السوريون الآتون عبر ممرّات التهريب هم من “المهاجرين الاقتصاديين” ولا تنطبق عليهم صفة اللاجئين

Share to:

الديار – ندى عبد الرزاق

تعتبر أرقام الاحصاء السكاني كالتحدي الأساسي الذي يواجه لبنان اليوم، ففي غياب البيانات ونشر المعلومات المضلّلة، بين هجرات وافدة من العمال المهاجرين والنازحين، وموجات هجرة مغادرة من اللبنانيين، يغرق لبنان في بحر اللاجئين. فهو البلد الوحيد من بين 237 دولة ومقاطعة في العالم لا يعرف ولا يقوم بتعداد لسكانه منذ الاستقلال، بحيث لا يمكن الاطّلاع على اعداد المقيمين فيه الذين يعيشون على أرضه من جنسيات متنوّعة.

أمام هذا الواقع، يقطن في لبنان اليوم قرابة ثمانية ملايين ساكن، بحيث ان نحو نصف المقيمين هم من غير اللبنانيين. ففي مخيّم كبير يضم النازحين السوريين، وعددهم بات نحو ثلاثة ملايين نازح (يشمل العدد المسجلين وغير المسجلين بطرق غير شرعية)، بالإضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين وعددهم نحو 500 ألف لاجئ، كما هناك عراقيين، وغيرهم من العمال العرب والأجانب، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من عديمي الجنسية والمكتومين، والأطفال من أمهات لبنانيات بدون جنسية (حوالى 300 ألف حالة)، وهذا ما يجعل عدد الموجودين غير اللبنانيين يتراوح بين ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف وأربعة ملايين عربي وأجنبي، يمثّلون قرابة نصف سكان لبنان.

تغيير ديموغرافي

وفي هذا الخصوص قال رئيس مركز السكان والتنمية الدكتور علي فاعور لـ “الديار”: “يتبين من دراسة الوضع السكاني في لبنان، وللفترة الزمنية بين 1932 و2018، وجود تراجع سريع في معدلات النمو السكاني، فقد تزايد عدد السكان اللبنانيين (المقيمين في لبنان) من نحو 875,252 نسمة عام 1932، ليبلغ مستوى 3,864,000 عام 2018. حيث تضاعف عدد السكان (اللبنانيين) مرة واحدة بين 1970 و2018، وذلك خلال مدة 48 سنة التي كانت حافلة بالنزاعات والصراعات وأدت الى تهجير الشباب وافراغ لبنان من موارده البشرية”.

اضاف: “اما بالنسبة لكبار السن (65 سنة وأكثر)، فقد نَمَا عددهم في لبنان بمعدل خمسة أضعاف تقريبا خلال الفترة ذاتها. بينما بلغ لبنان عام 2023 أعلى مستوى في “مرحلة الشيخوخة” البالغ 14 في المائة بحسب محددات الامم المتحدة”.

انخفاض الولادات وتراجع الزيادة السكانية

واشار الى” ان هذا الواقع أدى الى تراجع الزيادة الطبيعية للسكان اللبنانيين بين 2018 و2022، حيث يتّضح من مقارنة أرقام الولادات والوفيات تراجع كبير في عدد الولادات (-38 في المائة)، مقابل زيادة في أعداد الوفيات (+6.2%)، كما يظهر تراجع كبير في عدد معاملات الزواج (-24.6%)، وبالمقابل تزايد عدد معاملات الطلاق الى مستوى (26.5%) من مجمل عقود الزواج عام 2022″.

