اعتبر نائب رئيس مجلس الوزراء الدكتور سعادة الشامي، في حديث لصحيفة “السهم”، أنه “من الطبيعي أن يحكى في الصحف عن استقالات طالما ان الحكومة لا تجتمع، لكن الوزراء يعملون كل على ملفه في الوقت الحاضر، اما الرئيس ميقاتي فدائما يقول: ان كانت الاستقالة هي أسهل الطرق وتفيد البلد سأستقيل”.
ورأى أن “الاستقالة في هذا الوضع ستترك فراغا كبير، في ظل الظروف القاسية التي نعيشها وفي خضم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتحضير لاجراء الانتخابات النيابية، وقد قطع الرئيس ميقاتي الشك باليقين واعلن في بيان صادر عن مكتبه أن الاستقالة ليست واردة في الوقت الراهن”.
وهل الحكومة ستعاود الاجتماع، أجاب: “الجميع يسعى لأن تنعقد الحكومة قريبا، وعلى رأسهم رئيس الجمھورية ورئيس الحكومة، واعتقد أنه من الطبيعي ان تجتمع الحكومة لمعالجة الظروف المعيشية القاسية والتي جعلت من معظم العائلات اللبنانية غير قادرة على تأمين حاجاتها الاساسية. صحيح ان كل منا يعمل على ملفه بدون اي عائق في الوقت الحاضر، لكن عندما ننتهي من وضع خطة التعافي الاقتصادي والمالي ونتفق مبدئيا على الخطوط العريضة مع صندوق النقد الدولي، حينها نحن بحاجة لأن تجتمع الحكومة لاقرار الخطة والا فلن يكون باستطاعتنا ان نقوم بالاصلاحات الضرورية والملحة، لذلك اقترحت مؤخرا، انه عندما تكون لدينا خلافات على مواضيع محددة، نضع هذه الخلافات جانبا ونجتمع في مجلس الوزراء على برنامج عمل محصور بالامور الاقتصادية والمعيشية التي تهم الناس بالتوازي مع الجهھود المبذولة من الجميع لحلحلة المواضيع الاخرى”.
وردا على سؤال عن سير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، قال: “بعد ان تشكلت الحكومة بوقت قصير، اتصلنا بصندوق النقد الدولي وقلنا اننا نريد البدء من جديد بالمباحثات، وبالفعل، منذ ايلول بدأنا بالمحادثات التي كانت في البداية محصورة بالامور التقنية البحتة، ثم بدأنا بالمحادثات حول السياسات المالية والنقدية، واغتنمنا فرصة زيارة وفد من الصندوق الى لبنان منذ حوالى 10 أيام، فدخلنا بمواضيع محددة، تكلمنا عن القطاع المصرفي وعن الموازنة، وعن السياسة المالية لدى الحكومة، وكان هھناك ايضا اجتماع افتراضي منذ اقل من اسبوع تطرق الى موضوع موازنة 2022، اذا المفاوضات ماشية، ونحن نترقب أن تأتي بعثة موسعة في نصف كانون الثاني للبدء بالمفاوضات الجدية وندخل بعمق تفاصيل كل القطاعات، من الموازنة الى القطاع المصرفي وسعر الصرف والكهرباء وشبكة الامان الاجتماعي وغيرها من المواضيع التي تتضمنها خطة التعافي، ونتأمل ان نصل الى الاتفاق مع الصندوق في اقرب وقت ممكن، ومن الافضل خلال مدة اقامة البعثة والتي تتراوح من عشرة ايام الى اسبوعين. لكن اذا لم نتوصل الى ذلك من الجولة الاولى، ستكون هناك جولة أخرى”.
وعن موعد الاتفاق مع صندوق النقد، قال: “من الصعب أن نتكهن، لكننا نطمح ان يتم الاتفاق بين أواخر كانون الثاني ومنتصف شباط المقبل، وبعدهھا يرسل البرنامج الى مجلس ادارة الصندوق لاقراره، وهذا الأمر قد يأخذ وقتا يتراوح ما بين اسبوعين وثلاثة اسابيع، لكن اذا كنا قد اتفقنا مع بعثة الصندوق على البرنامج عندهھا ستكون موافقة مجلس الادارة سهلة المنال”.
وعن شروط الاتفاق مع صندوق النقد ونتيجته على الناس، قال: “اولا، نتوجه نحو صندوق النقد لأنه لدينا مشاكل اقتصادية كبيرة جدا، نحن مرضى اقتصاديا وماليا ونقديا، ولدينا ازمة متعددة الوجوه ولا نستطيع حلها بمفردنا، والطبيب في هذا الخصوص هو صندوق النقد الدولي لانه يساعد الدول التي لديها مشاكل اقتصادية لتخرج منها لقاء شروط محددة، علما ان هذه الشروط ليست لمعاقبة الناس انما للتأكد من نجاح برنامج الاصلاح، ونجاح البرنامج يضمن ايضا استعادة الصندوق للاموال التي يكون قد اقرضها للبلد المعني من اجل استعمالها لاعطاء بلدان اخرى متعثرة. ان شروط نجاح البرنامج، تتضمن على سبيل المثال لا الحصر تقليص عجز الموازنة بالنسبة للناتج المحلي، لانه كلما كبر العجز كلما اضطرت الدولة للاستدانة، وبالتالي ارتفع الدين العام واصبحنا من اكثر الدول استدانة بالعالم بالنسبة لحجم الاقتصاد، مما ادى الى توقف الدولة عن تسديد سندات يوروبوندز. من هنا تأتي أهمية استدامة الدين العام كهدف أساسي بالنسبة للحكومة لكي تتمكن في المستقبل القريب من العودة للايفاء بديونھا ودون اللجوء الى اجراءات قاسية وموجعة”.
