لم يعد الحديث عن حرب إسرائيلية محتملة خلال الأسابيع المقبلة مجرد تهويل، بل صار اندلاعها مسألة وقت، وسط تصاعد التوتر على الجبهة الجنوبية وتكثيف إسرائيل ضغوطها السياسية والعسكرية لشن عمليات واسعة ستطال ضرباتها مناطق جديدة، بذريعة نزع سلاح “حزب الله”. ويترافق التصعيد الإسرائيلي مع مواقف أميركية لا تمانع الحرب ضد الحزب، وفق ما عبر السفير الأميركي في لبنان ميشال عيسى حول أمن إسرائيل، مع نقل تحذيرات للبنان بأن إسرائيل ستوسع عملياتها.
في المرحلة المستقطعة مع زيارة البابا لاوون الرابع عشر التي يراهن لبنان على أن تشكل جرعة دعم لتخفيف الاحتقان وتجنب الحرب، يأتي الاجتماع المقرر للجنة “الميكانيزم” الأسبوع المقبل وزيارة الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، لتشكل مرحلة فاصلة بين اندلاع الحرب الإسرائيلية أو الذهاب نحو تسويات التفاوض، لكن ذلك مشروط بممارسة واشنطن ضغوطاً على إسرائيل لوقف الحرب. ويشكل اجتماع “الميكانيزم” بحضور أورتاغوس محطة استثنائية، إذ يترقب لبنان ما ستدلي به الموفدة الأميركية حول الوضع في الجنوب، حيث تنقل مصادر ديبلوماسية عن أوساط أميركية أن واشنطن تنتظر ما سيقوله الجيش اللبناني في الاجتماع حول نزع السلاح، وطريقة عرضه لتقاريره لناحية تقليص نفوذ “حزب الله” وما إذا كانت هناك تغيّرات حدثت في مهمته بجنوب الليطاني. وفي المسار الديبلوماسي المرتبط بمحاولات تخفيف التوتر، ينتظر لبنان أيضاً زيارة وفد من الدول الأعضاء في مجلس الامن الدولي إلى بيروت ويراهن على دور محتمل له مع ضغوط دولية لوقف الانتهاكات الإسرائيلية وتجنب التصعيد.
لكن خطر الحرب الإسرائيلية يتجاوز كل الجهود الديبلوماسية الدولية لمنع التصعيد، إذ تتكشف يومياً خطط تل أبيب حول جنوب الليطاني، متسلحة بذرائع إعادة “حزب الله” ترميم قدراته العسكرية وعجز الحكومة اللبنانية عن حصر السلاح. وقد بات واضحاً أن إسرائيل تحاول فرض أمر واقع في المنطقة الحدودية، متجاوزة اتفاق وقف النار الذي أعلن في 27 تشرين الثاني 2024، وتفسره على طريقتها. ووفق ما يتسرب عن الخطة الإسرائيلية، فهي تسعى لوضع قواعد جديدة جنوباً تبدأ بتثبيت منطقة عازلة على الشريط، ومنطقة خالية من السلاح تشمل جنوب الليطاني، وأن تكون يدها مطلقة في التدخل الأمني مع انتهاء ولاية “اليونيفيل”، وهذه شروط تطيح بالقرار 1701 وفرض اتفاق جديد في أي مفاوضات مقبلة.
تضع إسرائيل سيناريوات عدة لتنفيذ خطتها، مستندة إلى موقف أميركي مؤيد للقضاء على “حزب الله” خصوصاً وأن الولايات المتحدة أعلنت بوضوح شروطها في ما يتعلق بـ”حزب الله” الذي لا يزال على موقفه برفض التعاون مع الدولة لحصر السلاح، وتسهيل مهمة الجيش في بسط سيطرته لقطع الذرائع الإسرائيلية، ولا يزال يراهن على تطورات في المفاوضات الإيرانية – الأميركية، أو إعادة تنظيم المحور الممانع في المواجهة، بما في ذلك استمرار استخدام لبنان ساحة، على رغم عجز الحزب عن الرد على الاغتيالات.
وما يعزز خطر الحرب، ما يجري في الداخل الإسرائيلي، إذ تنقل وسائل إعلام ارتفاع الأصوات والدعوات إلى تكثيف العمليات العسكرية ضد لبنان، ووفق ما ينقل عن مسؤولين عسكريين أن إسرائيل ستوسع استهدافاتها لتطال أهدافاً استثنتها في حرب الـ66 يوماً العام الماضي، بما في ذلك مراكز ومرافق للدولة وبنى تحتية، وإحداث تهجير شامل لبيئة “حزب الله” وحتى لبيئات أخرى، بهدف دفع لبنان كله للوقوف ضد الحزب وتحميله مسؤولية الانهيار والدمار.
وفي السيناريوات التي يجري تداولها في إسرائيل حول الحرب أو توسيع العمليات، تركيز الضربات على منطقة البقاع التي تشكل خزان الصواريخ المتبقية أو الأنفاق التابعة لحزب الله، وفق ما تروج له تقارير إسرائيلية، وأن الحرب المقبلة ستشمل شمال الليطاني من دون أن يعني ذلك توغلاً برياً واسعاً إلى جنوبه، فيما تعتبر إسرائيل أن المرحلة الحالية بموازينها فرصةً لتثبيت واقع جديد، لن يكون في إمكان لبنان مع أزماته وعجزه عن تنفيذ الالتزامات الدولية إلا الخضوع للشروط الصارمة أو الانهيار؟
المصدر – النهار


