تتميز بعض المحاصيل الزراعية بفترات موسمية قصيرة، مما يدفعنا الى الاستفادة منها قبل اختفائها من الأسواق. يُعد السفرجل، الفاكهة الذهبية التي ترمز إلى الخصوبة والصحة، من الكنوز الموسمية التي تتوافر في الخريف وحتى أواخر تشرين الثاني وأوائل كانون الاول. ورغم قصر موسمه، يقدم فوائد غذائية وصحية لا تُقدّر بثمن، مما يجعل استغلاله امرا مهما. فما هي أسراره؟ وكيف يمكن زراعته وحفظه؟ وما المحاذير المرتبطة به؟
زراعته متطلبة وطبيعة لبنان ملائمة
يقول الخبير الزراعي يحيى لـ “الديار”: “يُعتبر السفرجل من الفواكه الفريدة التي تنتمي إلى عائلة التفاح والإجاص. يحتاج هذا المحصول إلى مناخ معتدل وبارد نسبياً، مما يجعل المرتفعات اللبنانية بيئة مثالية لشتله. يتطلب غرسه تربة جيدة التصريف، غنية بالمواد العضوية، وذات حموضة متوازنة. كما يستلزم عناية خاصة خلال فترة الإزهار التي تتأثر بعوامل مثل الرياح والصقيع.
ويوضح “في لبنان، تُزرع هذه الفاكهة في المناطق الجبلية، مثل البقاع والجنوب، حيث تتوفر الظروف المناخية المناسبة لنموها. ورغم ذلك، تبقى المساحات المزروعة محدودة مقارنة بالإقبال العالمي على السفرجل. في السنوات الأخيرة، بدأ العديد من المزارعين اللبنانيين بالاهتمام المتزايد بزراعة هذا الصنف في مناطق جبل لبنان، وذلك تماشياً مع الطلب المتزايد عليه في أسواق دول الخليج وبعض الأسواق الأوروبية. وبالرغم من أنه لا يستدعي الكثير من الرعاية اليومية، إلا أن التربة الجيدة والتقنيات الزراعية الحديثة تساهم في زيادة الإنتاجية. يبقى التحدي الأكبر في حماية الأشجار من التغيرات المناخية، مثل الصقيع المفاجئ أو الرياح القوية التي قد تؤثر في نوعية الانتاج”.
لهذه الأسباب، بعض المواسم قصيرة
ويشدد على انه “من الفواكه الموسمية التي تتميز بمدة قصيرة نسبيا، وهو أمر يمكن تفسيره بمجموعة من العوامل العلمية والبيئية المرتبطة بالدورة البيولوجية للنبات وطبيعته الجينية. تنضج هذه الأشجار خلال فترة محددة، حيث تتركز طاقتها على إنتاج الثمار بكفاءة عالية في إطار زمني قصير بدلاً من توزيع الجهد على موسم طويل. يعود هذا الأمر إلى طبيعة النبات نفسه، اذ ان تركيبه الجيني يحدد مواعيد الإزهار والنضج وفقًا للظروف البيئية المثالية التي تستوجب توازنا معينا من درجات الحرارة والرطوبة. وبالنظر إلى البيئة، يزدهر السفرجل في مناخات معتدلة أو باردة نسبيا، مما يجعل فترة النضج قصيرة ومركزة لتفادي أي تغيرات مناخية قد تؤثر في جودة الثمار”.
ويختم “علاوة على ذلك، فإن النباتات الموسمية ذات الموسم القصير تتبع استراتيجيات تكيفية في الطبيعة، حيث تنتج ثمارها بشكل متزامن لجذب الملقحات وضمان نشر بذورها بفعالية، مما يساعدها على التكيف مع التحديات البيئية. تركز هذه الديناميكية على تحقيق مستوى عالٍ من الإنتاج بدلا من مدته الزمنية. من جهة أخرى، لم يشهد تطويرا زراعيا كبيرا لزيادة عمر موسمه مقارنةً بمحاصيل أكثر شيوعا مثل التفاح، مما يبقي موسمه الطبيعي محدودا. ومع أن تقنيات الزراعة الحديثة قد تتيح تمديد هذا الموسم جزئيا، إلا أن طبيعته البيولوجية تظل العنصر الأساسي في تحديد مدة نضجه وإنتاجه”.
