جاء الموفد الأميركي أموس هوكشتاين الى بيروت، وتحدّث عن ضرورة سعي لبنان الى عدم توسيع الحرب مع “إسرائيل”، مطالباً بتهدئة الجبهة الجنوبية لكي يتسنّى للمستوطنين العودة الى المستوطنات الشمالية. وسمع من المسؤولين اللبنانيين موقفاً موحّداً يتمثّل بأنّه على “إسرائيل” وقف الحرب في غزّة أولاً، ومن ثمّ لكلّ حادث حديث. فلبنان يهمّه تأمين أمنه واستقراره والحفاظ على سيادته، كما تهمّه سلامة الجنوبيين وأراضيهم وثروتهم الزراعية والحيوانية قبل أي شيء آخر. ولهذا فلا تهدئة مجتزأة في الجنوب من دون وقف الحرب في غزّة، لأنّه ما دامت الحرب مستعرة في القطاع، لا يمكن للبنان أن يضمن عدم امتدادها وتوسّعها الى الداخل اللبناني.
وبعد هذا المشهد، أصبحت الكرة اليوم في ملعب الأميركي و “الإسرائيلي” اللذين يدرس كلّ منهما موقف لبنان، كلّ بحسب حساباته ومصالحه. وبرز بالأمس الردّ الأميركي الأولي على الموقف اللبناني، الذي أكّد أنّه مع وقف الحرب على غزّة، تتوقّف المعارك تلقائياً عند الجبهة الجنوبية، ويصبح بالإمكان عندئذ` البحث في تنفيذ القرار الأممي 1701، ومسألة تثبيت الحدود النهائية البريّة للبنان مع فلسطين المحتلّة. وبرز هذا الردّ في ما أعلنه وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، بعد اجتماعه بالسفيرة الأميركية الجديدة في لبنان ليزا جونسون بأنّه “تلقّينا بارتياح جهوزية الولايات المتحدة الأميركية للتوسّط في تخفيض التصعيد وإعادة الاستقرار والهدوء الى الجنوب”.
وترى مصادر سياسية مطّلعة أنّ جهوزية الأميركي للتوسّط في تخفيض التصعيد عند الجبهة الجنوبية، تعني أنّه سيتابع اتصالاته مع العدو الإسرائيلي لإقناعه بضرورة وقف الحرب في غزّة، لأنّها ستهدأ مباشرة في جنوب لبنان. أمّا في حال لم يقتنع هذا الأخير وقرّر توسيع الحرب، فهو سيتحمّل عندئذ تبعاتها. وأشارت المصادر الى أنّ إحصاء أجري في الداخل “الإسرائيلي”، أظهر أن 69 % من الشعب مع توسيع الحرب على لبنان، بهدف تأمين أمن المستوطنات. علماً بأنّ الأميركي لا يجد الحلّ العسكري هو الخيار المناسب لحكومة بنيامين نتنياهو المتطرّفة، إنّما الحلّ الديبلوماسي، ويوافقه لبنان على هذا الأمر.
وفي ما يتعلّق بالمطالب أو “الشروط” الأميركية- “الإسرائيلية” لعدم توسيع الحرب في لبنان والمنطقة، على ما أوضحت المصادر، فتناولت 3 مواضيع أساسية هي:
1- مسألة استمرار لبنان لاحقاً في التنقيب عن الغاز والنفط في البلوكات 8 و9 و10 الحدودية، كون الولايات المتحدة متأكّدة من وجود كميات ضخمة من الغاز والنفط فيها.
2- مسألة انسحاب حزب الله من جنوبي الليطاني الى شماله، لتأمين أمن المستوطنات الشمالية، وضمان ابتعاد خطر الاعتداء على المستوطنين في حال عودتهم اليها.
3- التفاوض بوساطة أميركية على الحدود البريّة النهائية للبنان.
وقد ردّ المسؤولون اللبنانيون على هذه المطالب، على ما تابعت المصادر نفسها، بأنّ لبنان لديه شروط مقابلة، وأنّه ليس على “الإسرائيليين” أن يضعوا الشروط بعد اليوم، إذ لم يعد بإمكانهم فرضها لا على لبنان ولا في غزّة، ولا على أي دولة من دول المنطقة. وبالنسبة لموضوع عودة المستوطنين، قالوا انّه يرتبط بمسألة سيادة لبنان، وهو لن يتخلّى عمّا يمسّ بهذه السيادة تحت أي ضغط كان. وثمّة طرح معيّن لمنطقة جنوب وشمال الليطاني يحتاج الى دراسة.
كما أشاروا الى أنّ مسألة وقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان برّاً وبحراً وجوّاً، أساسية لضمان سلامة اللبنانيين عموماً، وأهالي الجنوب خصوصاً ولكي يتمكّنوا من العيش بأمان وسلام. فضلاً عن ضرورة الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلّة، بما فيها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر، ومن نقطة الـ “بي.وان” والنقاط الـ 13 الخلافية. ويجد المسؤولون أنّ حلّ هذه الأمور سهل جدّاً. فمع وقف الحرب في غزّة، يعود الهدوء مباشرة الى الجبهة الجنوبية اللبنانية، ومع انسحاب قوّات العدو الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلّة، يتوقّف الاعتداء على “الإسرائيليين” ما داموا أوقفوا اعتداءاتهم على لبنان.
وتقول المصادر نفسها انّ لبنان كان ولا يزال إيجابياً، ويتحاور مع الجانب الأميركي بانفتاح للوصول الى حلّ ديبلوماسي مستدام يحفظ سيادة لبنان وسلامة أراضيه، ويضمن عودة الحقوق والأمن والاستقرار، لا سيما الى أهالي الجنوب. فالاعتداءات “الإسرائيلية” على المناطق الجنوبية أوقعتهم في العديد من الخسائر البشرية والمادية، كما أفقدتهم عدداً كبيراً من أشجار الزيتون، وأدّت الى نفق عدد كبير من الدواجن والماشية التي يعتمدون عليها لكسب معيشتهم اليومية.
ولهذا، على الأميركي السعي بما هو مناسب لوقف وتيرة التصعيد في غزّة كما في لبنان، على ما أضافت المصادر، سيما أنّه ليس في صدد اختلاق مشكلة مع الإيراني، الذي أبدى استعداده لدخول الحرب الى جانب حزب الله في حال قامت “إسرائيل” بتوسيعها في لبنان. أمّا ضرب الأميركي للحوثيين في البحر الأحمر، فهو أمر لا علاقة له بما يحصل على الجبهة الجنوبية، كما أنّ الانتقادات الأميركية في الداخل لإدارة الرئيس جو بايدن، قد تردعه عن تكرار مثل هذا الأمر.
وبهذا أصبحت المشكلة اليوم لدى الأميركي ومعه الإسرائيلي الذي يستمرّ في حربه الاستنزافية على غزّة لليوم الثاني بعد المئة، على ما ختمت المصادر، رغم كلّ الضغوطات عليه لوقفها، في الوقت الذي يطالب فيه بتهدئة الجبهة الجنوبية فقط لإعادة المستوطنين الى منازلهم. ويبدو أنّه لم يعد يعر أي أهمية للمحتجزين لدى حركة “حماس” التي تكشف عن أسماء ووجوه بعضهم عبر أشرطة الفيديو، ويتحدّثون فيها مطالبين رئيس حكومة بلادهم بوقف الحرب لكي يعودوا الى عائلاتهم… فهل سيتمكّن الأميركي من تغيير وجهة النظر الإسرائيلية قبل فوات الأوان؟!