أضاف: “الشرط الثاني المتوقع هو تبني خطة لاصلاح القطاع المصرفي، فلا يمكن لبلد ان ينمو من دون قطاع مصرفي متين وسليم، وكذلك من الشروط التي يمكن ان يطلبها الصندوق توحيد سعر الصرف. هذا من ناحية الشق المالي والاقتصادي، اما الشق الثاني، فهو بنيوي، مثلا الكهرباء التي كانت تكلف موازنة الدولة مليار ونصف تقريبا بالسنة مما يزيد العجز بشكل كبير، وهناك ايضا القطاعات الاجتماعية اي شبكة الامان الاجتماعي والصحة والتربية والتي تهم الصندوق، واعتقد انھم سيبحثون في كيفية معالجة مسألة الفقر طبعا بالتعاون مع البنك الدولي، من ضمن التعاون الوثيق بين الصندوق والبنك في هذا الخصوص. هذه الشروط كلها ليست مستغربة لاننا نعرفها، ومن الشروط التي يضعها الصندوق ازالة الدعم الذي كلف الدولة خسائر طائلة وخاصة انه لم يذهب حيث يجب، ولذلك يفضل الصندوق ان يكون الدعم موجها للاشخاص وليس على السلع، ما يعني انه بستهدف الطبقات الاجتماعية”.
سئل عن التوصل الى أرقام معينة تقريبية بالخسائر والعجز، أجاب: “في القطاع المصرفي توصلنا لتقدير الخسارة، وهي ما يقارب 69 مليار دولار، علما انها غير ثابتة لأنها تستند على افتراضات محددة. أولا هذه الارقام تستند على بيانات للبنك المركزي والمصارف عائدة لأيلول، واذا غيرنا من ايلول لكانون الاول فيمكن أن تختلف الارقام، ثانيا انها تعتمد على مقدار الحسم الذي سنحصل عليه من الدائنين على سندات يوروبوندز. كما ان اي تغيير في سعر الصرف سيؤثر على تقدير الخسائر. لذلك يجب أن تؤخذ هذه الافتراضات بالاعتبار للتوصل الى نتيجة، فاذا تغيرت الافتراضات سيتغير الرقم لكن بحدود معقولة بنسبة قد تكون ما بين 3 و5%”.
وهل سيتحمل المودعون نسبة من الخسارة، قال: “نحن نريد توزيعا عادلا ومنصفا للخسائر ضمن القيود الموجودة، بمعنى آخر، ستتحمل المصارف والدولة ومصرف لبنان الكثير من هذه الخسائر، وسنحاول بقدر الامكان ان نخفف الخسائر على المودعين، بالأخص على الصغار منهم، وان نحافظ على اصل الوديعة. ومن الاقتراحات المعروضة ان يتم اقتطاع نسبة من الفوائد المرتفعة التي استفاد منها المودعون الكبار في حال لم تستطع المصارف والدولة ومصرف لبنان سد الفجوة”.
أضاف: “عندما تكون الفوائد مرتفعة جدا، فهذا يعني ان هناك مخاطر كبيرة، وعند تحقق هذه المخاطر يمكن للمودع ان يخسر شيئا من هذه الفوائد، لكن اعود واكرر بان الدولة والمصارف ومصرف لبنان هم المسؤولون مبدئيا عن الخسائر، والمودعون يتحملون جزءا قليلا من المسؤولية. أكرر انه يجب ان يكون هناك توزيع عادل للخسائر، ويجب العمل قدر المستطاع على الحفاظ على اصل الوديعة التي هي نتيجة تعب المواطن وجهده”.
وبالنسبة إلى امتعاض رئاسة الجمهورية من عدم اطلاعها على تفاصيل المفاوضات مع صندوق النقد، قال: “لم يكن هناك امتعاض، لكن كان هناك تمن ان تطلع الرئاسة على كل التفاصيل، وانا قلت ان المحادثات كانت حتى وقت قريب تقنية بحتة يقوم بها موظفو وزارة المالية ومصرف لبنان لأنها كانت تعنى بتحديث الارقام فقط، ولم يكن هناك مفاوضات بالنسبة الى السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، لذلك لم أر ان هناك امتعاضا، الا ان الرئاسة طلبت المشاركة والاطلاع وهذا من حق رئيس الجمهورية، فهو الذي يوقع على الاتفاقات الدولية، وقد ابديت استعدادي للذهاب كل اسبوع لاطلاع فخامة الرئيس على كل التفاصيل، وايضا هناك الآن ممثل عن رئاسة الجمھورية يحضر اجتماعات اللجنة المفاوضة مع صندوق النقد الدولي”.
وعن رأيه بسياسة المصرف المركزي، ختم: “لست بموقع تقييم سياسة البنك المركزي والتعاميم التي صدرت عنه مؤخرا والتي تأتي من ضمن صلاحيات المركزي لان لديه استقلالية في السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف. لكن بما أننا في خضم التفاوض مع صندوق النقد الدولي، فان كل قرار يتخذ يجب ان يكون من ضمن سلة متكاملة من الاصلاحات، وهذا ينطبق على كل الوزارات والسياسات بغض النظر من اين اتت، مما سيساعد في الوصول الى اتفاق مع الصندوق النقد الدولي على خطة تعاف اقتصادي في اسرع وقت ممكن”.