القيمة الغذائية والفوائد الصحية
من جانبه، يشرح اختصاصي التغذية طه مريود لـ “الديار” ان “السفرجل غني بالفيتامينات والمعادن الأساسية، مما يجعله إضافة مثالية لأي نظام غذائي متوازن. من أبرز مكوناته:فيتامين C الذي يعزز المناعة ويحارب الالتهابات، والألياف الغذائية التي تحسن عملية الهضم وتنظم مستويات السكر في الدم، بالإضافة الى مضادات الأكسدة التي تقاوم الجذور الحرة وتقلل من مخاطر الأمراض المزمنة. كما انه ثري بالبوتاسيوم والمغنيسيوم اللذين يدعمان صحة القلب ويساهمان في تنظيم ضغط الدم”.
دراسات ومحاذير
ويتابع “تشمل فوائده الصحية تعزيز صحة الجهاز الهضمي، ودعم وظائف الكبد، واصلاح البشرة، وتقليل احتمالية الإصابة ببعض أنواع السرطان. وتشير بعض الأبحاث العلمية إلى أن السفرجل يحتوي على مركبات تساعد في تقليل مستويات الكوليسترول في الدم. يُستخدم أيضاً في الطب التقليدي لتحقيق صحة أفضل للنساء، حيث يُعتبر غذاء مفيداً في فترات الحمل لما يحتويه من معادن وفيتامينات تدعم صحة الجنين والأم”.
ويتطرق الى دراسات حديثة تثبت “امتلاكه عناصر مضادة للأكسدة تقي من أمراض القلب والسرطان. كما يُعرف بدوره في تهدئة اضطرابات المعدة، مثل الغثيان والقرحة. ومع ذلك، يجب الحذر عند تناوله نيئاً بكميات كبيرة، إذ تشتمل بذوره على مركبات السيانيد السامة. لذا يُفضل طهيه جيداً قبل تناوله، وينصح بتجنب تناوله بمعدلات كبيرة في حالات مثل الحمل أو للأطفال الصغار”.
أكثر من فاكهة!
من جانبها، تؤكد السيدة هاجر شامية، وهي ربة منزل ومتخصصة في اعداد المصنوعات الغذائية في منزلها تمهيدا لبيعها، ان “السفرجل ليس مجرد فاكهة موسمية، بل هو مصدر غني بالمغذيات ورمز للتراث الزراعي. استغلال موسمه القصير ليس رفاهية، بل ضرورة غذائية وثقافية. ومع تزايد الوعي بفوائده وطرق حفظه، يمكن أن يصبح السفرجل عنصراً أساسياً في حياتنا، ليس فقط خلال موسم الحصاد، بل على مدار العام”.
وتقول لـ “الديار”: “تُعد الأنشطة المرتبطة بالسفرجل، مثل صناعة العصير والمربى، من القطاعات الغذائية التي تقوي الاقتصاد المحلي وتفتح أبواباً جديدة للتصدير. كما تساهم في تأمين فرص عمل ودعم الاقتصاد الزراعي اللبناني، ويبرز هذا الموسم أهمية العودة إلى الطبيعة واستثمار مواردها. لذا، فان هذه الفاكهة ليست مجرد غذاء، بل قيمة مضافة للصحة والزراعة اللبنانية، مما يجعلها جديرة بكل تقدير واهتمام. ومع تزايد الوعي حول منافعها، يمكن أن تتحول إلى جزء أساسي من النظام الغذائي اليومي للكثيرين، مما يشجع على الاستدامة الزراعية”.
تخزينه طوال العام
وتشير شامية الى “آلية حفظ السفرجل طازجاً لأطول فترة ممكنة، وذلك بإبقائه في مكان بارد وجاف، مثل الثلاجة أو القبو، كما يجوز تقطيعه وطهيه وتجميده للاستخدام في وقت لاحق، سواء في الحلويات أو المربيات. تُعد طريقة صنع المربى من أكثر الوسائل شيوعاً لحفظه، حيث يمكن تخزينه لعدة أشهر مع الحفاظ على قيمته الغذائية”.
وتختم “إلى جانب المربى، يُمكن تحضير عصير السفرجل الذي يُعد من العصائر الصحية والمغذية. كما يمكن تجفيف السفرجل للحصول على “الشرائح المجففة” التي تحافظ على خصائص الفاكهة لأوقات أطول. في بعض المناطق، يتم تحويله إلى معجون يُستخدم في مختلف الأطباق، بما في ذلك الحساء والمقبلات”.