يفصل العدو الاسرائيلي بين حربه على غزة وجبهة لبنان، التي فتحها حزب الله كاسناد للمقاومة الفلسطينية، واشغال لجيش الاحتلال بارسال فرق منه الى الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، حيث فهم قادة الكيان الصهيوني، ما معنى وحدة ساحات المقاومة. وقد سبق لهم ان اعلنوا، وقبل العدوان على غزة، ان “اسرائيل” ستواجه ست جبهات موزعة على فلسطين المحتلة في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وايران واليمن، لكن ما يعني الكيان الغاصب هو جبهة لبنان، التي يرى المسؤولون فيها انها الاكثر خطراً وجودياً.
ففي لبنان، كانت هزائم الجيش الصهيوني منذ اول غزو لجنوبه في العام 1978، ثم غزوه الثاني في العام 1982، ووصلت قوات الاحتلال الاسرائيلي اثناءها الى بيروت، وانسحبت منها في اقل من اسبوعين، بعد تصاعد عمليات المقاومة فيها ومقتل بشير الجميل اثر تمكينه من الوصول الى رئاسة الجمهورية، بوجود الاحتلال الاسرائيلي الذي كان سقوط مشروعه السياسي للبنان باقامة سلطة فيه تعقد معاهدة “سلام” مع الكيان الصهيوني، ولم يتمكن امين الجميل الذي خلف شقيقه بشير في الرئاسة الاولى من عقد اتفاق 17 ايار، الذي اسقطه الوطنيون اللبنانيون وذراعهم العسكرية “المقاومة الوطنية” وفيما بعد “المقاومة الاسلامية”. فبدأ انسحاب الاحتلال الاسرائيلي تدريجياً، الى ان حصل التحرير في 25 ايار 2000، والذي لم يهضمه قادة العدو، الذين رأوا امامهم مقاومة لم تلق سلاحها، لا بل استمرت في التسليح والتدريب والتجهيز، الى يوم سيعود العدو الاسرائيلي الى حرب جديدة لتدمير المقاومة وسلاحها وانهاء وجودها، وتأمين الامن للكيان الصهيوني، حيث لاقى مع اميركا قوة سياسية لبنانية تطالب حزب الله بتسليم سلاحه وانهاء وجوده العسكري، فتم استصدار قرار من مجلس الامن الدولي حمل الرقم 1559، يطالب بنزع سلاح المقاومة في مطلع ايلول 2004، واتفق عليه كل من اميركا برئاسة جورج بوش الابن وفرنسا برئاسة جاك شيراك، فكان العدوان الاسرائيلي صيف 2006، وبنك اهدافه تدمير سلاح المقاومة خلال 72 ساعة، واخراج حزب الله من لبنان، كما حصل مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1982 ، وهو ما يطالب به العدو حماس في غزة، لكن المقاومة خلال 33 يوماً افشلت الحرب على لبنان، واوقفها القرار 1701.
فقبل الحرب الاخيرة والمستمرة على غزة، فان المقاومة في لبنان هي دائماً في مرمى العدو الاسرائيلي، كما هي حركة حماس في غزة، التي شنت “القوات الاسرائيلية” عليها حروباً في اعوام 2008 و2012 و2014 و2021، بعد ان كانت انسحبت منها في العام 2005، وفي كل الحروب التي شنها العدو الاسرائيلي على لبنان وغزة، ومواجهة الانتفاضة الفلسطينية في الضفة الغربية، لم يكسب فيها، وهو بات يشعر بانه في خطر وجودي على كيانه، وفق ما يؤكد قادة العدو، وفي مقدمهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يعطي سنوات اربع لبقاء الدولة العربية او زوالها. وهذا ما دفع بالادارة الاميركية برئاسة جو بايدن الى ان يعلن عن ان اميركا ستدافع عن بقاء الكيان، الذي بدأ يتآكل عسكرياً وينهار اقتصادياً وتكثر فيه الهجرة المعاكسة، وهذا تأكيد على ان الحرب هي حرب وجود لا حدود معه.
ففتح الجبهة في الجنوب كانت سنداً لغزة، لكنها كانت استباقية لحرب كان سيخوضها العدو الاسرائيلي، بعد ان ينتهي من حربه التدميرية على القطاع الذي صمدت مقاومته بوجه الآلة العسكرية الاجرامية، وامتدت الى نحو خمسة اشهر لم يحسب لها قادة العدو هذه الفترة الطويلة، والتي سبق وان حرباً سابقة على غزة امتدت الى 55 يوماً في عام 2014 ، حيث لم يعد بامكان العدو ان يخوض حرباً على جبهتي غزة والجنوب، واتبع قواعد اشتباك عند الشريط الحدودي، وواجهته المقاومة بالاسلوب نفسه، كما يقول قيادي في حزب الله.
ويشير القيادي الى انه ومنذ اندلاع المواجهة العسكرية في 8 تشرين الاول 2023، وهو اليوم التالي لعملية طوفان الاقصى، فان حزب الله حرّك الجبهة على معادلة موقع عسكري ضد موقع عسكري، وبلدة لبنانية تقابلها مستوطنة صهيونية، وتوسع الحرب جغرافياً توسع المقاومة المسافة، التي بدأت على 2 كلم لتصل الى ابعد من ذلك، لا سيما وصولها الى مسافات بعيدة عن الجبهة، كمثل اغتيال القيادي في “حماس” صالح العاروري في الضاحية الجنوبية، ثم الغارات على النبطية والزهراني وجدرا واخيراً الغازية، حيث اخرج العدو الاشتباك عن قواعده، مما اضطر المقاومة بعد مقتل عائلة البرجاوي في النبطية واخرى في الصوانة، ان استهدفت مستوطنات وقواعد عسكرية.
من هنا، فان جبهة الجنوب مع العدو الاسرائيلي لن تهدأ وقد تتوسع، والذي يحاول ان يفرض شروطه من خلال موفدين دوليين ينقلون الى المسؤولين في لبنان حلاً ديبلوماسياً بانسحاب قوات الرضوان الى ما بعد شمال الليطاني، او ان لبنان سيكون هدفاً لحرب تشبه تلك التي تحصل في غزة، وفق ما هدد قادة العدو، ومنهم وزير الحرب يواف غالانت، الذي اخذ موافقة “مجلس الحرب” بشن عدوان يصل مداه كل لبنان، اذا لم يسلم حزب الله الجنوب الى الجيش اللبناني بالتعاون مع القوات الدولية تنفيذاً للقرار 1701 الذي صيغ في آب 2006، ولم يعد صالحاً لهذه المرحلة، وهذا ما اكده السيد حسن نصرالله ودعا الى تعديله، مستفيداً من الانجازات التي حققتها المقاومة في لبنان بردع العدو الاسرائيلي، الذي لا يمكن الخضوع لاملاءاته بدعم اميركي وفرنسي له.
فتوسيع الحرب على لبنان هو هدف يسعى اليه العدو الاسرائيلي، ويقوم بمناورات باستهدافه مدنيين ومنشآت صناعية، يدّعي انها مخازن اسلحة، كما سبق واعلن نتنياهو قبل سنوات في الامم المتحدة عن وجود مصنع اسلحة في الاوزاعي، وكان كاذباً وما زال.