وتابع مفصّلا بالأرقام “لقد انخفض متوسّط حجم الأسرة للسكان المقيمين في لبنان من 4.6 أفراد عام 1996 الى 4.3 عام 2004، ليصل الى مستوى 3.8 كمتوسط عام في لبنان عام 2018، والى 3.6 بالنسبة للأسر اللبنانية وحدها، وهو قد بات دون مستوى الخط الأحمر (2.2 طفل للمرأة الواحدة)، أو حتى مستوى الإحلال”. اضاف : “عندما نتوسع في قراءة الخريطة الديموغرافية، تبرز التباينات المناطقية على أشدّها، فقد انكمش حجم الأسرة مع تفاوت متناءٍ بين الأقضية، حيث يتبين ان المناطق ذات الأغلبية المسيحية في المتن وكسروان قد دخلت مرحلة شيخوخة السكان السريعة. وبينما سجّلت عكار أكبر متوسط حجم للأسرة 4.8 أفراد، و4.7 في المنية الضنية، و4.4 في طرابلس، فقد سجّلت جزين المتوسط الأقل في لبنان (3.3)، كما انخفض متوسط حجم العائلة في البترون وكسروان وراشيا الى 3.4 لكل منهم، والمتن 3.5، وكذلك في بيروت 3.4”.

وقال : “نستنتج أن الزيادة في أعداد المسلمين تكاد تنحصر في عكار وشمال لبنان، وهي ناجمة بشكل أساسي عن ارتفاع نسبة الولادات لدى السكان المجنسين عام 1994، الذين وصل عددهم اليوم الى أكثر من نصف مليون نسمة”.

اختلال التوازن في التركيب العمري والفئات العمرية

وتابع: “الانخفاض السريع لفئة صغار السن (دون 15 سنة)، بينما بالمقابل ارتفعت نسبة كبار السن مع وجود تباينات مناطقية شاسعة. هذه المعطيات والأرقام تكشف بوضوح كامل سرعة التحولات الديموغرافية، والتباينات المناطقية المتباعدة في لبنان، وكذلك أماكن الضعف في البنية السكانية، ومدى تأثيرها في التوازن الديموغرافي بين الطوائف، حيث يتحوّل المجتمع اللبناني نحو الشيخوخة مع تزايد عدد كبار السن، والتحوّل السريع في شكل الهرم السكاني نتيجة موجات الهجرة المغادرة لبنان، تقابلها موجات وافدة من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، مما سيؤدي إلى تغيير ديموغرافي لم يعرفه لبنان في تاريخه، وهو يهدد التنّوع السكاني في تركيب الكيان اللبناني خلال السنوات القليلة المقبلة”.

هل من خطة لدى لبنان لإعادة النازحين السوريين، وكيف يمكن حل هذه الازمة؟

وفي هذا الشأن قال: “لقد أدت الأزمة الاقتصادية اللبنانية والتنافس على الوظائف وارتفاع حدة البطالة والفقر، الى تزايد المواقف المطالبة بترحيل النازحين، ومع تصاعد التوترات الأمنية والعنف، والصراع للحصول على موارد العيش، نتيجة ارتفاع أعداد النازحين السوريين المقيمين بشكل غير قانوني على كافة الأراضي اللبنانية، مما أدى الى تفاقم معاناة اللبنانيين واللاجئين السوريين في ظل الانهيار المالي الذي تشهده البلاد. ونتيجة لهذه التداعيات يعمل لبنان على مشروع اعادة النازحين عبر التواصل مع الحكومة السورية، وبهدف صياغة خطة شاملة لتنظيم العودة الى المناطق الآمنة في سوريا خلال مراحل زمنية، وذلك في إطار العودة الشاملة للاجئين السوريين من البلدان المجاورة لسوريا”.

ويلاحظ بحسب البيان الصادر عن اجتماع “عمّان التشاوري”، الذي استضافه الاردن في شهر أيار 2023، لوزراء خارجية الأردن والسعودية ومصر، مع وزير الخارجية السوري، التأكيد على أن “العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم هي أولوية قصوى، ويجب اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذها فورا”. وفي حزيران 2023، وخلال اجتماعه مع وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في دمشق، أكد الرئيس السوري أن عودة اللاجئين السوريين بحاجة الى “توفير متطلبات إعمار البنى المتضررة في القرى والمدن التي سيعودون إليها، وتأهيل المرافق الخدمية الضرورية لعودتهم”.

