مشيرا إلى أنّنا لا نزال بانتظار موزانة 2022، وسنصرف في العام 2023 أيضًا على القاعدة الإثني عشرية، ولكن طلبنا فيها لـ “أوجيرو” مبلغ 5000 مليار ليرة، فيما مدخولنا اليوم يقارب 200 مليار ليرة شهريا أو 2400 مليار ليرة سنويا، مشكّكا بأن تعطي الدولة “أوجيرو” المبلغ المطلوب في موازنة 2023، لأنّ مدخولها أقل، والفرق ستضطر الدولة لدفعه.
الطاقة هي مشكلة “أوجيرو”!
“هناك أطراف مستعدّة لمساعدتنا الآن ولم تكن جاهزة لذلك قبلاً”، و “إذا أتتنا المساعدات فعندها لا لزوم لتعديل التعرفة”، وفق الوزير القرم، وحول هويّة هذه الأطراف، ونسبة تحقّق ذلك ومتى، قال إنّنا نحاول التواصل مع كلّ الدول التي يمكن أن تساعدنا بهذا الموضوع، ولكن في حال لم نتمكّن من ذلك، وحين تشكّل حكومة جديدة، سيعاد النظر بموضوع تعرفة “أوجيرو” لعدم صلاحية التعرفة القديمة، ولفت إلى أنّ لدى المؤسسة 330 مولدا كهربائيا، آخرها عمره أكثر من 3 سنوات ونصف تستهلك كميات هائلة من الزيت و تعمل فوق 20 ساعة يوميا، مضيفا:” ناقصنا مصاري بـ” أوجيرو” ولازم الرأي العام يكون على إطّلاع ويقدر يميّز بين “الخلوي” وبين “أوجيرو”، ومعقّبا أنّ مشكلتنا الأساسية بـ” أوجيرو” هي الطاقة، وإن استطعنا تأمين بين 10-12 ساعة طاقة كهرباء دولة، نحلّ حوالي 90% من مشاكلنا، وإلّا سنحتاج إلى بطاريات، طاقة شمسية، مازوت، وهي تكاليف تشكل أكثر من 50% من تكاليفنا المالية بالوقت الحاضر، وتابع بالنسبة للمساعدة أنّ المؤسسة بحاجة إلى وجود بديل عن المولّدات، وقد طلبت الوزارة طاقة شمسية بكلفة تعادل 12 مليون دولار تقريبا، وبطاريات، وأجهزة “modems” كي تخفّف من استهلاك الطاقة، وهو مشروع ليس مكلفا ويوفر الكثير من الطاقة.
وقد تقدمت الوزارة وفق ما ذكر الوزير القرم بطلب عند الصينيين بشأن المساعدة في موضوع الطاقة الشمسية، وتنتظر الرد، مشيرا إلى بلدان آخران أبدوا إستعدادا لمساعدة لبنان، لكنّه تحفظ عن ذكر إسميهما قبل أن يأتي الجواب ايجابيا بهذا الموضوع.
ولكن ماذا لو لم تحصل “أوجيرو” على الدعم من الدولة أو المساعدة من الخارج؟
يجيب الوزير القرم أنّه في حال لم يحصل الدعم من قبل الدولة أو أطراف أخرى، فإنّه عاجلا أم آجلا سيحصل تعديل للتعرفة، من دون أن يكشف لنا عن قيمة الزيادة، مؤكدا أنّ هذا الإجراء يتطلب وجود مجلس وزراء ورئيس جمهورية جديدين، وبانتظار أن يحصل هذا الأمر، سيُنظر وقتها بالخيارات التي نمتلكها، مشدّدا أنّ أكثر ما يساعدنا في البلد هو إستقرار الليرة وهذا الأمر ليس بيد وزارة الإتصالات ولكنه يخلصنا ويخلص كل القطاعات.
هل من احتمال لزيادة التعرفة شركتي الخلوي” تاتش” و”ألفا” لاحقا كما يمكن أن يحصل بموضوع ” أوجيرو”؟
نفى الوزير القرم ذلك بقوله: “ما عم يندرس أبدا تعديل تعرفة” ألفا” و”تاتش” وهذه صارت “ثابتة بالمبدأ”، وشدّد أنّه حين تمّ تغيير تعرفة الإتصالات سابقا، كانت الوزارة على دراية بوضع ووجع الناس، والخيار كان صعبا جدا لأنّنا كنّا نريد ضمان إستمرارية القطاع من ناحية، ونعرف أنه ليس لدى الناس قدرة على الدفع من ناحية ثانية، فأكثر من 80% منهم دون خط الفقر، مؤكّدا أنّه إذا لم تكن هناك إستمرارية في القطاع لن يكون هناك اقتصاد، ومشددا أنّ قطاع الخلوي تخلّص من الأزمة، وأنّ قطاع “أوجيرو” مهم جدا، لأنه إذا توقف إنترنت “أوجيرو” – وهذا ما لا يعرفه الناس- سيتوقف إنترنت الخلوي أيضًا، داعيا وزير الإتصالات القادم إلى التركيزعلى تأمين الإستمرارية لـ”أوجيرو”، كما أمّنا الإستمرارية لشركتي “ألفا” و”تاتش”، وهذا يتحقّق من خلال تطبيق القانون 431 وإنشاء شركة “ليبان تيليكوم”، ما يسمح لهذا القطاع أن يتطوّر بعيدا عن التجاذبات السياسية والبيروقراطية التي تعرقل هذه الأمور.
خلاصة القول.. تقف “أوجيرو” حاليا أمام أزمة وجودية، فالحلول الجذرية بإنشاء شركة “ليبان تيليكوم” المنقذة للقطاع – كما أشار الوزير القرم- تحتاج لوجود مجلس وزارء ورئيس جمهورية جديدين، وهذا خارج نطاق النضوج حاليا، وعليه فإمّا أن تقف “أوجيرو” مجددا على قدميها من خلال المساعدات المأمولة، أو أن تتوقّف عن العمل نهائيا، وهذا يهدّد ما تبقى من اقتصاد البلد! والإجابة تبقى رهن الأيام المقبلة.