القوانين التي تستند إليها الحكومة اللبنانية لإعادة اللاجئين

وفي هذا الصدد وضّح، “ان قانون تنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه الصادر عام 1962، والذي نصّ “على صلاحية المدير العام للأمن العام في إصدار قرارات بترحيل الأجانب في حالات استثنائية حيث يشكل الأجنبي خطراً على السلامة والأمن العام”.

كذلك لا يمكن اعتبار السوريين في لبنان كلاجئين، ذلك أن لبنان لم يوقع على اتفاقية اللاجئين العالمية في العام 1951، وبروتوكول العام 1967 التابع لها؛ وبالتالي وفق مذكرة التفاهم التي صدرت عام 2003 عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتعاون مع وزير الداخلية والبلديات والمدير العام للأمن العام اللبناني، حول التعامل مع المتقدمين بطلبات اللجوء لدى مكتب المفوضية في لبنان، حيث ورد فيها أن عبارة “طالب لجوء” وحيثما وردت في هذه المذكرة تعني طالب لجوء إلى بلد آخر غير لبنان”.

كما اتخذ المجلس الأعلى للدفاع عام 2019، عدداً من القرارات المتعلقة بالنازحين السوريين، تشمل “ترحيل المواطنين السوريين الداخلين إلى لبنان عبر ممرات التهريب، ودون المرور بالمعابر الرسمية”. وهؤلاء الذين يتنقلون عبر الحدود، هم من المهاجرين الاقتصاديين ولا تنطبق عليهم صفة اللاجئين “.

كما يُضاف الى كل هذا اعتماد لبنان مبدأ تأكيد “السيادة الوطنية” وفق قرار اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2018، ويشمل التأكيد على الحق السيادي للدول في تحديد سياستها الوطنية الخاصة وحقها في إدارة الهجرة ضمن حدودها السيادية”.

مخاطر التغيير الديموغرافي: هل سيتحوّل لبنان الى بلد لاجئين؟

في هذا الصدد اعتبر فاعور: “ان لبنان يتغيّر ينهار، أهله يهاجرون، وأبناؤه يبحثون عن وطن بديل بينما هو يغرق في أسوأ أزمة اقتصادية وسياسية شهدها العالم، وتستمر السلطة الحاكمة في عملية “الإنكار المتعمد” لمختلف جوانب الحالة الكارثية التي يعيشها اللبنانيون في مواجهة الانهيارات الاقتصادية المالية المتتالية، مما أدى الى افقار وتجويع وتهجير اللبنانيين، حتى بات لبنان بحسب بيانات شعبة السكان في الأمم المتحدة، الدولة الأولى في العالم من حيث تناقص عدد السكان”.

ونتيجة اعتماد السياسات الفاشلة في الحكم، يسعى المجتمع الدولي اليوم من خلال الدعم المالي الى تثبيت النزوح السوري ودمج اللاجئين، حيث ترتفع سنوياً أعباء وتكلفة اقامة النازحين والتي باتت طوال 12 سنة متواصلة، تفوق الـ 50 مليار دولار، وهي توازي أكثر من عشرة أضعاف المساعدات الدولية وبرغم تفاقم أزمة النازحين وتزايد عمليات التهريب عبر الحدود، حيث بلغت نسبة الحاصلين على اقامة قانونية نحو 16% عام 2021، ونسبة الولادات المسجلة 31% فقط؛ وبينما ترتفع اعداد المقيمين بطرق غير شرعية، تستمر الضغوط الدولية على لبنان، حيث يتم تأجيج الصراعات الداخلية واستغلال حاجة القيادات اللبنانية الضعيفة والمتناحرة الى غطاء دولي يحميها. مما يسهل ويسرع عملية تثبيت التغيير الديموغرافي الواسع من خلال اغراق لبنان في مزيد من الفوضى والانهيار. لجهة اختلال التوازن وتعديل الصيغة اللبنانية المتنوّعة القائمة بين الطوائف، والسنوات القليلة المقبلة سوف تغير وجه لبنان”.

Exit mobile version